Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/03/2009 G Issue 13314
الخميس 15 ربيع الأول 1430   العدد  13314
كما تكون البداية وجب أن تكون النهاية
د. عبدالمحسن بن عبدالله التويجري

 

شعارٌ يعشقه كل الناس عن إيمان وقناعة أو (مع الخيل يا شقراء)، وأعني الإنصاف والأمانة وهما من جوهر التقوى. ولعل كل من تحمَّل مسؤولية أو أُنيطت به يحرص على هذا الجوهر، ولا شيء يسبق أغلى الغايات والوسائل، وهي التقوى، فمن تعمَّقت في نفسه ووجهت سلوكه حكماً وحادياً

.......لابدَّ وأن يأتي له بالخير، ويحقق الخير لمواطنيه فهو العدل بينهم وبين المسؤول والمسؤولية، ومن اتق الله استقام به الطريق وليس بعد ذلك إلا رحمة الله سبحانه وتعالى، ففي ذلك تطهير للنفس وصلاح في النية وإتقان في الأداء فلا ظلم ولا تجاوز يبخس حقوق الغير أو يؤدي به إلى اعتداء على ما اؤتمن عليه مادياً أو معنوياً.

إنَّ أغلى مؤشر في بوصلة الإنسان مع نفسه ومع الغير ومن خلال مكانه من المسؤولية والواجب مقدار ما يتورع به وفق جهده ومقدار فهمه في أمور الناس، حيث يجب مساعدتهم ما أمكن ذلك دون أن يكون على حساب مصلحة لشخص آخر، فقضاء حاجة الناس هدف نبيل تسمو به النفوس كما أن نزاهة القلب واليد وسيلة بها يبز المسؤول مسؤوليته، أو من يظن به سوءاً بقصد أو بدونه. ولعلي أستعين بخبرة مجرب قال لصديقه في رسالة أخوية مخلصة حين عُيِّن هذا الصديق في وظيفة عامة، وذلك قبل سنين من يومنا هذا، وأقتبس منها ما نصُّه: (أخي العزيز.. أرى لزاماً عليَّ أن أشير إلى أنك ذلك الشخص الذي لا ينقصه إدراكاً ويتمتع بنزاهة القلب والضمير، كما أؤكد أنني استشيرك في ملمات لو حلّت بي، ومع ذلك أقول لك أن للكثيرين من الناس أمل فيك قبل أن تُعيَّن وتجذَّر هذا بعد تعيينك في هذا المنصب، والكل يرى فيك أملاً كبيراً بأنك الرجل المرن الذي يستطيع أن يؤدي واجبه دون كلل أو ملل، كما أنني أرى لزاماً عليَّ مرة أخرى أن تستعمل الحكمة والأناة في جميع تصرفاتك، وأن تكون حازماً حزماً دبلوماسياً لا تشوبه الشدة والغلظة، وأن ترقى بنفسك إلى المستوى اللائق بها من العزة والكرامة، وأن تأخذ بالحكمة القائلة: العبيد تُشترى بالمال والأحرار تُشترى بالأفعال لأن وظيفتك هذه لها مساسٌ كبيرٌ بكبار النفوس، وكذلك الصغيرُ منها، فلا تحاول أن تضر من أراد ضررك أو ضرَّ نفسه بأعمال يظن هو من جهله أن يكسب من ورائها مصالح مادية أو معنوية بل حاول أن تصلح من حال هذا الجاهل ما أمكن الأمر، وعليك بطاعة رؤسائك في حدود لا تحط من كرامتك، فإن الذي لا يحترم نفسه لا يحترمها غيره، وكن مخلصاً له فيما يُصلح شأنه وابذل لهم النصيحة فإن سألتهم فلا تُسهل لهم طريق الفساد من جهتك وإذا استشاروك فاصدقهم النصيحة وجاهرهم بالحق ولو أغضبتهم فإنَّ ذلك فيه البقاء والتقى، وهو مصلحة الدنيا والآخرة، ونزِّه نفسك واحرص على تطهير غيرك ممن حولك أو يأتمرون بأمرك عن الدناءة إذا طمع بغير وجه حق مشروع، ولا تثق فيمن لم تتأكد جيداً من أنه محل للثقة، ودقق الفحص فيما يراد أخذ موافقتك عليه قبل البت فيه، ولا تكن دقيق المحاسبة لمرؤوسيك على كل هفوة لا تحدث أثراً سيئاً في المصلحة، كن لهم مخلصاً حاذقاً حكيماً فإنَّ الرفق ما جاء في شيء إلا زانه، كما أكرر أنك تعرف ماذا تعني إليَّ هذه الرسالة، ليس والله شكي في إدراكك ومقدرتك بل شهادة بهما وإنني لو نابني خطب جلل لما لجأت في المشورة إلى غيرك ولكنني أردت بهذه الرسالة أن أشحذ همتك كما يشحذ جيد الحديد، والله يعلم ثم أنت تعلم ما هو الذي أتمناه لك، فسر على بركة الله وفي رعاية الله) انتهى الاقتباس.

إنَّ في ذاكرتي أنَّ كلا الرجلين الناصح ومن وجهت له هذه الرسالة يتمتعان بعقل وحكمة، وأجزم بإخلاص من بعث بالرسالة وكذلك مقدار الاستيعاب والحرص من قبل من وجهت إليه بدليل أنه يرددها ويتذكرها في مواقف عدة، وما دفعني إلى الاستعانة بها إلا حبي للوطن والمواطن والمسؤول، فهنيئاً إلى كل من تبوأ من الثقة أجلَّ مكان وأكرمه، فالمسؤول ومن هو في حاجة إلى من يقضي مصلحة عامة أو خاصة عليه أن يدرك أن الطريق ليس صعباً ولكنه شاق ومليئ بالعثرات إن غفل الإنسان. والله الموفق.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد