Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/03/2009 G Issue 13310
الأحد 11 ربيع الأول 1430   العدد  13310
الدكتور عبدالعزيز خوجة: اليوم (شعر).. وغداً أمر!!
د. زهير الأيوبي

 

بعد رحلة طويلة، في جامعة (الملك عبدالعزيز) ووزارة الإعلام في منصب من المناصب القيادية.. وبعد تجوال في ميدان العمل الدبلوماسي خارج المملكة، في (تركيا) وفي (الاتحاد السوفيتي)، وفي (المغرب)، وفي (لبنان)، حيث تصطرع الأحزاب السياسية، وتتضارب المصالح المحلية والإقليمية والعالمية، شاءت إرادة قيادتنا

....الحكيمة في هذه البلاد المحروسة أن تعيد الدكتور (عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة) إلى (وزارة الثقافة والإعلام) ليكون ربانها الأول، وقائدها الحكيم، والآخذ بيدها إلى ما فيه صلاح الدنيا والدين بإذن الله.

عرفت معاليه عدداً من السنوات حينما كان (وكيلاً لوزارة الإعلام للشؤون الإعلامية) وتعرفت عليه أكثر عندما كلفت بأن أكون مستشاراً له في السنة الأخيرة من عملي في (وزارة الإعلام) عام ألف وأربعمائة للهجرة، الموافق عام ألف وتسعمائة وثمانين للميلاد، وذلك قبل أن أستقيل من (وزارة الإعلام) وأسافر إلى (لندن) لأرأس تحرير مجلة (المسلمون) الدولية التي صدرت عن (الشركة السعودية للأبحاث والتسويق).

وقد عرفته إنساناً هادئاً مفكراً، يحرص على ألا يحكم على الأشياء إلا بعد درايتها وتمحيصها، ولا يستعجل في إصدار أحكامه فيها.. وعرفته أيضاً إنساناً مؤمناً حساساً، مؤدباً غاية الأدب، يحسن الإصغاء إليك وأنت تتحدث إليه، ويحرص على عدم مقاطعتك إلى أن تكمل ما في ذهنك من أفكار ومقترحات، ولا يرفع صوته في وجهك إذا كان هو من يتحدث إليك.

أما في عمله فقد كان مخلصاً، ويكفي أن نعلم أنه كان يفاجئ بعض المرافق التابعة له بالزيارة قبل الساعة السابعة والنصف صباحاً، فقد زارني في مكتبي في (إذاعة الرياض) في يوم من الأيام، وهو يقوم بجولة بين استوديوهات الإذاعة، في الساعة السابعة والربع، وقد وجدني في مكتبي والحمد لله!!

لذلك فإن الدكتور (عبدالعزيز خوجة) حينما يعود الآن إلى (وزارة الثقافة والإعلام) سيجد أن القلوب مشتاقة إليه، وأن الصدور متسعة لاستقباله وأن النفوس على استعداد لأن تتجاوب مع ما عنده من آراء وتوجيهات.

ولقد لفت انتباهي وأنا أطالع صحيفة (الجزيرة)، في وقت قريب مضى، أن معاليه قد بدأ نشاطاته بزيارة صحيفة (الجزيرة).. وصحيفة (الرياض) وهو بالتأكيد سيتبع هاتين الزيارتين بزيارات أخرى لكل من (اليوم) و(عكاظ) و(المدينة) و(الوطن) ولغيرها.. وزيارات أخرى ل(وكالة الأنباء السعودية)، واستوديوهات الإذاعة في (الرياض) وفي (جدة)، واستوديوهات التلفزيون، وغيرها من الجهات والمرافق التي لها علاقة بوزارة (الثقافة والإعلام) في كل مكان.. ذلك أن مثل هذه الزيارات الميدانية، والاجتماع بالعاملين فيها قيادات وأفراداً وموظفي مساندة وخدمات، وخاصة إن كانت دورية، تجعل العاملين فيها يشعرون أن رأس الوزارة أو الجهات الذي يعملون فيها، هو معهم قريب منهم، يستمع إلى ما عندهم ويصغي إلى ما يقدمونه من اقتراحات ويعمل على تحقيق ما عندهم من مطالب.

***

ومع سروري البالغ بقدوم معالي الدكتور (عبدالعزيز خوجة) إلى (وزارة الثقافة والإعلام) مرة ثانية، ولكن هذه المرة يأتي إليها وزيراً يتسلم قيادتها ومسؤولياتها كاملة، أجدها فرصة سانحة طيبة، أذكر فيها ببعض الأمور التي تحتاج إلى اهتمام وعناية ورعاية ومتابعة، فقد قال تعالى وهو أصدق القائلين: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.

1- أول هذه الأمور هو تحويل الأجهزة الرئيسية المهمة في الوزارة، مثل (الإذاعة) و(التلفزيون) و(وكالة الأنباء السعودية) إلى مؤسسات بحيث تصبح تلك المؤسسات في منأى عن (الروتين) و(البيروقراطية)، وبالمناسبة فقد ذكر بهذا الموضوع سعادة الأستاذ (خالد المالك) رئيس تحرير هذه (الجريدة) في الاستطلاع الذي أعد لحلقة سابقة من برنامج (أنت والحدث) الذي عرضته قناة ال LBC والمعروف أن دراسات معدة لهذا الموضوع من قبل لجان مختصة منذ أكثر من عشرين عاماً. والأمر الآن يحتاج إلى تفعيل، وإلى جرأة في الطرح والتناول، وقدرة على إقناع من يعارضون فكرة (مأسسة) هذه الأجهزة التي سبق ذكرها.

وفي تقديري أن تحويل العمل في هذه الأجهزة إلى العمل في مؤسسات يحل بعض المشكلات الفرعية المهمة الأخرى في (وزارة الثقافة والإعلام)، ومن أبرزها توفير (المهنية) فيمن يعمل في الميدان الإعلامي، وخاصة في عمل (المذيع) و(المخرج) و(كاتب النص) و(الممثل) و(المراسل)، وتوفير مجال (التدريب) اللازم لهذه الأعمال، وقد أشار إلى هذه النقطة الدكتور (خالد الدخيل) في مشاركته في الحلقة الآنفة الذكر من برنامج (مع الحدث).

ثم توفير العائد المناسب من راتب شهري وحوافز مادية أخرى للعنصر المختار لأن يعمل في مجال الإعلام بعيداً عن السلالم والكوادر الوظيفية الخشبية!

كذلك العمل على صرف مكافآت المتعاونين مع أجهزة الوزارة وخاصة الإذاعة والتلفزيون بصورة مباشرة ودون أي صعوبات تعيق صرفها أو تؤخرها كما نسمع الآن بين الفينة والأخرى.

وأكثر من ذلك، فمن الضروري مراجعة مكافآت برامج الإذاعة والتلفزيون كل فترة -بصورة سنوية مثلاً- بحيث يجري تعديلها وزيادتها وإكمال الناقص، ومكافأة المستجد منها على ضوء زيادة الأسعار، واحتياجات الناس.

2- الأمر الثاني، هو أن (وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد) اقترحت قبل أكثر من عشر سنوات إنشاء قناة فضائية تلفزيونية إسلامية تهتم بالثقافة الإسلامية والتعليم الشرعي، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وحصلت مكاتبات كثيرة من أجل إقامة هذه القناة بين تلك الوزارة ووزارة الثقافة والإعلام، ثم توقفت تلك المكاتبات، وتوقف بذلك هذا المشروع الحيوي المهم!

والمطلوب الآن إخراج هذا الأمر وإعادة تفعيله بحيث يرى النور قريباً إذ إن البلاد والعباد في داخل المملكة وخارجها في أمس الحاجة إلى مثل هذه القناة التي تُعلِّم الإسلام وتدعو إليه بالأسلوب الوسطي المعتدل.

3- الأمر الثالث، هو أن وزراء الثقافة العرب قبل حوالي عشر سنوات، وكان يمثل المملكة وقتها صاحب السمو الملكي الأمير (فيصل بن فهد بن عبدالعزيز) عليه رحمة الله، قد اتفقوا على إنشاء قناة فضائية تلفزيونية تعنى وتهتم بالثقافة العربية، وقد تبرعت إمارة (الشارقة) بدولة الإمارات العربية المتحدة بأرض لإقامة مكاتب واستوديوهات لهذه القناة.

والفكرة كما يراها الباحث والمتتبع فكرة عظيمة وجيهة رائدة.. ولكن على الرغم من مرور هذه الفترة الزمنية الطويلة، فإنها لا تزال ترزح - على ما يبدو - في أدراج المعاملات المؤجلة إن لم تكن قد انتقلت أو نُقِلت إلى ملفات الإهمال والنسيان!

4- الأمر الرابع، أقترح تشكيل لجنة استشارية إعلامية يرأسها معالي وزير الثقافة والإعلام تكون مهمتها (البحوث) و(الدراسات) وتقديم (الاقتراحات) تجتمع مرة في كل شهر أو شهرين، وتكون مدة هذه اللجنة ثلاث سنوات وتتألف من الآتين:

أ- خمسة من كبار موظفي وزارة الثقافة والإعلام ممن يشغلون منصب (نائب وزير) أو (وكيل) أو (وكيل مساعد) أو (مدير عام).

ب- خمسة من رؤساء تحرير الصحف اليومية.

ج- خمسة من كبار متقاعدي وزارة الثقافة والإعلام.

د- عشرة من أهل العلم (الدين) والمفكرين والأدباء وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال، على أن يكون بينهم عدد من النساء ذوات القدرة والكفاية.

5- الأمر الخامس: أقترح كذلك أن نستعرض الشخصيات المهمة البارزة التي كان لها دورها الأساسي المحوري في قيام المملكة وإرساء قواعد الحق والعدل والمساواة فيها، واستتباب الأمن، والانطلاق بركبها في ميادين التقدم والنهوض والفلاح.

ويبرز أمامنا عن هذا الاستعراض شخصية الشيخ (محمد بن عبدالوهاب) إمام التوحيد، ومجدد الدين، والمدافع عن السنة النبوية، الذي حرص على اتباع منهج السلف، وشخصية الإمام الملك (عبدالعزيز) صقر الجزيرة، وموحدها، والبطل الفذ الذي أخذ بنواصي أهلها إلى مراقي العزة والخير والفلاح وسار من بعده في هذا الطريق أبناؤه البررة الملوك (سعود) و(فيصل) و(خالد) و(فهد) عليهم رحمات الله، ثم تسلم الراية، راية العزة والخير والفلاح من بعدهم خادم الحرمين الشريفين الملك (عبدالله بن عبدالعزيز)، ويعاونه في ذلك ولي عهده الأمين الأمير (سلطان بن عبدالعزيز)، زادهما الله من فضله إعزازاً ورفعة وتقدماً.

أقول عند استعراض الشخصيات المحورية الأساسية في تاريخ بلادنا تطالعنا شخصية المجدد المصلح الشيخ (محمد بن عبدالوهاب).. وشخصية المؤسس الموحد الباني البطل الملك (عبدالعزيز).. وتطالعنا بعد ذلك شخصيات لها وزنها وثقلها وتأثيرها في تقدم البلاد نحو الأمام، وسبقها في شتى الميادين الفكرية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والدعوية وغيرها.. تطالعنا على سبيل المثال شخصية الأميرة (نورة بنت عبدالرحمن)، وشخصية الأميرة (العنود بنت عبدالعزيز) وشخصية الشيخ (محمد بن إبراهيم آل الشيخ)، والشيخ (عبدالعزيز بن باز)، والشيخ (علي الطنطاوي)، والأستاذ (حمد الجاسر)، والشيخ (محمد الحركان)، والسيد (علوي مالكي)، والأستاذ (محمد حسين زيدان)، والأستاذ (عبدالقدوس الأنصاري)، والأستاذ (أحمد عبدالغفور عطار)، والشيخ (عبدالعزيز المسند)، والشيخ (محمد بن إبراهيم بن جبير)، والشيخ (محمد بن عثيمين)، والشيخ (عبدالله خياط) إمام الحرم المكي، والشيخ (عبدالعزيز بن صالح) إمام الحرم المدني، والشيخ (عبدالعزيز بن عبدالمحسن العنقري)، والشيخ (إبراهيم العنقري)، والأستاذ (علي حافظ)، والأستاذ (عثمان حافظ)، والشيخ (ناصر الحمد الراشد)، والشيخ (عبدالله بن حميد) وغيرهم وغيرهم.

أقول: إن هذه الشخصيات وأمثالها ممن وهبهم الله من القوة والموهبة والتأثير فكان لها دورها في دفع عجلة التوحيد والتقدم والترقي في كل شؤون حياتنا في هذه البلاد، في المسيرة العظيمة الكبيرة التي قادها الملك (عبدالعزيز) يرحمه الله.. إن هذه الشخصيات تستاهل أن يهتم بها (التلفزيون) في بلادنا ويحتفي بها، ويكلف المختصين المتمكنين من أن يسطروا نشاطاتها الحياتية، وسيرها الذاتية في مسلسلات تمثيلية حية، يتابعها الأبناء والأحفاد، فيتعرفوا عليها، ويعملوا على السير على خطاها، وتقليد أفعالها، ومحاكاة نشاطاتها، والاعتزاز بإحياء سيرها في شؤون حياتهم.

***

لقد خرج الدكتور (عبدالعزيز خوجة) من وزارة الثقافة والإعلام قبل حوالي عشرين عاماً وكان من قياداتها، وعاد إليها الآن مجدداً وهو قائدها الأول وقد اكتسب في جولته الدبلوماسية بين (تركيا) و(الاتحاد السوفيتي) و(المغرب) و(لبنان) الشيء الكثير من الخبرة، والاطلاع على أحوال العالم العربي وغيره.. عاد إلى (وزارة الثقافة والإعلام) وقد غزت القنوات الفضائية التلفزيونية كل فضاء، وضاقت عليها السماء بما رحبت، وهي تحمل في طياتها وتعرض من على شاشاتها الكثير من الشر والقليل من الخير.. على أن ما نعرفه في معاليه من حب الخير والعمل على إرساء قواعده، والحرص على القيام بأعباء الرسالة الإعلامية على أفضل الوجوه بعدما حمله الله سبحانه وتعالى إياها، وقلّده مسؤولياتها خادم الحرمين الشريفين أطال الله في عمره، هو الذي دفعنا إلى أن نضع بين يديه عدداً من الأمور التي نرى أنها تنتظر عنايته ورعايته وهمته القوية القعساء بإذن الله.

ولذلك فليس مستغرباً أن نستعير من عبارة الشاعر العبقري الكبير (امرئ القيس) بعض كلماته فنغيّر فيها ما يتعلق (بجاهليته)، ونقول: كأننا نسمعك يا دكتور (عبدالعزيز) تقول وأنت الشاعر المعروف:

اليوم (شعر).. وغداً (أمر)!!



z-alayoubi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد