Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/03/2009 G Issue 13310
الأحد 11 ربيع الأول 1430   العدد  13310
نكتفي.. أو.. ننكفي..؟!
حمَّاد بن حامد السالمي(*)

 

ظلّ الاكتفاء الذاتي، هدفاً سامياً، ومطلباً سامقاً، تسعى إليه دول العالم وشعوبها، وتبذل كل غالٍ ورخيص، من أجل الوصول إلى ذروته، لتحقق بذلك طموحها، وتشبع غرورها، فتبدو وكأنها كاملة السيادة، بعد أن كانت ناقصة السيادة، فالسيادة ليست فقط في الوحدة السياسية والوطنية واستقلال القرار....

...ولكنها تبدو في ثوب فضفاض، يتسع لما هو أبعد من ذلك.

* إذا ملكت الشعوب زمام القيادة الإنتاجية، في زراعتها وصناعتها وقواها البشرية المدربة، فهي بذلك تدعم سيادتها بقوة، وإذا اتجهت إلى أن تصبح أمة، تأكل وتشرب وتلبس وتركب وتتنفس، من نتاج أرضها وصنع يدها، فهي بذلك تحصن كيانها، وتدعم وجودها، وتعزز استقلالية قراراتها التي يتطلب الأمر، أن تتقاطع مع دول العالم الكبيرة منها والصغيرة.

* عدت إلى ما كانت تبشر به الخطط الخمسية في سنوات خلت، من أنها سوف تحقق لنا ما نصبو إليه، من اكتفاء ذاتي في مجالات عديدة، وميادين كثيرة، تبدأ من الأُطُر الوظيفية المدربة، ولا تنتهي بما تنتجه الأرض من مزروعات، وتوفره المصانع من مصنوعات، وتبتكره العقول من مبتكرات.. فهل وصلنا إلى ما كنا ندبِّر له ونعبِّر، ونؤطِّر من أجله ونخطط، منذ الخطة الخمسية الأولى، وحتى الخطة الخمسية السابعة..؟

* هناك مثال واحد، يمكن أن يُقاس عليه صعوداً أو هبوطاً في كافة الميادين والمجالات، وهو مجال إعداد المهندسين السعوديين، الذين نتلفت حولنا بعد هذه العقود الطويلة، فلا نجد منهم إلا أقل القليل، ومثلهم الأطباء والصيادلة، والمختصون في العلوم الطبية الأخرى، وغيرهم.. وغيرهم.

* يقول الدكتور (عبد الرحمن الربيعة)، رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمهندسين السعوديين، في حديث صحافي منشور قبل أيام، بأن الاكتفاء الذاتي من المهندسين السعوديين بالمملكة، سوف يستغرق (75 سنة)..! هو قال: (75 عاماً)، وأنا أقول: (75 سنة)، لأن في لفظ (عام)، دلالة على الخصب، وفي لفظ (سنة)، دلالة على القحط..! وحاجتنا إلى سبعة عقود ونصف العقد، لنحقق حلمنا في الاكتفاء الذاتي، فيه دلالة على القحط لا الخصب، وإلا.. لتحقق لنا ما أردنا ونريد، منذ عقدين أو ثلاثة على أعلى تقدير.

* رئيس هيئة المهندسين الربيعة، علّل هذا الانتظار الطويل المتوجب علينا، ب(عزوف الطلبة السعوديين عن الالتحاق بقسم الهندسة)..! وأنا في الحقيقة، لا ألوم الدكتور الربيعة، لأنه يشخِّص حالة قائمة، يُسأل عنها التعليم العام والعالي، ويُسأل عنها الجزء الثاني من مسمى: (وزارة الاقتصاد والتخطيط)، ويُبحث عن جذورها في سجلات الخطط التنموية الخمسية، التي كانت تُعد التنمية البشرية وقواها، على رأس أهدافها منذ بدء ظهورها.

* لماذا لم يكتشف المسئولون طيلة ثلاثة عقود ونصف العقد، السبب الذي أعاق التقدم في تخريج كوادر هندسية مدربة، تفي بمتطلبات الوطن في الاكتفاء الذاتي من القوى البشرية الهندسية تحديداً، وهي التي أشار إليها الدكتور الربيعة..؟

* وإذا كان هناك عزوف من الطلبة عن الإقبال على الكلية أو الكليات أو الأقسام الهندسية في الجامعات؛ فكيف لم يكتشفوه حتى اليوم..؟! وكيف لم يبحثوا ويدرسوا أسباب هذا العزوف..؟! وكيف لم يتلمسوا الحلول الناجعة له منذ سنوات خلت..؟! حتى لا ننكفي هندسياً، بدل أن كنا نعمل لنكتفي هندسياً، وفي كافة الميادين..!

* الواقع أن مسألة الاكتفاء الذاتي في ميادين شتى، تبدو وكأنها صعبة المنال، فهي متعصية علينا، ومتأبية علينا، فلا نكاد نقترب منها خطوة، حتى تبتعد عنا خطوات.

* متى نكتفي من المهندسين..؟ يقول الدكتور الربيعة: بعد خمس وسبعين سنة..! أي بعد انقراض جيلين أو ثلاثة قادمة، يومها يأتي جيل جديد آخر، هو الذي سوف يسعد بهذا الحدث العظيم، ويحتفل بهذه اللحظة التاريخية الحاسمة..!

* متى نكتفي من الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي..؟

* متى نكتفي من الكوادر الطبية السعودية في مشافينا ومؤسساتنا الاستطبابية..؟

* متى نكتفي من الدواء والغذاء والكساء..؟

* متى نكتفي من الفنيين والصناعيين والمهنيين، ولماذا لم نسأل أنفسنا بتجرد: ماذا تفعل هذه المعاهد المهنية والفنية، التي مر عليها خمسة عقود وأكثر، وهي لم تثبت وجودها في السوق بيننا، ولا حتى في صوالين الحلاقة، أو في ورش السيارات والغسالات، ولا في ورش الكهرباء والسباكة..؟!

* متى نكتفي من المخرجين والمصممين والفنيين في مجالات إعلامية وطباعية وفنية..؟

* متى نكتفي من السائقين والخادمات والباعة في المحلات..؟

* متى نسعود (السعودة).. بمعنى تحقيق الجودة النوعية في الأُطُر الوطنية المعدة لسوق العمل..؟

* متى نكتفي.. ونكتفي.. ونكتفي.. حتى لا نظل طوال الدهور والعصور، ونحن ننكفي على أنفسنا، ونعيش عالة على غيرنا في كل شيء، حتى فيما يسلينا ويضحكنا ويسري عن أنفسنا، وحتى فيما نشرب من ماء، ونتنفس من هواء، ونستضيء من كهرباء..؟!!

* متى نجد من يجيبنا عن متى هذه..؟



(*)assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد