Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/03/2009 G Issue 13316
السبت 17 ربيع الأول 1430   العدد  13316
حتى لا يكسر السوق حاجز الأربعة آلاف!
د. زايد بن فهد الحصان

 

هي ليست كالحروب الاقتصادية التقليدية للظفر بحصة سوقية أكبر في فضاء التجارة العالمية، ولكنها حرب وكفاح من أجل البقاء والمحافظة على ما تبقى من المكتسبات الاقتصادية الوطنية. هذا ما تقاتل من أجله الكثير من دول العالم حالياً، وأذكر أنني قد كتبت مقالة هنا منذ خمسة أشهر للتحذير من التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية على جميع نشاطات الاقتصاد الوطني المالية والتجارية والصناعية والعقارية وغيرها، ومنذ ذلك الحين وحتى اللحظة بلغت الخسائر في سوق الأسهم ما يلي: خسر تاسي 33% من قيمته السوقية، وخسر قطاع الصناعات البتروكيماوية 47% من قيمته السوقية، وخسر القطاع المالي 34% من قيمته السوقية، وخسر قطاع التطوير العقاري 25% من قيمته السوقية، ولو ترجمنا هذه النسب إلى أرقام لتحدثنا عن خسائر بمئات المليارات من حر أموالنا، ناهيك عن التهديد الذي يواجه بعض الوظائف في قطاعات اقتصادنا المختلفة وبالتحديد في قطاعي المصارف والخدمات المالية والتطوير العقاري.

هناك نزيف اقتصادي دولي مستمر ولا بوادر على توقفه قريباً أو على الأقل تهدئته حتى الآن، ولعل أفضل وصف لحالة الاقتصاد الأمريكي الأكبر والقائد لقاطرة الاقتصاد العالمي قدمه عميد المستثمرين في العالم البليونير وارن بوفيت في مقابلة متلفزة الأسبوع الماضي حينما أعلن أن الاقتصاد الأمريكي قد (هوى) فعلاً من قمة (الجرف)، وقال إنه أمام حالة اقتصادية استثنائية لم يرَ لها مثيلاً طوال حياته، وبعده أعلن كبار مسؤولي المالية في منطقة اليورو أنهم لا يرون حالياً بوادر تحسن في الوضع الاقتصادي، وقد حث وزير الخارجية البريطاني الدول الأوروبية على اتخاذ إجراءات أقوى لمكافحة الأزمة المالية، وهي دعوة غير مباشرة للتدخل في النشاط الاقتصادي لتدارك الأمر قبل أن يستفحل. كل ذلك يعني أننا أمام انهيار اقتصادي عالمي مرعب يجب التعامل معه على أعلى المستويات، سواء على مستوى الدولة الواحدة أو على المستوى العالمي. وليس لديَّ أدنى شك باستشعار حكومتنا الرشيدة لأهمية المرحلة الحالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي المنهار والتقلبات التي تشهدها جميع الأسواق العالمية وتداعياتها السلبية على اقتصادنا الوطني، وضرورة المواءمة بين المتطلبات المالية الحالية والمستقبلية لمشروعات التنمية الاقتصادية وفقاً للتغيرات التي تحدث في أسواق النفط وأسواق المال في العالم أجمع. ومع ذلك يجب أن لا تغفل أعيينا (الرسمية) عن خطر أوشك أن يدهمنا ليقضي على أحد أهم روافدنا الاقتصادية (الشعبية) ألا وهو سوق الأسهم والشركات المرتبطة به والمستثمرون من الأفراد الذين تورطوا فيه خلال السنوات الأربع الأخيرة.

ما أود الإشارة إليه حقيقة هنا هو حاجز الأربعة آلاف نقطة لمؤشر السوق الذي أعتبره شخصياً هو الحد الفاصل بين الانهيار الاستثماري (الحاصل فعلاً) والانهيار النفسي الذي سيحدث قريباً لكبار المستثمرين في السوق فيما لو تم السماح لمؤشر السوق بكسر حاجز الأربعة آلاف نقطة.

لماذا لا نعتبر هذا الحاجز هو حجر الزاوية لتدخل حكومي مباشر في السوق وبجميع الطرق (الدفاعية) على الأقل في الفترة الحالية، وأن يتم الإعلان صراحة عن أن كسر مؤشر تاسي لحاجز الأربعة آلاف هو أمر غير مقبول اقتصادياً؛ لأن السماح بحدوث ذلك يعني القضاء على قوى اقتصادية مهمة وفاعلة لها وزنها وثقلها الكبير في النشاط الاقتصادي المحلي. وأنا على يقين بأهمية العامل النفسي للسوق في المرحلة الحالية؛ فمجرد الإعلان (رسمياً) عن أن محافظة السوق على حاجز الأربعة آلاف ذات أهمية كبيرة لصانع القرار كفيل بتقديم (نصف) الدعم المطلوب للسوق، على أن يأتي النصف الآخر من خلال الإعلان عن دعم صريح ومباشر لقطاعي المصارف والبتروكيماويات، سواء بتقديم الضمانات اللازمة لهما أو عن طريق تقديم قروض غير مشروطة وطويلة الأجل، وذلك قبل فوات الأوان وقبل أن نشاهد بأم أعيننا انهيار تلك الشركات وأسهمها في السوق، والتي فقدت نصف قيمتها السوقية خلال الأشهر الخمسة الأخيرة.

يجب أن لا يفهم من حديثي هنا أنني أطالب بدعم حكومي (مادي) مباشر للشراء في سوق الأسهم؛ فهذا قرار غير سليم على الأقل في المرحلة الراهنة.

إذن يجب أن نتوقع أسوأ الاحتمالات؛ فالاقتصادات العالمية، وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكي، قد دخلت فعلاً في النفق الرمادي ولا أحد يعلم متى ستخرج منه ولا حجم الخسائر التي ستتحملها تلك الاقتصادات.

أعلم علم اليقين أن ما سطرته في هذه المقالة لا يروق لكثير من المتخصصين الاقتصاديين، ولكني أذكرهم بإعلان الحكومة اليابانية الثلاثاء الماضي تعهدها بالتدخل لإنقاذ أسواق الأسهم لديها عبر خطط إنقاذ مدروسة، وإعلان الحكومة الأمريكية عدم سماحها بانهيار بنوكها الكبرى. ولا يوجد في علم الاقتصاد ما يمنع من تدخل الحكومة في أي نشاط اقتصادي إذا لزم الأمر؛ فهل نسينا أم تناسينا أن علم الاقتصاد هو علم اقتصاديات الرفاهية؛ فهو يجعل من تحسين الوضع الاقتصادي للفرد في المجتمع هدفه الأسمى.



alhosaan@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد