Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/03/2009 G Issue 13310
الأحد 11 ربيع الأول 1430   العدد  13310

سياحتي في بيئتي... ضرية نموذجاً (22)
د. زيد المحيميد

 

في اليوم التالي من الرحلة ونحن في (دارة جبل وسط) الشهير وهو عبارة عن حديقة جميلة طبيعية تحوي نباتات متنوعة منها: كحيل، بسباس، عفنة، شرشر، يهق، ولا ننسَ شجر السمر المنتشر في تلك الحمى، واستمتعنا برؤية جبل (عسعس) في ذلك المكان وشروق الشمس يتسلل من فوقه وذكرنا بعض زملاء الرحلة بقول الشاعر (ابن شوذب) بقوله:

وكان محل فاطمة الروابي

تتمت لم تكن لتحل قاعا

بدارة عسعس درجت عليها

سوافي الريح بداء وارتجاعا

كان هناك برنامج معد بعناية - من قبل بلدية ضرية والمجلس البلدي فيها بقيادة المبدع الأستاذ محمد الغريب - ذهبنا بداية إلى بعض آثار ضرية القديمة منها الآبار القديمة التي تقع على طريق الحج البصري الذي يعتبر - حسب بعض المصادر التاريخية- ضرية أهم محطاته على الإطلاق فتوقفنا عند سد موغل في القدم وبعض القنوات المائية التاريخية الممتدة تحت الأرض، وقطع الخزف والفخار المنتشر في تلك القنوات المائية وأنا أشاهد إحدى القنوات المائية وتذكرت قول الشاعر:

دعوت الله إذ سغبت عيالي

ليجعل لي لذي وسط طعاما

فأسقاني ضرية خير بئر

تجمع الماء والحب التوأما

وفي إحدى تلك القنوات لاحظ أحد الباحثين في الرحلة أن طبقات التربة المحيطة فيها والمختلفة ترجع لأكثر من عصر من العصور التاريخية، ومن منبر جريدة الجزيرة أدعو الجهات ذات العلاقة والباحثين والمختصين بدراسة تلك القنوات وأين تتجه لنتعرف أكثر وأكثر على ضرية التاريخية ذات الموقع الإستراتيجي والتي تحتوي على أكثر من سبعين محلاً تجارياً، ومن الممكن إعادة بناء تلك الأسواق مرة أخرى على نفس طرازها ومكانها القديم، وهذه الفكرة من الممكن إحياؤها وخاصة من قبل الهيئة العليا للسياحة والآثار بالتعاون مع مختصين بالآثار سواء من داخل المملكة أو خارجها، وأنا كمواطن وأكاديمي سعودي أريد أن تكون ضرية مقصدا للسياحة الداخلية، لم لا، ولديها جميع المقومات والمزايا التي تؤهلها لذلك.

بعد ذلك توجهنا إلى الموقع الآخر وهي جبال (طخفة)، وان أنسى لا أنسى الإشارة إلى الجهود الذي يبذلها الأستاذ محمد الشاوي المشرف على موقع مكشات، والذي يعتبر أول موقع عربي لهواة الصيد والرحلات، وقد حدثنا عن تلك المواقع بمهنية عالية، وفي طريقنا إليه لاحظت أن ضرية مليئة بالأشجار والحدائق ولا عجب في ذلك بعد أن قامت بلدية ضرية بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بعمل وطني رائع وهي الاستفادة من مياه الأمطار الموسمية عن طريق حفر خزانات كبيرة في طريق مجرى تلك الأودية والاستفادة منها لري الأشجار والحدائق، وأرى ضرورة الاستفادة القصوى من ذلك العمل الوطني الرائد في بقية المناطق كالمجمعة -مثلا- ليس هذا فقط بل من الممكن توزيعها إلى المجمعات السكنية كذلك، بعد القيام بالعمليات التقنية اللازمة.

وصلنا إلى جبال (طخفة) الرائعة ذات التشكيلات والتضاريس الرائعة، وأشجار السمر الضخمة، وأشجار أخرى كبيرة معمرة حيث كان الإفطار هناك، بعد ذلك توجهنا إلى جبال (شعبى) الضخمة وهضاب (الحسلات) التي لم تر عيني أجمل منها من حيث تنوع التضاريس وجمال الطبيعة، وتنوع النباتات، وتذكرت الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جعل تلك (الحمى) محمية طبيعية لإبل الصدقة ومرتكز اقتصادي وعسكري كبير للدولة الإسلامية، تناولنا القهوة في تلك الأماكن وفي طريقنا إلى المخيم نسقط بعض النظرات والتأملات إلى بعض (الحمى) مع فريق الرحلة، عندها تذكرت الشاعر العربي التي ضجت به رقبته وأعضاء جسمه بسبب تلفته إلى (الحمى) حتى مل الالتفات، لكنه آثر أن يلقي على مرابعه نظرةً أخيرةً قبل الوداع، وقد حال دونها جبل (البشر) أو (النير):

قفا فانظرا، لابد من رجع نظرة

مصعدة شتى بها القوم أو معا

ولما رأيت (البشر) قد حال بيننا

وجالت بنات الشوق يحنن نزعا

تلفت نحو الحي حتى وجدتني

وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا

في ظهر يوم الخميس كان هناك الحفل الكبير الذي أعده لنا أهالي ضرية، ومن فقرات هذا الحفل قصائد شعرية جميلة وكلمات لبعض الأهالي والوفد السياحي كان له كلمته أيضا، تناول الجميع الغداء الذي أعد للوفد السياحي، بعدها أخذت صور تذكارية. انطلقنا بعدها إلى مدينة بريدة ونحن مذهولون بتلك الطبيعة الساحرة والإرث التاريخي للمنطقة وندعو الله أن يسقي تلك (الحمى) لتزداد جمالا وروعة وهنا نختم هذه المقالة بقول الشاعر الأموي الذي انقطعت أخبار (الحمى) عنه، فما يكاد يجد له ذكرا مع الغادين أو الرائحين، وما يزال يتتبع أخبار القوافل وهي تتوالى قادمة من الديار البعيدة، فلا يظفر بما يشفي الغليل، أو يداوي هذه الجراح الغائرة، ولذلك لا يملك إلا الدعاء له بالسقيا، على بعد المسافة ووعورة الطريق:

ألا تسألان الله أن يسقي (الحمى)

بلى، فسقى الله (الحمى) والمطاليا

وأسأل من لاقيت هل مطر (الحمى)

فهل يسألن عني (الحمى) كيف حاليا

عميد الكلية التقنية في بريدة

zeidlolo@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد