Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/03/2009 G Issue 13317
الأحد 18 ربيع الأول 1430   العدد  13317

مكتبة الأستاذ أنور (رحمه الله) في خميس مشيط
محمد إبراهيم فايع

 

لم يكن لقاء الثلاثاء 23-1-1430هـ الذي عُقد في مكتب التربية والتعليم بخميس مشيط لقاءً عادياً فلقد كان استثنائياً فقد جاء المشهد حاملاً لوحة من الوفاء وخليطاً من المشاعر الجيّاشة ومعها صفحات من الذكريات رسم هذه اللوحة طلاب الشيخ الأستاذ محمد أحمد أنور عسيري - رحمه الله - أحد رواد التربية في عسير، وكانت المناسبة إهداء أبنائه مكتبة والدهم لأهالي خميس مشيط واحتضنها مكتب التربية والتعليم في ركن خاص بها وفاءً وعرفاناً من ورثة المربي لطلاب والدهم فيها. وقد عقدت (ندوة) على هامش اللقاء بدأت بذكريات وخواطر من معالي الأستاذ مريع بن حسن الشهراني رئيس الهيئة العامة للمساحة وأحد طلاب الشيخ أنور، ثم انسكبت الخواطر من الأستاذ محمد بن سعد بن عبد الرحمن وهو الذي تسلّم إدارة المدرسة خلفاً للأستاذ أنور في عام 1374هـ أعقبه خواطر من الأستاذ إبراهيم بن محمد بن فايع أحد طلاب الشيخ أنور والأثيرين عليه وقد كان واسطة العقد وخصّه بتربية وعناية خاصة كما ورد على لسان صاحب المعالي مريع، ثم تكلّم الدكتور غيثان جريس عن الراحل مورداً أنه تعرَّف عليه من خلال الأستاذ إبراهيم وسجَّل معه بعض ذكرياته، عقب ذلك كلمة وفاء من اللواء طيار ركن متقاعد عبد الله محمد أنور أحد أبناء المربي في هذا اللقاء المترع بالحب حينما التقى بعض الزمان والمكان على موعد فعادت الذاكرة إلى عام 1359هـ تاريخ فتح المدرسة السعودية الأولى بالخميس كان بعض معلميها حاضراً ومنهم من سبق جيله إلى الآخرة ومنهم من أقعده المرض، وقد وجدتني أتذكر قول عنترة بن شداد الآن حينما قال:

إذا كان أمر الله أمراً يقدّر

فكيف يفر المرء منه ويحذر

ولأول مرة يحضر الطلاب الفصل ويغيب المعلم وسبب الغياب الأجل المحتوم الذي غيَّب المربي منذ زمن لقد استمتع الحاضرون بسيرة الأستاذ أنور المولود بأبها في عام 1336هـ، فقد كان مربياً فاضلاً أدّب طلابه بسيرته قبل أن يبدأ تعليمهم بلسانه فكان نعم المعلم وكانوا نعم الطلاب ولو كان اليوم حيَّاً بيننا وهو يرى طلابه قد تبوأوا مناصب علمية لقال: (مع تحريفي لبيت الفرزدق):

أولئك (طلابي) فجيئني بمثلهم

إذا جمعتنا (يا معلمون) المجامع

لقد عمل معلماً بالمدرسة السعودية في أبها عام 1357هـ وكانت قد شرعت أبوابها في عام 1355هـ واستمر بها حتى كُلّف بافتتاح المدرسة السعودية بالنماص عام 1359هـ واستمر بها حتى عام 1361هـ حتى عيّن مديراً للمدرسة السعودية الأولى بالخميس خلفاً للشيخ عبد الفتاح راوه أحد معلمي الحرم المكي الشريف، وقد باشر عمله في عام 1362هـ وأشرف على إخراج أول دفعة فيها عام 1372هـ مستثمراً طاقته وفكره وتجاربه السابقة في العمل التربوي عبر المدرستين السابقتين في أبها والنماص، ثم انتقل للعمل مفتشاً ثم مساعداً لمدير التعليم في بلجرشي وفي عام 1385هـ انتقل للعمل كمفتش أول في تعليم الطائف وبقي حتى تاريخ تقاعده في عام 1410هـ.

ولم يكن لينفك عن ممارسة هوايته اليومية التي عشقها منذ صباه وشجع طلابه عليها وهي هواية القراءة حتى كوَّن مكتبة جمع فيها أنفس الكتب من مكتبات الطائف والرياض ومكة وجدة، وتحوّلت مكتبته إلى أحب الأماكن إليه يقضي فيها معظم أوقاته مسافراً خلف السطور والمجلدات متمثلاً قول المتنبي:

أعز مكان في الدنى سرج سابح

وخير جليس في الزمان كتاب

وقد بقي عاشقاً للقراءة والمطالعة ينعم بدفء أسرته الكبيرة في الطائف المأنوس الذي قضى فيه معظم حياته العملية حتى ألمَّ به المرض والذي لم يمهله طويلاً حتى غادر الدنيا في مدينة الرياض في يوم الاثنين 29-10-1417هـ خبر أيقظ الأحزان كما أحيا الذكريات فما كان من طلابه إلا أن توافدوا إلى حيث تم دفنه وتعزية بنيه وتلقي العزاء فيه وصدق الإمام علي كرَّم الله وجه حين قال:

للموت فينا سهام غير خاطئة.. من فاته اليوم سهم لم يفته غدا

مات المعلم وبقي طلابه على عهد الوفاء وبقيت مآثره حيَّة شاهدة على رجل عظيم قدم أفكاراً تربوية وربى أجيالاً ما زالت تذكره وتدعو له. كما حدث من طلاب الوفاء في خميس مشيط.

وصلت مكتبة الشيخ أنور الخميس وأحيطت برعاية من بذلوا جهوداً لإحضارها وفي مقدمتهم معالي الأستاذ مريع بن حسن الشهراني الذي رعى المناسبة بحضور كبير من الشيخ عبد العزيز بن سعيد بن مشيط محافظ الخميس السابق وحضور المحافظ الحالي سعيد بن عبد العزيز بن مشيط وكانت للأستاذ سعد بن عوض مدير مكتب التربية والتعليم بالخميس البادرة الطيبة في احتضان المكتب للمكتبة ووجدت عناية عضو مجلس منطقة عسير الأستاذ سفر برقان ودعم العميد متقاعد مبارك بن مشيط والأستاذان محمد بن سعد وإبراهيم بن فايع، وقد ازدانت المناسبة بحضور كوكبة من المعلمين الأوائل ومنهم الأستاذ محمد سعيد شلغم والأستاذ عبد الوهاب محمد أبو ملحة واللواء متقاعد سعيد بن محمد أبو ملحة الذي قدَّم دروعاً عبَّرت عن صادق وفائه لأساتذته فكانت لفتة كريمة وحضر د. عبد الله محمد حميّد ود. محمد السكيني والمهندس سفر ظفير مدير شركة أسمنت الجنوب والأستاذ سليمان المطوع والأستاذ عبد الله الزاروق والأستاذ مبارك سالم الضويلع والأستاذ سعود برقان والأستاذ سعيد بريدي وعدد كبير من التربويين يزيدون عن 60 مشرفاً وبحضور سعادة مساعد مدير عام التربية والتعليم بعسير الأستاذ الأديب سعيد بن محمد بن سلطان ومدير شؤون الطلاب الأستاذ محمد عريدان.

حفل اللقاء بالذكريات والمواقف التي أسالت شجون البعض وقد وقف جيل من التربويين اليوم من جيلي أمام صور لفتت انتباههم عند جيل الرواد من المعلمين سواء في المناسبة أو ما سمعوه في مذكراتهم وقد تساءلوا أين موقعنا بين هؤلاء؟ (وفي كلٍّ خير) ولكنه سؤال مشروع عندما شاهدوا المشاعر الصادقة والأحاسيس الدافئة وذلك الوفاء المتبادل وسبكة المعاني وجزالة الألفاظ وحفظ الألقاب وسيل الحنين الجارف نحو بعضهم على الرغم من مرور أكثر من ستة عقود على زمالتهم الأولى وما زالوا ولمس هذا الجيل وفاء أولئك المعلمين للمعلمين الذين درّسوهم ووفائهم لمعلمهم صاحب المناسبة الأستاذ أنور - رحمه الله - وقد ردد بعضهم (قم للمعلم وفه التبجيلا)، وقال لو كان معنا لما وسعنا إلا أن نقبّل كفيه وجبينه، حتى إن أحد طلابه الأستاذ إبراهيم فايع ذرف الدمع عندما أتى على ذكر رحيله برغم مرور 13 سنة على رحيله فما كان من الحاضرين إلا أن يسألوا أين الوفاء اليوم من الأجيال الحاضرة لبعضهم بعضا هل أصبح مفقوداً؟ ولماذا؟ إن وجود مكتبة الأستاذ أنور بكتبها التي ناهزت الـ3250 كتابا بين ظهراني التربويين في المنطقة لكنز كبير وإرث عظيم يجب الاستفادة منها ولا سيما أن المشرف عليها الأستاذ حسن البارد قد بذل جهوداً في ترتيبها وتصنيفها معرفياً منذ أن حطت رحالها في شهر شعبان 1429هـ، نسأل الله للمربي الراحل الأجر ولبنيه الفضل.

fayall@gawab.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد