Al Jazirah NewsPaper Friday  06/03/2009 G Issue 13308
الجمعة 09 ربيع الأول 1430   العدد  13308
في ندوة تكريم الشخصية الثقافية السعودية
د. عبدالعزيز الخويطر.. علم بارز وتراثي مستنير

 

ضمن النشاط الثقافي في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته الرابعة والعشرين أقيمت ندوة تكريم شخصية سعودية وهو أ.د. عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، وذلك بقاعة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بجامعة الإمام محمد بن سعود وبحضور معالي وزير الثقافة والإعلام د. عبدالعزيز خوجة ومعالي وكيل الحرس الوطني د. عبدالرحمن السبيت وقد تحدث في البداية مدير الندوة الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي قدم من خلالها المشاركين في الندوة.

كل مهرجان وطني للتراث والثقافة وأنتم بخير، وهذا الوطن بشموخه وثقافته يتألق وبعد:

** هذه الندوة عنوانها الأبرز (الوفاء والإيفاء).. الوفاء من وطن ومهرجان ومثقفين، والإيفاء بحق رمز من رموز هذا الوطن على مدى العقود الماضية معالي الدكتور الأديب المؤرخ عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر الذي كان مرضياً لوطنه وقيادته وثقافته وأبناء وطنه فكان الكل وفياً له. إن (ثقافة الوفاء) ليست غريبة على هذا الوطن فهو حاضن قيم الإسلام، وحامل شيم العروبة، وحارس موروث العرب.

إن الله سبحانه أطرى نبيه إبراهيم بشيمة الوفاء {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- عنوان الأسوة بالوفاء، لقد بلغ وفاؤه لزوجه خديجة بعد وفاتها رضي الله عنها أنه كان إذا أُهدي له طعام طيب يقول: أعطوا صويحبات خديجة فإن خديجة تحبهن.

وفي ديوان الشعر العربي قلائد ترسخ عقود الوفاء على جيد الزمان.. ألم يقل الشاعر العربي الوفي:

إذا ما أتته الريح من نحو أهله

تنشق يستشفي برائحة الأهل

لقد أردت بهذه التوطئة لهذه الندوة بلورة جذور منابت الوفاء في أمتنا وتراثنا الذي انطلقت والذي جاءت هذه الندوة منطلقة منه وعائدة إليه.

* * *

أيها الحضور.. هذه الندوة ستتناول سيرة ومسيرة معالي المكرم بمساراته التاريخية والتربوية والأدبية، وسوف يتناول كل متحدث واحداً من هذه المسارات.

أما المتحدثون فهم أعلام في رؤوسها أنوار لا نيران..!

ولن أطيل بسرد سيرهم كما زودتني بها إدارة المهرجان.

المتحدث الأول هو المؤرخ أ.د. أحمد الزيلعي أستاذ التاريخ والآثار بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، وقد انضم إلى قافلة الشورى في دورته الجديدة وله عطاؤه وبحوثه التاريخية المنشورة، من هنا سيكون حديثه عن الجانب التاريخي في مسيرة المحتفى به وهو خير من يتحدث عن هذا الجانب.

أما الفارس الثاني فهو د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الثنيان التربوي العريق، حيث كان وكيلاً لوزارة التربية والتعليم على مدى سنوات طويلة، وقد أسهم في حمل مسؤوليات التربية والتعليم مع أستاذه وأستاذنا معالي د. عبدالعزيز الخويطر عندما كان معاليه وزيراً للمعارف على مدى ثمانية عشر عاماً، ود. عبدالعزيز الثنيان وإن كان قد ابتعد عن التربية جسداً، عندما عُين عضواً في مجلس الشورى، فهو لم يستطع أن يغرد خارج سربها؛ فهو تربوي أولاً وأخيراً، ومن هنا فهو الأجدر بالحديث عن الجانب التربوي في رحلة معالي المكرم التربوية.

أما المتحدث الثالث فهو الأديب د. ناصر الحجيلان عضو هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، ومدير عام مركز الشيخ حمد الجاسر الثقافي، وهو متخصص بالنقد الثقافي وكاتب قدير وسيكون القادر - بإذن الله- على تجلية جوانب د. الخويطر الأدبية.

* * *

** أما الوقت فإن الوقت المحدد لهذه الندوة هو ساعة ونصف ساعة، وأصعب شأن على مدير ندوة أن يكون مضطراً إلى تفصيل قماش الوقت القصير على جسم المشاركات ذي الحجم الكبير {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، لكن ما رأيكم - والأمر شورى- أن نجنح إلى تقسيم وسطي بحيث نقسم الوقت إلى شطرين؛ ساعة للمتحدثين الثلاثة؛ كل واحد منهم له من مقدار الوقت ثلث ساعة (20) دقيقة، والمتحدثون ثلاثة تلك إذن ساعة كاملة، تبقى ثلاثون دقيقة ستكون للحضور الأكارم لمداخلاتهم وتعليقاتهم.

الآن أدعكم مع فرسان هذه الندوة.. ونبدأ بشيخ المعارف (التاريخ) فيتحدث سعادة د. أحمد الزيلعي عن الجانب التاريخي للمكرم.

بعد ذلك استهل الندوة أ.د. أحمد عمر الزيلعي عضو مجلس الشورى بكلمة أوضح فيها جهود معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، وتناول فيها الجانب التاريخي للشخصية المكرمة مستعرضاً جهود معاليه بوصفه علماً بارزاً وساطعاً، حقق البروز والتقدير العلمي بوصفه أول أستاذ سعودي للتاريخ بجامعة الملك سعود، حيث عرف بالجد والمثابرة. وسلط الضوء على عدة مؤلفات للدكتور الخويطر وجهوده في تحقيق بعض مصادر التاريخ، وكتبه المؤلفة في التاريخ؛ منها كتب: (الظاهر بيبرس) و(يوم وملك) و(تاريخ التعليم)، حيث يعد هذا الأخير مرجعاً لتاريخ التعليم في المملكة.

كما ركز في ورقته على طرق البحث العلمي ودراسة المصادر في مؤلفات الدكتور الخويطر والقيمة التاريخية لما نشر من مذكراته الشخصية، ذاكراً ميزاته في التحقيق والتأليف.

فيما كانت الورقة الثانية من تقديم عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالعزيز الثنيان الذي تناول الجانب التربوي والتعليمي للدكتور الخويطر، لافتاً النظر إلى أنه كان أنموذجاً في الحزم والضبط والأمانة بنشر الجدية لطلابه؛ قادة المستقبل وبناة الغد، حيث عاصره إبان عمله وزيراً للمعارف سابقاً، وسلط الضوء على عمل الشخصية المكرمة في مجال المناهج، مشيراً إلى أن فترة عمله في وزارة المعارف تميزت بتنوع مصادر التأليف لمناهج الوزارة؛ حيث طرقت الوزارة كل الأبواب لتطوير المناهج، فضلاً عن الاهتمام باللغة الإنجليزية، مع تدريب المعلمين على تلك الكتب، بالإضافة إلى إسهام معاليه في نظام الأسر الوطنية، فضلاً عن إنجازه في وضع الكادر التعليمي وإسهامه في العديد من مشروعات وزارة المعارف.

وقال د. الثنيان: بادئ ذي بدء، أقدم وافر الشكر لمهرجان الجنادرية الذي أتاح لنا هذه المناسبة النوعية لتكريم شخصية تستحق الإشادة والثناء، وكم في بلادنا من رموز ثقافية وتعليمية وسياسية واجتماعية، تستحق الإطراء والتكريم، بل من حق هذا الوطن أن نزرع في نفوس شبابه الثقة في رموزه، والعمل على أن يكون منهجهم الفكري والثقافي محور اهتمام هؤلاء الشباب.. إكمالاً للمسيرة ودفعاً لعجلة التنمية في وطننا الغالي.

أيها الإخوة: إن كلمتي إذ تتناول الجانب التعليمي لمعالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر.. هذه الشخصية التي يحتفي بها مهرجاننا الثقافي، فإنها تحتاج إلى وقت أطول بكثير مما هو متاح لنا الآن، وإذا كان بعض من يريد أن يتحدث عن شخصية ما، يبذل جهده في لمِّ شواردها وجمع عناصرها فإن علاقتي الطويلة والمتشعبة بمعالي الدكتور الخويطر قد جعلتني أستعيد الذاكرة لأعرض الصورة الحقيقية لشخصيتنا المكرمة بعيداً عن العواطف ومستحضراً قول شيخ المعرة أبي العلاء المعري:

من الناس من لفظه لؤلؤ

يبادره اللقط إذ يلفظ

وبعضهم قوله كالحصى

يُقال فيلغى ولا يحفظ

نعم.. سوف أعرض -إن شاء الله- مواقف لشخصيتنا تحفظ وتروى، وتقال وتذكر، ولكن أيها الإخوة.. بقيت المشكلة الكبرى.. وهي أنني عندما فتحت الكتاب التعليمي الذي لم يكتب بعد عن هذه الشخصية المكرمة تحيّرت أي الأبواب أعرض؟ وأي الفصول أتناول؟ وأي الموضوعات أبسط؟ وأي المواقف أروي، فهل -يا ترى- أتحدث عن شخصيته عندما كان في جامعة الملك سعود؟! أم عندما عرفته يوم كنا معاً في وزارة المعارف؟ وهل يا ترى أتحدث عن المناهج؟ وكيف كانت رؤيته نحوها؟ أم عن المعلمين وموقفه من إعدادهم وحقوقهم وتطويرهم؟ أم عن المباني المدرسية؟

وكيف كان تعامله معها؟ أم عن التجهيزات المدرسية وكيف كانت توجيهاته؟ أم أتناول إدارته وتعامله مع مساعديه ورجال التربية والتعليم؟ أم تعامله مع المراجعين وحاجاتهم؟ أم.. وام.؟!

ولهذا أعتذر إليكم وإلى معاليه بأني لن أوفي الموضوع حقه، فالوقت لا يسمح ومناقب الدكتور الخويطر لن تحصرها هذه الدقائق المحدودة.

وأرجو أن أجد - فيما بعد - الوقت الأرحب لأدلي بشهادتي كاملة حول مسيرة معاليه التعليمية.

ايها الإخوة: لكيلا يكون الكلام مرسلا بلا دليل، وعاطفيا لا تقبله إلا أذن الرضا، فإني أوجز لكم بعض المواقف التي تحكي جانبا من الواقع وتصور شيئا من حقيقة الأمر..

لقد عرفت الرجل سماعا عندما كان في جامعة الملك سعود، وكيف كان حازما في عمله، ويسعى أن تكون الجامعة انموذجا في الحزم والضبط والأمانة والإعداد الجاد، ولا غرو فرجل العلم المنضبط حين يتحمل المسؤولية ينشد الجدية لطلابه قادة المستقبل، وبناة الغد.. وأحمد الله فقد رأى الثمار الزكية وفاخر - ونحن معه نفاخر - بجامعة الملك سعود، وما خرجته من رجال يشاركون اليوم في بناء الوطن.

وعندما باشر معاليه العمل في الوزارة عام 1395هـ كنت أتساءل - وقد جاء الرجل الحازم الجاد الذي وصلتنا مهابته قبل مباشرته، يا ترى.. كيف ستكون المسيرة مع هذه الشخصية الحازمة؟ وبدأت التعرف على الرجل من وراء ستار، فقد كنت آنذاك في الصفوف الخلفية بجهاز الوزارة..

كنت أعمل في المناهج وكان في الوزارة قيادات تربوية وإدارية تركت بصماتها على التعليم، وكان د. سعود الجماز هو رئيسنا والمسؤول عن إدارة المناهج وكانت لدينا في المناهج مجموعة من البرامج التطويرية بعضها قيد التنفيذ وبعضها يحتاج للعرض لمعالي الوزير ليوافق عليها ويعتمدها ووجدنا من معالي د. الخويطر دعم تلك البرامج التطويرية.

أولاً: في مجال المناهج:

وسوف أعرض لأمرين يوضحان موقف شخصيتنا المكرمة في هذا الامر.

الأمر الأول: تنوع مصادر التأليف:

لقد بارك هذا الإجراء ودفع به إلى التنفيذ، ولهذا طرقت الوزارة في تلك الفترة كل الأبواب لتطوير المناهج، من خلال تكليف عدد من الجهات العلمية والشخصيات المؤهلة للمشاركة في التأليف، وأذكر انه في مجال الرياضيات والعلوم تم الاتفاق مع الجامعة الأمريكية في بيروت، والتي كانت ذات سمعة علمية قوية، فقد عهدت إليها الوزارة بتطوير هذين الفرعين في مرحلتي الابتدائي والمتوسط ووقعت الوزارة معها عقدا لتطوير هذه المواد وأنشأت الوزارة مراكز سمتها (مراكز العلوم والرياضيات) لتوفير المزيد من المعلمين في تلك التخصصات وأسندت الوزارة لكلية العلوم في جامعة الملك سعود تطوير مادة العلوم في المرحلة الثانوية. وكلفت بعض الشخصيات العلمية من اساتذة الجامعات والمختصين في الوزارة لتأليف كتب الرياضيات في المرحلة الثانوية.

وعرضنا لمعاليه رغبتنا في تكليف أكثر من جهة تعليمية لتأليف كتاب القراءة للصف الأول الابتدائي، وأنه سوف تصرف لكل جهة مكافأة تشارك معنا، ونجرب تلك الكتب في عدد محدود من المدارس، ثم نعمم الكتاب الأنسب منها: فبارك الخويطر تلك الخطوة وكتبنا بذلك لكلية التربية في جامعة الملك سعود وكلية التربية في جامعة أم القرى وكلية التربية في جامعة الملك عبدالعزيز فرع المدينة المنورة وكلية اللغة العربية في جامعة الإمام، وفريق آخر من المعلمين والموجهين في الوزارة.

وخوطبت تلك الجهات، وتفاعل بعضها معنا، ووصلتنا المؤلفات، وصرفت لهم المكافآت، وتم التجريب، ومن ثم اعتماد الأنسب وتعميمه، وهو ما ورد من كلية التربية في المدينة المنورة.

واهتمت الوزارة باللغة الإنجليزية، وأعلنت للشركات الأجنبية طلب تأليف كتب للغة الانجليزية مع تدريب المعلمين على تلك الكتب ونشرت الوزارة اعلاناتها في بريطانيا وامريكا وتقدمت مجموعة من الشركات الأمريكية والبريطانية، ورشح فريق الفحص بقيادة الموجه أحمد العزوني رحمه الله شركة (ماكملان) البريطانية التي ألفت الكتب، وقامت بتدريب المعلمين.. إنفاق سخي وجهود متواصلة.

نظام الأسر الوطنية:

الأمر الثاني في مجال المناهج الذي يجدر ذكره، هو نظام الأسر الوطنية، لقد بارك معاليه نظام الأسرة الوطنية ودعم هذا المشروع، ففي تلك الفترة رفعت الوزارة للمقام السامي نظام الأسر الوطنية، وهو نظام مرن، يتيح للوزارة الاستعانة بالكفاءات العلمية، وصرف المكافآت المجزية. وكان الخويطر - وهو المشهور بالحزم في الأمور المالية - كان كريما سخيا في الإنفاق على الجانب الفكري والعلمي، فقد شجع على اعطاء المزيد من المكافآت لأعضاء الأسر من أساتذة الجامعات والموجهين والمعلمين الذين لديهم القدرة على الكتابة والتأليف. وجاء النظام ليمنح كل عضو عن كل جلسة ألف ريال، بينما كانت تمنح اللجان الأخرى في الجامعات وغيرها خمسمائة ريال.

وتضاعفت مكافآت المؤلفين - على يد الدكتور الخويطر، فبعد أن كانت اللوائح تحدد المكافآت بعشرين ألف ريال لكل كتاب مدرسي صار الكتاب الواحد ستة كتب، كتاب الطالب، كتاب المعلم، كتاب النشاط، وكل كتاب قسم إلى كتابين، للفصل الأول كتاب، وللفصل الثاني كتاب.. وهكذا ارتفعت المكافآت من عشرين ألف ريال للكتاب الواحد إلى مائة وعشرين ألف ريال..

وعندما عُينت وكيلا لوزارة التربية والتعليم كان معاليه يؤكد على أهمية المناهج والكتب المدرسية، وأذكر أنني أخبرته اننا نقوم بقراءة بعض الكتب المدرسية مساء كل يوم في مكتب وكيل الوزارة وندون ملاحظاتنا ويشارك في اللقاء وكيل الوزارة المساعد للتطوير التربوي آنذاك د. سعيد المليص، والمستشار في الوزارة د. عبدالله العثيمين الأستاذ بجامعة الملك سعود، ورؤساء وحدات المواد في المناهج وبعض المختصين.. وقال سوف أشارك معكم، وكان معاليه يسبقنا إلى مكتب وكيل الوزارة بعد مغرب كل يوم ليشارك في قراءة تلك الكتب وإبداء الملاحظات..

هذه وقفات موجزة عن الشخصية المكرمة والمناهج.

ثانياً: قصته مع المعلمين:

أما المعلمون فقصته معهم مشرقة وضاءة.. إذ كانت مهنة التعليم - قبل توليه الوزارة - مهنة غير مرغوبة، وكليات التربية وإعداد المعلمين تعاني من ضعف الإقبال عليها. لضعف العائد المادي للمعلمين.

ولهذا درست الوزارة هذه الاشكالية، وسعت لإيجاد كادر خاص بالمعلمين، وبذلت الوزارة ورجالها وعلى رأسهم معالي الدكتور الخويطر الجهود الموفقة لإصدار هذا الكادر، وأكدوا على أهمية المعلمين، وأصروا على ضرورة افرادهم بكادر خاص يضم فيه الراتب الأساس مع البدلات التي تمنح لهم ليستفيدوا عند التقاعد بأكبر قدر ممكن، وان تكون الترقيات من مستوى إلى مستوى مربوطة بالتأهيل العلمي، وصدر ذلك الكادر بالقرار رقم 590 في 10-11- 1401، ليعمل به في 1-7- 1402هـ.

وكان ذلك الكادر من أفضل السلالم الوظيفية في الدولة.. وعلى اثره تنافس المعلمون في طلب العلم والتحصيل وتنامت أعداد الحاصلين على الدرجات العلمية الرفيعة.. وفي عام 1407هـ صدر الامر السامي الكريم بأن يكون الحد الأدنى للمؤهل العلمي للمعلمين هو الجامعة، وتحولت بناء على ذلك الكليات المتوسطة لإعداد المعلمين إلى كليات جامعية، صار اسمها كليات المعلمين.

وحين باشرت عملي وكيلا للوزارة عام 1412هـ كانت الظروف المالية للدولة صعبة والدين العام يتزايد، وورد خطاب يطالب مشاركة الوزارة في لجنة من المالية ووزارة الخدمة المدنية لإعادة النظر في وضع كادر المعلمين، وحين عرضت الأمر لمعاليه وطالبت منه التوقيع على تكليف ممثل الوزارة رفض التوقيع والمشاركة في تلك اللجان، وصرح بأن الكادر اصبح حقا مكتسبا للمعلمين، وان وزارته لن تشارك في مثل هذه اللجان.. وبالفعل انتصر الخويطر للمعلم الذي راهن على دوره في النهوض بالوطن الغالي.

ثالثاً: في مجال المشروعات

وفي مجال المشروعات، فإن الاعتمادات المالية للوزارة تتفاوت من سنة لأخرى حسب الظروف الاقتصادية للدولة، وكان يهتم بالمشروعات ويؤكد عليها باستمرار، فالبيئة التعليمية الجاذبة أساس في نجاح التعليم، وسأعرض موقفا واحدا يكشف عن شخصيته في هذا المجال، فالوقت لا يتسع للمزيد..

في عام 1412هـ، ومع ظروف الدولة الاقتصادية الصعبة، وردت الموافقة السامية على أن تقوم شركة الراجحي المصرفية بتمويل بناء 200 مدرسة للبنين، و200 مدرسة للبنات. وحين وردت الموافقة استدعاني إلى مكتبه، وقال: هذه هي الموافقة السامية، والعدد 200 مدرسة، ولم يحدد لكم المبلغ ركزوا على المدارس الكبيرة.

وبدأنا في ترسية المشروعات وكان لدينا مجموعة من الأراضي الكبيرة في الرياض والدمام والقصيم وجدة، فطرحنا عليهم مجمعات كبيرة، كل مجمع يشمل مجموعة مدارس كبيرة وملاعب وصالات رياضية مغلقة وتصل تكلفة المجمع الواحد ما بين أربعين إلى خمسين مليون ريال، وكانت المناقصة على أساس أن كل مجمع باسم مدرسة واحدة، فمدرسة جامعة الملك سعود بالرياض ومدرسة حي كذا في جدة، وفي الدمام.. وهكذا.

وحين جئت إليه بالمحضر لاعتماد الترسية قرأ الأوراق ودار الحوار الآتي:

قال: يا ظالم.. كيف وصلت تكلفة المدرسة الواحدة لهذه المبالغ؟!

قلت: ولهذا جئت بالمحضر لأشرح لك.

قال: وهل ترى انني سأقبل أن تكون تكلفة المدرسة الواحدة خمسين مليون ريال؟!

قلت: بالأمس قرأت باب الحيل عند ابن قيم الجوزية، ورأيت كيف تحدث الفقهاء في هذا الأمر، ولهذا سلكنا هذا الطريق..

قال: وما هي حيلتكم في هذه المشروعات؟! أحسب أن إبليس يتحدث على لسانك.

قلت: ولكنها حيلة للمصلحة العامة التي تنشدها، وتشجعنا عليها.

قال: اشرح لي الموضوع

قلت: هذه أراض كبيرة وطرحنا على الأرض مجموعة من المدارس باسم مدرسة واحدة (لأن العقود 200 عقد)، وقلنا القسم الابتدائي والقسم المتوسط والقسم الثانوي، وصالات لكل قسم وملاعب لكل قسم وهذه الأقسام باسم مدرسة واحدة وبعقد واحد ويستوعب كل مجمع قرابة ثلاثة آلاف طالب، فالتكلفة ليست لمدرسة واحدة وإنما لمجموعة مدارس بمرافقها..

وعند ذلك ابتسم ووقع المحضر، وبارك الإجراء، وقال: هكذا يكون العمل..

العدل والقسطاس

وأخيراً.. فقد كان معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر حريصا كل الحرص على أن يأخذ كل ذي حق حقه، وان نمنح المراجع الاهتمام والعناية.. كنت أقلب أوراقي القديمة فوقعت على خطاب لأحد المواطنين يشكو من عدم الاهتمام بطلبه، فإذا بمعاليه يحول لي ذلك الخطاب حيث كتب عليه ما نصه: كل من كتب خطابا للوزارة يجب أن يرد عليه، وإلا تكدست أعداد الساخطين الذين لا يعرفون أسباب عدم الاستجابة لمطالبهم، والإعلام ليس فيما ينشر في الصحف فقط، ولكن في تنوير الأفراد عن قضاياهم، لكسبهم إذا عرفوا الأنظمة وأنها هي التي تحكم الأمور بالعدل والقسطاس. نعم.. بالعدل والقسطاس كان منهجه في التعامل مع المواطنين.

أما علاقته بالمسؤولين في الوزارة فكانت حازمة واحترام للجاد وتقدير للأمين وتركيز على النهاية والمنتج على الطالب والمعلم والمدرسة.

جئته ذات يوم وعرضت عليه طلب الاشتراك في الصحف لكبار المسؤولين في الوزارة أسوة بالجهات الحكومية الأخرى.. ودار الحوار الآتي:

قال: وهل لديكم اعتماد مالي؟

قلت: نعم

قالك وكم يتوافر في ذلك البند؟

قلت: قرابة مليوني ريال.

قال: ألا تعلم الظروف المالية للدولة؟!

قلت: أعلم ذلك

قال: أي الأفضل.. نشترك للوزير ولمساعديه في الصحف؟! أم نوظف هذا الاعتماد فيما هو أهم؟

قلت: كيف؟

قال: من صلاحيتنا نقل هذا البند لبند أحوج

قلت: نعم

قال: أليس تدريب المعلمين أهم واجبات الوزارة؟!

قلت: بلى

قال: إذا انقلوا المبلغ لبند التدريب، وتوسعوا في تدريب المعلمين، فذلك أفضل.

وأكبرت الموقف وشاطرته الرأي.

هذه وقفات موجزة حول شخصيتنا المكرمة، أرجو أن أكون قد أسهمت في إلقاء الضوء على مسيرتها التعليمية.

ثم اختتم الأمسية بكلمة مدير الندوة الأستاذ حمد القاضي قال فيها:

مضى الليل والحب الذي لك لا يمضي

ونجواك أحلى في العيون من الغمض

لعل المتنبي اختزل في بيته الجميل إحساس كل واحد منا بعد انتهاء وقت هذه الندوة وليس نهايتها، فنحن جميعا لم نرتو من منابع المحتفى به من قبل مهرجان الوطن.. لم نرتو من عطر سيرته ومعين مسيرته. سيان منها التاريخية أو التربوية أو الأدبية.. ولكن كما يقول الشاعر عمر أبو ريشة: (بعض الربيع ببعض الورود يختصر).

لكم أيها الحضور والحاضرات ورود امتنان متعمدة بنضح التراث وعبق الثقافة وشذى التاريخ، لكم جميعا وافر الشكر مشاركين وحضورا ومسؤولين ومنظمين لمناشط المهرجان الوطني للتراث والثقافة لهذا العام.

وكانت الورقة الثالثة للدكتور ناصر الحجيلان عن الجوانب الأدبية للشخصية المكرمة، حيث سلط الضوء على الجوانب الأدبية في مؤلفاته مسلطا الضوء على موضوع التراث في مؤلفات الدكتور الخويطر. واستعرض مفهوم التراث لدى الخويطر واشكاله موردا حدوده الإقليمية في مؤلفاته مؤكدا أن مؤلفات الدكتور الخويطر أسهمت في إثراء التراث علميا فضلا عن تسجيله وتوثيقه، مشيرا إلى خصائص التراث في مؤلفات الخويطر من حيث الزمن والمكان واللغة.

عقب ذلك فتح باب الأسئلة والمداخلات للحضور.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد