Al Jazirah NewsPaper Wednesday  11/03/2009 G Issue 13313
الاربعاء 14 ربيع الأول 1430   العدد  13313
المقاولون بين الأعذار والاعتذار
محمد سليمان العنقري

 

يشكل قطاع المقاولات خمسة بالمئة من الناتج الوطني وتأتي أغلب أعماله من الإنفاق الحكومي على المشاريع والذي يشهد ارتفاعاً ملحوظاً عاماً بعد عامٍ وفي هذه السنة قدر حجم المشاريع المزمع تنفيذها بالميزانية بمبلغ يصل إلى 225 مليار ريال بزيادة تصل إلى 36 بالمئة عن العام الماضي، حيث كان التقدير بمبلغ 165 مليار ريال وتتميز هذه المشاريع بتوزعها على جميع مناطق المملكة مما يعطي الفرصة للاستفادة لكل الشركات والمؤسسات بكل المناطق ولكن بمقابل كل هذه الأرقام الكبيرة المعلنة بخلاف مشاريع القطاع الخاص نسمع عن عقبات تعترض المقاولين بقدرتهم على تلبية الطلب الكبير للمشاريع، ففي السابق كانت الأعذار تتركز على الارتفاع المفاجئ بأسعار مواد البناء ونقص العمالة وغير ذلك وعلى اعتبار أن هذه العوامل تغيرت فأسعار مواد البناء تراجعت بشكل حاد مما يعني تجاوز هذا العائق المهم من طريق المقاولين وكذلك قامت وزارة العمل بإصدار تأشيرات بأرقام كبيرة حسب ما تم التفاهم عليه بينها وبين الأطراف الممثلة للقطاع ولم نعد نسمع أحداً يتحدث عن أي نقص بالعمالة بعدها يأتي اليوم عائق جديد وطلب آخر وهو الحاجة إلى التمويل، فكثير من الوحدات العاملة بالقطاع تتحدث عن تشدد من قِبل البنوك بدعمها ونعلم بأن التمويل ركيزة أساسية لأي نشاط إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه إلى متى نسمع أعذاراً فقط وبالمقابل لا نرى استعدادات كافية من قِبل المقاولين للتعامل مع الظروف، فالبنوك اليوم لا تستطيع تلبية كل الاحتياجات على الرغم من انخفاض أسعار الفائدة وطمأنة مؤسسة النقد بقدرتها على ضخ السيولة إذا احتاج الأمر بين فترة وأخرى لكن يبقى وضع الأزمة الحالية مختلفاً فقد كانت بعض الشركات تلجأ إلى بنوك خارجية للتمويل وقد تقلص ان لم يختفِ هذا المد المالي، فأوضاع البنوك بالخارج مزرية وبالتالي أصبحت البنوك المحلية مطالبة بتعويض نقص التمويل عن المشاريع الإنتاجية وقطاع الأفراد واعتمادات الاستيراد والتصدير وغيرها فمن الطبيعي أن تتغير وضعية تعامل البنوك مع هذه الصعوبات الكبيرة وحاجتها إلى دراسة تلك الطلبات بعناية فائقة ومن هنا جاءت مطالب المقاولين بإنشاء صندوق تمويل حكومي لهم وإلى الآن لم يصدر شيء بخصوص قبول مثل هذه الفكرة من قِبل وزارة المالية ولكن ماذا أعد المقاولون من احتياطات لمواجهة أي عائق أمامهم فإلى الآن قلة من الشركات تدير عملها بمهنية عالية وتمتلك سجلاً حافلاً بإنجاز المشاريع المكلفة بها بالشروط المطلوبة وبجودة ممتازة كفلت لها اسماً أصبح ضمانة بحد ذاته عن تقدمها للحصول على أي تمويل على الرغم من الصعوبات حالياً بسوق الائتمان، فالبنوك تتخوف حالياً من تعثر أي مقاول بتسليم المشروع أو بجودة العمل مما يعني تأخيراً للدفعات من قِبل المالية وسمعنا كثيراً عن سحب مشاريع من مقاولين لم يلتزموا بشروط العقد فما يعاب على قطاع المقاولات أن هناك أكثر من 120 ألف سجل بينما العاملة منها لا تتعدى 15 ألفاً فعلياً كما لم تسع الكثير من هذه الوحدات لعمل هيكلة حقيقية لإداراتها والحصول على شهادات من قِبل هيئات عالية تصنف جودتها وقدرتها الإدارية والفنية كما نسمع عن تحايل بعضهم على شروط التصنيف مما حدا بوزارة الشؤون البلدية إلى فرض شروط امتلاك المعدات الثقيلة والمستودعات كشرط جديد للحصول على رخصة مزاولة العمل بهذا القطاع كما تبرز الحاجة اليوم إلى وضع شروط لتحقيق ملاءة مالية يجب أن تتوفر بنسبة تحددها جهات الاختصاص كاحتياطيات تبنى للتمكن من مواجهة الظروف الخاصة بتقلبات سوق الائتمان وكذلك يجب أن تبادر هذه الوحدات إلى تطوير عملها وفق متطلبات العصر والاستفادة من الوسائل الحديثة بتقليص التكاليف سواء بمواد البناء أو بحجم العمالة هذا بخلاف المبادرة التي يجب أن تقودها الغرف التجارية بتأسيس صندوق للمقاولين يعمل وفق ضوابط تسمح بالاستفادة منه للجميع على أن يكون متركزاً على الشركات والمؤسسات الصغيرة عموماً لأنها هي التي تعاني أكثر من غيرها اليوم.

قطاع المقاولات يحتاج إلى تنظيم واسع سواء من قِبل الجهات المشرفة عليه أو ذاتياً من الوحدات المكونة له فلا يكفي أن نضع الأعذار وننتظر الحلول، فكل الجهات حكومية أو غيرها لديها مسؤوليات عديدة مع قطاعات أخرى واحتياجات الأفراد وبالتالي لا يمكن البقاء عند المربع الأول وهو أن يبقى المقاولون يديرون أعمالهم بالطرق القديمة السابقة نفسها، فيجب القفز على تلك المرحلة والتحرك سواء بإعادة تنظيم أعمالهم والتهيؤ لكل الظروف والتفكير بالاندماج والاستحواذ لتقوية مراكزهم وبالتالي تكوين خبرات عالية وقوة مالية تسمح بالحصول على متطلباتهم الائتمانية وبالتالي المقدرة على المنافسة والتكيف مع الظروف، وهذا لا بد أن يتم بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بدلاً من انتظار الحلول وتقديم العذر تلو الآخر ليصبح فيما بعد بمثابة اعتذار تتبدد معه قدرتهم على تلبية احتياجات التنمية والبحث عن حلول كالاستعانة بمقاولين من الخارج.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد