Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/03/2009 G Issue 13310
الأحد 11 ربيع الأول 1430   العدد  13310
فاصل إعلامي
الحوار التلفزيوني
محمد إبراهيم الماضي

 

كم هو مدهش الفضاء العربي، يكفي أن تشاهد فضائية عربية وتتوالى أمام عينيك مشاهد لا حد لها من الغرابة والدهشة من ممارسات وتصرفات غرائبية، ويزداد حجم الدهشة حينما تأتي هذه التصرفات من رجال هم الصفوة من مثقفين وأكاديميين وصحفيين وهم كما يفترض من يحمل مشاعل التنوير وقيادة الرأي والفكر في هذه الأمة.

شاهدت مؤخراً برنامجاً حوارياً في إحدى هذه الفضائيات وكان الحوار يدور بين مثقف عربي صاحب قضية هي حديث العالم اليوم وبين مثقف أمريكي طرف آخر في هذه القضية، وهذا الأخير يتحدث العربية الفصحى بطلاقة يحسده عليها أبناء هذه اللغة.

بدأ المثقف العربي الحديث حيث أخذ يتحدث طويلاً وبصوت عال ومنفعل عن هذه القضية مهاجماً بلد المثقف الأمريكي ومحملاً إياها كامل المسؤولية فيما آل إليه الوضع من سوء في بلاده، وبالرغم من ذلك استمر المثقف الأمريكي صامتاً لا يقاطع الحديث ولا يدافع عن نفسه حتى انتهى المثقف العربي من صياحه وعويله، وعندها استلم الأمريكي دفة الحديث وأخذ يتكلم بهدوء وثقة دفعت المثقف العربي إلى مقاطعته والتشويش عليه مراراً وتكراراً بشكل غير حضاري من رفع للصوت ومن استخدام للغة التهديد والوعيد وأسلوب التحقير والتقليل من الآخرين، ومع ذلك لم ينفعل الأمريكي ولم يخرج عن طوره، بل أخذ يتحدث بثقة أكبر ويدعم كلامه بأدلة ومعلومات ولم يتوان حتى على الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم ليقنع المشاهد والمستمع بعدالة قضيته، ثم لم يستطع المثقف العربي السكوت أكثر من هذا حيث أخذ يطلب من الأمريكي عدم الاستشهاد بالقرآن الكريم، ومع ذلك لم يحفل الأمريكي بهذا التهديد حيث استمر في حديثه الواثق والهادئ والمتدفق بسلاسة عجيبة وهو ما جعل المثقف ينجح في إقناع المشاهد بعدالة موقف بلاده بقوة المنطق والحجة بالرغم من معرفة المشاهد أنها كلها مغالطات يكذبها الواقع الذي يشاهده ويراه المواطن العربي على أرض الواقع.

هذا الحوار وبهذه الكيفية كشف عن أزمة حقيقية يعانيها الإنسان العربي في ثقافته وطريقة تفكيره وأسلوبه في الحوار مع الآخرين وهو ما جعلنا في الواقع أسوأ محامين لأعدل قضية وهو ما يجعلني أتساءل: لماذا لا يحسن الإنسان العربي في الغالب إدارة فن الحوار بشكل راق وحضاري؟

ما هو دور المنزل؟ والمدرسة؟ والإعلام؟ في تربية المواطن العربي على أساليب وفنون الحوار وهو الأمر الذي يؤمل منه أن يسهم في النهاية في الوصول إلى وسائل حوار مثالية لحل كثير من المشاكل التي نقابلها في حياتنا.

* مستشار إعلامي


malmadi777@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد