Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/03/2009 G Issue 13314
الخميس 15 ربيع الأول 1430   العدد  13314
إضاءات نفسية
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

 

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.

اضطراب المزاج

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

* أسعد الله أوقاتك بكل خير يا دكتور محمد، وأحب أن أستشيرك في موضوع لأني أعدك والله مثل أخي الكبير. مشكلتي بدأت منذ نحو عشر سنوات، كنت متفوقاً في الدراسة ومن الأوائل، يعني كل سنة إما الأول أو الثاني، وإنساناً اجتماعياً ومحبوباً ومنظماً ومرتباً.. ولكن فجأة وفي آخر سنة من الثانوية العامة أصابتني حالة مثل الإغماء لا أستطيع أن أميز ما حولي، وأبقى على هذه الحالة مدة أسبوعين أو أكثر على الفراش نائماً أتناول الطعام وأرجع إلى النوم، وانقطعت عن الدراسة. تأتيني هذه الحالة كل شهرين مرة واحدة، واستمرت معي نحو ثلاث سنوات، وذهبت إلى عدد من القُرّاء دون فائدة، وبعدها حاولت أن أتجه إلى التدين والمحافظة على الصلوات والدعاء إلى أن شفاني الله سبحانه وتعالى وتعافيت تدريجياً، وذهبت عني هذه الحالة، واستمررت بعدها سنتين، وعادت لي حالة جديدة وهي ألم في الرأس وسماع أصوات أشخاص متوفين كأمي وأبي، وهكذا. والمشكلة أنني أستجيب لهذه الأصوات، وأسمع لها غصباً عني.. وأصابتني أوهام غير واقعية مثل أن أعتقد أنني نبي وأنني رسول من الله وأن الموتى يخرجون من القبور. تستمر هذه الأعراض معي ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر هكذا وتختفي، ثم تعود السنة المقبلة أو التي بعدها، وفي هذه السنين لم أجرب العلاج النفسي أو غيره واستمرت معي نحو خمس سنوات، وأثرت علي؛ حيث فُصلت من عملي مرتين بسببها والحمد لله على كل حال. وبعدها جربت الأدوية النفسية في مستشفى متوسط في إحدى محافظات الرياض عند طبيب مقيم وأعطاني دواء ستيلازين مع أرتان فقط، وأحسست بتحسن، وخفّت لدي هذه الأعراض، ولكن نصحني بعض من أثق بهم بأن أذهب إلى مستشفيات الرياض مثل الأمل أو غيره لأنها أحسن ومتطورة.

هذه قصتي يا دكتور محمد، وآسف على الإطالة، وأريد رأيك جزاك الله خيراً في أسرع وقت، والله يحفظك من كل مكروه.

- أخي العزيز، أولا أشكرك لثقتك وحسن ظنك بي، وأسأل الله أن يعينك ويرزقك الصبر على هذا الابتلاء ويدلك على الأسلوب الأمثل للتخلص من آثاره السلبية وأعراضه المزعجة.

يبدو لي من خلال ما وصفته أن الأعراض النفسية التي تواجهها تأتيك بشكل نوبات متكررة، هذه النوبات تستمر لفترة معينة ثم تختفي لتعود بعدها لممارسة حياتك بشكل طبيعي، لكنك وبسبب تكرار هذه النوبات وزيادة شدتها في السنوات الأخيرة فقدت وظيفتك وبدأت بالبحث بشكل أكبر عن توصيف طبي دقيق لما تعاني منه وإمكانية علاجه.

هذه النوبات المتكررة هي في الغالب نوبات اضطراب في المزاج، وحيث إن الحالة المزاجية للإنسان مرتبطة ارتباطا وثيقا بالكثير من الجوانب الأخرى الحيوية في حياته فإن حياته بالكامل تتأثر نتيجة لذلك. فالنوم والشهية للأكل والنشاط والإحساس بالطاقة البدنية بل وكذلك نوعية الأفكار التي تتردد في عقلك كلها تتأثر بالحالة المزاجية، وفي الوقت الذي يكون فيه التأرجح من حالة حزن وإحباط أو كسل مؤقت إلى حالة سعادة ونشاط وحيوية أمرا طبيعيا جدا نمرّ به نحن جميعا كبشر إلا أن ما يحدث هنا هو وصول الحالة المزاجية إلى مرحلة غير طبيعية من الاكتئاب الشديد والخمول والكسل المستمر والبقاء لساعات طويلة في الفراش دون وجود رغبة أو دافع لأداء أي مهمة.

في المقابل يحدث أحيانا أن الاختلال في المزاج يظهر بطريقة مختلفة تماما؛ حيث يرتفع المزاج بشكل غير معتاد وفوق الحدود الطبيعية، فيشعر الشخص بنشوة غامرة ونشاط وطاقة مفرطة وعدم رغبة في النوم، يصاحب ذلك بعض الأفكار الخارجة عن المألوف كالاعتقاد بأنك نبي أو رسول من عند الله، أو أنك على اتصال بأشخاص لهم مراكز عالية أو أصحاب مهام كبيرة.

الحالة المزاجية للإنسان مرتبطة كذلك بالحواس والمراكز المسؤولة عنها في المخ، وهذا ما قد يفسر سماعك لأصوات غير موجودة في الواقع بما يسمى بالمصطلح الطبي (الهلوسة السمعية Auditory Hallucination) .

استجابتك أخي الكريم للأدوية التي ذكرتها تعتبر علامة مشجعة ولله الحمد، لكنني أيضا أرى أن تقوم بالخطوة اللاحقة وهي إجراء الفحص الطبي النفسي المتكامل في أحد المراكز المتخصصة كمستشفى الأمل كما ذكرت، وهو زاخر بالكفاءات، علما بأنه إذا اتضح أن النوبات السابقة كانت عبارة عن نوبات اعتلال في المزاج فإنك ستكون بحاجة على المدى البعيد إلى استخدام أحد الأدوية الطبية الخاصة بتثبيت المزاج، وهي ما يطلق عليها كمجموعة مسمى مثبتات المزاج Mood Stabilizers ودورها أنها تعمل بإذن الله على وقايتك من حدوث انتكاسات أو نوبات شديدة في المستقبل كما حدث سابقا وتساعد على عودتك لممارسة حياتك وعملك بشكل طبيعي بمساعدة كذلك الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين الذين يأتي دورهم هنا في دعمك للعودة إلى السياق الاجتماعي الطبيعي كما كنت سابقاً وأفضل بإذن الله.

وفقك الله ورعاك.

إضاءة

قد تختلف وصفة النجاح من شخص لآخر، لكن وصفة الفشل المتفق عليها هي أن تحاول إرضاء الجميع.

* دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض


e-mail : mohd829@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد