لقد تحدثنا في المقال السابق عن توضيح مختصر لبعض أسباب سقوط العديد من المستثمرين في كثير من الجوانب السلبية للاستثمار، وعرجنا في عجالة سريعة إلى بعض الأسباب المحيطة بذلك. وكذلك أشرنا إلى التغير الذي حدث لدى أصحاب الأموال والطرق المستعملة في تشغيل وتطوير وتنمية هذه الثروات وتَبدُّل نظرة أصحاب الأموال من الاقتصار في استثمار أموالهم في المؤسسات الإنتاجية إلى الهرولة نحو الاستثمار في دور المال وسلاله المختلفة وصناديقه المتعددة. إنني قد ألتمس لهم الإجابة المتوقعة في أنه يأتي في مقدمة أهدافهم الحصول على أكبر ربح في أقصر وقت، وقد نسوا أو تناسوا ما قد يصاحب هذا من مغامرات قد تؤدي إلى تأثير عكسي.
لعلني في هذا الحديث أضع صورة مبسطة للاقتصاد العالمي قبل الاثنين 8-10-2008م وليس بتاريخ قديم ولا بسنوات أو أشهر بل بأيام معدودة.
في شهر سبتمبر من هذا العام وقبل بداية شهر أكتوبر لم يكن أحد يدرك ما سيحدث من تغيرات وما سيطرأ لموازين ومعدلات الاستثمار ولم يعلم أحد ما سيحدث لصور شاشات التلفزيون المخصصة للمال والأعمال ولعلاقات الموجب والسالب، وما سيحدث لصفحات الأرصدة وأعمدة الدائن والمدين، وكذلك ما سيطرأ على ألوان الأسهم الخضراء والحمراء.
قبل حدوث ما حدث وقبل وقوع ما وقع كانت الأسئلة تصب في استفسار واحد حول ما هو الأكثر ربحاً وما هو الأكثر عائداً وما هو الأسرع دورةً، ولم تكن هنالك أسئلة عما هو أقل خطورةً وعما هو أكثر أماناً من التراجع والانتكاسة.
لقد انتقل المستثمرون إلى أن أصبحوا جميعهم خبراء بلا معلومة، ومتخصصين بلا تخصص، ورجال أعمال بلا دراية كافية.
لقد تسابق المحللون لمسيرة المال إلى الحديث المتفائل والحديث الإيجابي، وقد يخجل أو ينتقص من قدر من يتحدث عن توقع انتكاسة، وأصبح رجال المال وخبراؤه يتسابقون في وضع الخطط الأكثر تفاؤلاً، وكاد الجميع، سواء كان مستثمراً أو خبيراً، أن ينسوا إمكانية الرجوع إلى الوراء، وكان هذا أشبه بالنشوة؛ فهم جميعاً يرون الأرقام الجنونية والقفزات المتسارعة في تحقيق الأرباح وتضاعف رؤوس الأموال بطرق أسهل مما كانوا يعانون وبسرعة تجاوزت أحياناً مئات المرات ما كانت عليه في الفترات الماضية.
إنني أعتقد أن هناك العديد من الأسئلة المطروحة الآن تتحدث عن الخروج من هذه الدوائر المتداخلة، ومن الواقع الحالي على ضفاف بحر تستقبل شواطئه كل يوم الجديد من الأمواج العاتية بما تحمل من جديد.. لا أحد في الوقت الحاضر يملك إجابة محددة أو دواء يعالج ذلك بسرعة، ولكن لعلنا في المقال المقبل - إن شاء الله - نضع بعضاً مما نراه مناسباً لاستكمال ما تم التطرق إليه.
- الأمين العام لجمعية البر بمدينة الرياض