Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/03/2009 G Issue 13316
السبت 17 ربيع الأول 1430   العدد  13316
بين الكلمات
أحكام الآداب العامة
عبد العزيز السماري

 

يتساءل البعض عن ماهية الأخلاق العامة، وهل من الممكن أن تلعب دور الحاكم لسلوك البشر، وهل يوجد في نفس المجتمع أكثر من مستوى للآداب العامة.. قد يدخل هذا السؤال في دائرة الفلسفة التي دائما ما تفتح الأبواب أمام الأسئلة التي ما إن تتوقف في مجتمع، تتعطل فيه على الفور عجلة الحركة، ويحكم الجمود الفكر، ثم تختفي فيه ببطء فطرة البحث عن الإجابات للأسئلة العالقة في عقول الناس.

تتأسس مرجعية الأخلاق العامة على ثلاث مرجعيات، وهي المرجعية الدينية والفلسفية والعلمية التجريبية، لكن يظل الدين في مختلف المجتمعات هو بمثابة الحق التي تعود إليها من أجل توثيق أصول الأخلاق والآداب العامة، كذلك تخضع علاقات ومستويات هذه الآداب والأخلاق لعوامل يصعب حصرها في هذه المقالة القصيرة.

لكن هذا لا يعني أنه ليس بإمكاننا أن نصل إلى قناعة تقبل بصحة تنوع معايير ومستويات الأخلاق والآداب العامة باختلاف البيئة والثقافة، فما قد يكون خُلقاً رفيعاً وسامياً في البادية قد يكون غير ذلك في المدينة أو القرية، كذلك هو الحال عند مقارنة قاعدة الأخلاق في قرية نجدية مع نظريتها في شرق آسيا أو المغرب العربي، لكن السؤال هل من الممكن أن تحكم الأخلاق والآداب العامة الأحكام العامة وأحكام الاجتهاد الديني والقانون المدني.

جاء في تاريخ الفتاوى ما يثبت أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وللإمام الشافعي مذهب قديم في العراق والحجاز وآخر جديد في مصر.. كذلك تابعنا في السبعينات مع قدوم علماء من مصر والشام إلى المملكة اختلافاً وتبايناً في بعض الأحكام، ولا يمكن لجيل السبعينيات أن ينسى حلقات الذكر التي كان يبثها التلفزيون السعودي أسبوعياً بعد صلاة الجمعة للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، والذي كان يقدم أحكاماً مختلفة تماماً تجاه الحجاب والموسيقى والاختلاط والثقافة الغربية.

لم أجد سبباً لتلك الرؤية المخالفة إلا أنه قدم من بيئة تحكمها آداب عامة مختلفة، ففي الشام إذا شاهد أحدهم رجلاً يتحدث مع امرأة في السوق العامة لا يتبادر إلى ذهنه أن ما يحدث هو مخالفة شرعية، بينما ذلك يختلف تماماً لو حدث شيء من هذا في سوق محلي في مدينة الرياض، كذلك هو الحال لو قارنت خروج امرأة متبرجة في الشام أو العراق بنظريتها في قرية نجدية، والسبب أيضا هو اختلاف قواعد الأخلاق العامة بين بيئة وأخرى.

كذلك لاحظنا في مجتمعنا المحلي اختلاف أحكام الأمر بالمعروف من مشهد إلى آخر، فعلى سبيل المثال يتم أمر المرأة السعودية في الرياض بتغطية وجهها في الأسواق العامة، وبرفع العباءة على الرأس، بينما تغض الهيئة الطرف عن أمر المرأة المسلمة من البلاد العربية والمسلمة المجاورة، ولا تنهرها بتغطية وجهها أو رفع العباءة على كتفيها، وهذا يعني أن المجتهد الذي يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعي هذا الاختلاف في الآداب العامة بين المجتمعات، ويستطيع تقدير تفاوت ضوابط الآداب بين مجتمع إلى آخر، ويقدم نموذجاً على أن الاختلاف في تشخيص المخالفة الشرعية أمر وارد، ويتم الحكم فيه أحياناً حسب مرجعية البيئة والآداب العامة للإنسان.

كذلك يختلف أيضا باختلاف المقام، فالآمر بالمعروف يتحول إلى ناصح هادئ في السر إذا كان الأمر يتعلق بمن لهم مقام رفيع، بينما قد يتحول الأمر بالمعروف إلى مطاردة أو اقتحام للبيوت إذا كان الطرف الآخر من الطبقات الدنيا في المجتمع.. وهو ما يعني أن للآداب العامة أيضا أجواءها وسلطتها التي تتغير باختلاف البيئة أو الطبقة أو الثقافة، وهذا دليل أن للأخلاق العامة تأثيرا كبيرا على سلوك البشر، لكن يطل سؤال آخر في نهاية هذه العجالة عن العامل أو العوامل الأكثر تأثيراً على ضبط الأخلاق والآداب العامة ثم تعميم أحكامها على الناس بسواسية بدلاً من احتكار تطبيقاتها وتنفيذ أحكامها على عقول محددة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد