Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/03/2009 G Issue 13316
السبت 17 ربيع الأول 1430   العدد  13316
يوم المرأة العالمي.. ماذا فعلنا؟؟
فوزية البكر

 

وافق الأحد الماضي (8 مارس) يوم المرأة العالمي والذي احتفلت فيه دول العالم أجمع بالمرأة وبما حققته وما تحتاجه في كل المجتمعات. ويدعم وجاهة هذا اليوم تأكيد الأمم المتحدة نفسها عليه والتي تحتفل بهذا اليوم من كل عام كيوم عالمي لكل النساء في كافة الأقطار بغض النظر عن خلفياتهن العرقية والدينية والوطنية. كما تضع الأمم المتحدة ضمن أهدافها الأساسية قناعات راسخة بأنه لا يمكن القضاء على الكثير من أشكال التمييز الاجتماعي والعرقي والمذهبي إلا عن طريق حل مشكلات المرأة أولاً وفي كل قطر،

وتمكينها من حقوقها من خلال تعزيز التدابير القانونية الخاصة بأوضاعها المختلفة كفتاة وأم وزوجة ومواطن وإنسان، إضافة إلى حشد الرأي العام العالمي للنظر بشكل أكثر عدالة وإنسانية للقضايا ذات العلاقة بالمرأة وخاصة في البلدان التي تعاني فيها المرأة غبناً على المستوى الخاص والعام، إضافة إلى المساعدة في تدريب المجموعات المحلية من الناشطين نساءً ورجالاً لتفهم الوسائل السلمية والوطنية التي تساعد على تعزيز تفهم حكوماتهم المحلية لقضايا المرأة والمشاركة فيها، بل والدعم لها كما يحدث اليوم -والحمد لله- في معظم البلدان النامية والشرق أوسطية على وجه التحديد.

ويقف الكثيرون والكثيرات وخاصة من الإسلاميين موقفاً سالباً من الدعوة للاحتفال بيوم المرأة العالمي لعدد من الاعتبارات التي تتكرر في مقالاتهم وتضج بها منتدياتهم كلما اقترب يوم 8 مارس، أولها أن لا معنى لتخصيص يوم محدد للاحتفال بالمرأة التي تملأ حياتنا في كل وقت وكل يوم. وفكرة أن المرأة تملأ فضاء حياتنا كأم وزوجة وأخت ورفيقة.. إلخ صحيحة جداً، ولكن الأمر نفسه يصدق على المعلم الذي لا نستغني عنه ونحتفل بيومه، كما توجد الشجرة معنا ولا تبتعد عن حياتنا وأيضاً نحتفل بها، والأمر تفسه ينطبق على البيئة وعلى الطفل وعلى كل ما نود أن نعزز من مكانته ونذكر بأهميته ونجعله مناسبة لمراجعة وجوده في حياتنا وفاعلية هذا الوجود بالنسبة لتغير رؤانا الحضارية من مفاهيم كثيرة، مثل العنف ضد الطفل مثلاً وتعريف هذا العنف وتغير الأدوار والحقوق والواجبات المترتبة على هذا التغير والذي تحاول المجتمعات في ظل الحضارة الحديثة التعريف بالتغير الذي طرأ عليه وتوعية المشرعين والمنفذين لهذا التغير وانعكاساته على المماراسات القانونية والمجتمعية المرتبطة به.

المرأة، وكما نلاحظ من خلال الصخب الذي يقترن بمناقشة قضاياها في العصر الحديث، هي أكثر هذه الفئات استحقاقاً للتعريف بفعل ما طرأ عليها من متغيرات هائلة سواء تعلق الأمر برؤية المجتمع لها كامرأة أو بالأوضاع القانونية والمماراسات المجتمعية التي ترتبط بها.

المرأة السعودية هي الأكثر استحقاقاً للاحتفال بيومها العالمي أسوة ببقية النساء في العالم... فعالمها مليء بالشد والجذب وهو يشهد تغيرات مذهلة تستحق التوقف، إما للإشادة بها مثل كل هذه الخطوات الطيبة التي يقف خلفها مصلح هذه الدولة الملك عبدالله، مثل حقها المدعوم في التعليم والذي مكَّن أكثر من 94% من نساء المملكة من الحصول على مقعد دراسي، ويوزايه محاولات الدولة الحثيثة لتوسيع مجالات العمل المتاحة للمرأة بحيث ارتفعت مشاركة المرأة في القطاع الخاص إلى 37%، وكذا المحاولات الجادة من بعض أجهزة الدولة للقضاء على أكثر الأشكال بروزاً للتمييز بين المرأة والرجل في المجالات القانونية والعامة بما يمكن أن يتوافق مع الاتفاقات الدولية التي تعتبر المملكة نفسها جزءاً منها كدولة حديثة وعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة.

في المقابل تدفع المرأة السعودية ثمناً غالياً لبعض الممارسات الاجتماعية والثقافية التي لا تتوافق مع روح وتعاليم الإسلام تحت مظلة دعاوى كثيرة، مثل المحافظة على المرأة والمحافظة على النظام القيمي والأسري. وحقاً فإن المرأة هي عماد الأسرة كما هو حال الرجل، لكنني لا أستطيع أن أفهم كيف تكون المرأة آمنة وهي لا تملك حقوقاً قانونية واضحة تتبعها إجراءات محددة تكفل لها حقها عند الاختلاف. نحن لا نتكلم عن عامة المجتمع الذي يعيش ضمن أطر أسرية مطمئنة.. نحن في العادة نلجأ للقانون عند الاختلاف، وهو ما تفتقده المرأة السعودية حينما تضطرها الظروف لمواجهة أخ أو أب أو زوج ظالم، وينطبق الأمر على كثير من قضايا الأحوال الشخصية المتعلقة بها رغم كفالة الشرع الواضحة لهذه الحقوق، لكن افتقاد الإجراءات وافتقاد رغبة الجهات الحكومية تمكين المرأة من حقوقها بسبب وجود اتجاهات سالبة نحو منح المرأة هذه الحقوق يجعل الحديث عنها كمن يمسك بحفنة من غبار متطاير.

أتمني من كل رجل يقرأ هذه المقالة أن يضع نفسه في موقع المرأة ويتصور نفسه كفاقد للأهلية الاجتماعية والقانونية ولديه صراع مع زوج شرس أو مدمن ومع ذلك يمتلك هذا الزوج أن يتحكم بمصائر الأولاد فيحرمه الرؤية والنفقة ويقع الأطفال ضحايا لكل أنواع العنف النفسي واللفظي. أتمني أن يضع الرجل نفسه في موقع المرأة التي تعجز عن الوصول إلى طبيب أو زيارة أهل أو حتى الذهاب للبقالة أو الحصول على متعة بريئة مع أولادها إلا بقبول طرف آخر. معظم النساء هنا ممن يتمكن من الحركة والمساهمة في فعاليات هذا المجتمع، إنما نفعل ذلك لأننا نمتلك أباً وإخوة وأزواجاً داعمين، لديهم القدرة على السباحة ضد التيار الاجتماعي، والقليل من الرجال قادرون على ذلك في زمننا هذا لكنهم في ذات الوقت يمتلكون سحب كل ذلك إذا ما أرادوا لأن لا قوانين داعمة لهذه الحقوق وهو ما نتحدث عنه.

تكمن ضرورة الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة للتذكير بهذه المخالفات الشرعية والثقافية، ولتدعيم الاتجاهات الإيجابية نحو المرأة، ولمساعدة المؤسسات العامة لمراجعة ممارساتها الداخلية التي قد لا تتفق في كثير منها مع أنظمة وقوانين أقرتها الدولة في مجالات كثيرة، وتأبي المؤسسات تبنيها لعدم قناعة العاملين فيها بضرورة التحول.

الدعوة هنا يجب أن تنسحب لدعم الدعوة التي طرحها المحامي والمستشار وعضو برنامج الأمان الأسري أحمد بن إبراهيم المحيميد بضرورة تقنين نظام الأحوال الشخصية في الإسلام، وذلك تمشياً مع توجه الدولة لإنشاء محاكم مستقلة للأحوال الشخصية بما يضبط ويقنن الأحكام الخاصة بالأسرة في أرجاء المملكة. كما يجب التذكير والمطالبة بضرورة إسقاط المؤسسات العامة والخاصة للكثير من الأنظمة التي تجاوزتها الدولة في تعاملاتها التجارية مع المرأة، مثل اشتراط المحرم والمعرف، وحرية الحركة والتنقل، وتوسع مجالات الاستثمار.

لا ننسي أن يوم المرأة العالمي هو أيضاً لتذكير النساء أنفسهن بضرورة الوعي بحقوقهن والدفاع عنها بثبات وبصيرة تمكنهن منها ولا تزرع الصراعات في أرجاء المجتمع أو الأسرة. النساء في حاجة إلى إعادة النظر في رؤيتهن لذواتهن التي تم تشويهها من قبل وسائل التنشئة الاجتماعية المختلفة من مدرسة وإعلام ومؤسسات عامة لتخلق لنا في الغالب شخصيات ضعيفة قلقة مملوكة تقبل هذا الإمتلاك لأنها لا تعرف أنها يمكن أن لا تكون مملوكة وأنها ولدت حرة وأقر لها الإسلام الأهلية والمشاركة العامة والخاصة بشكل متوازن مع رفيقها الرجل ليسيرا دفة هذا المجتمع دون تطرف او توجس، لكن هذه الحقوق والتفسيرات التابعة لها تدثرت بالأغطية الاجتماعية والثقافية عبر الحضارة الإنسانية حتى يومنا هذا، وها نحن نقف اليوم لمراجعتها وبالمطالبة بما فقد منها... أولا يحق لنا ذلك في يومنا العالمي؟؟.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد