Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/03/2009 G Issue 13309
السبت 10 ربيع الأول 1430   العدد  13309
بين الكلمات
قراءة من خلال حدث رياضي
عبد العزيز السماري

 

في الماضي عندما تختفي الحلول في عصر القبيلة يضطر أحياناً أطراف النزاع فيها إلى اللجوء إلى الخارج للبحث عن أشخاص محايدين للتحكيم في الصراعات الداخلية، وهو أسلوب اعتادت عليه القبائل في عصر كانت تحكمه التوازنات بين القوى داخل القبيلة أو خارجها، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى اللجوء إلى استقدام غرباء عن القبيلة لحكمها، ولا زالت بعض القبائل في الوقت الحاضر ينتسب مشايخها إلى خارج القبيلة.

ربما يغدو الأمر في ظاهره على أنه حكمة وعقلانية، مرادها المحافظة على تماسك القبيلة داخل الصحراء القاسية، لكنه في واقع الأمر يضرب في قلب تماسكها، ويخرق مبادئها التي تجمعت من أجلها، فذلك التقليد يعني بكل شفافية فقدان الثقة في نزاهة أفرادها، وأنهم غير أكفاء في قيادة القبيلة من الداخل، أو التحكيم في منازعات أفرادها، وهو عادة ما تكون نتائجه في غير صالح القبيلة، فعنصر الثقة في نزاهة وكفاءة أفرادها تم تقويضه من الأساس، وفتح الباب على مصراعيه للتشكيك في كل القيم الأخرى.

لكن هذا الأمر قد يأخذ اتجاهاً خطيراً إذا حدث داخل الدولة العصرية التي من أهم مبادئها التنموية الاستثمار في إنتاج القيادات والكوادر الوطنية، وفي بناء المصداقية والثقة في مواطنيها.. لذا على سبيل المثال أجد صعوبة في تبرير قرار الاستعانة بحكام أجانب لإدارة المباريات الحاسمة لكرة القدم في الدوري السعودي، قد يقول قائل هذه كرة قدم ولا يجب أن تحتمل قراءة ثقافية، لكنني أختلف معه في هذا الأمر، فالصورة الوطنية تتداخل فيها مختلف الفصول والمشاهد التي يمر بها أبناء هذا الوطن الكريم، والقرار وإن كان يحمل نوايا طيبة من صاحبه، إلا أنه يشكك بصورة غير مباشرة في نزاهة وكفاءة حكم كرة القدم السعودي، ويضرب في عمق استراتيجية إعداد الكفاءات والقيادات الوطنية، وتكون آثاره عكسية على مختلف الأصعدة.

ستكون الصورة أوضح لو تم إحلال قضاة أجانب محل القضاة الوطنيين بسبب تكرار التذمر من أدائهم في بعض القضايا، والصحف المحلية دائماً ما تنشر قضايا تعج بالاختلاف في الأحكام التي صدرت بحق أصحابها، فهل يعني ذلك إحلالهم بأجانب أم العمل على تطوير قدراتهم، وتمييز أحكامهم، وتصحيح بناء الكوادر الوطنية في دوائر القضاء.

كذلك يدخل في هذا الأمر أي قرارات أخرى تضرب في مصداقية الكفاءة الإدارية السعودية، التي قد تظهر عندما تصدر سلطة إدارية على سبيل المثال جلب قدرات إدارية أجنبية وإحلالها محل الكفاءات الإدارية أو الفنية السعودية، وهي خطوة تحمل كماً هائلاً من الإحباط لجيل قضى أكثر من نصف عمره في تلقي العلوم في داخل الوطن وخارجه، ويكون وقع الأمر على هذا الجيل أكثر سلبية عندما يتم الأمر بدون تقدير للنتائج السلبية المترتبة عليه، وبدون إثبات لفشل المرحلة التي كانت فيها القيادة الإدارية في المؤسسة وطنية.

قد تفتح هذه الخطوات الباب أمام الأجيال القادمة للمضي في تطبيقه على مختلف الأصعدة في المراكز القيادية في الشركات والبنوك والمستشفيات، وقد يصل الأمر إلى المطالبة باستبدال بعض الوزراء بكوادر غير وطنية، وبيت القصيد في هذا الطرح أن ما يحدث هو خطأ جسيم، وفيه تشكيك غير مقصود بكفاءة ونزاهة المواطن السعودي، ولن تؤدي هذه الخطوة غير الصحيحة حسب وجهة نظري إلى الحل الأمثل أو إلى تصحيح مسارات التنمية، بل العكس هو ما سيحدث تماماً.

في عصر الدولة الحديثة لا يجب أن تختفي الحلول، فالوطن يستحق كثيراً من التضحية فما بالك بتحمل بعض الأخطاء من أبنائه في سبيل هدف أسمى، وهو بناء وتراكم الخبرات الفنية والقيادية، لذلك يجب الاستمرار في إسناد المهمة للكادر الوطني، مع استمرار تطبيق البرامج التطويرية والمؤهلة للكوادر الفنية والقيادية، وإقرار الأنظمة لمراقبته ومحاسبته على أخطائه سواء كان حكماً في ملعب لكرة القدم أو قيادياً في مؤسسة أو مديراً تنفيذياً لشركة أو مصرف أو وزيراً لوزارة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد