Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/03/2009 G Issue 13317
الأحد 18 ربيع الأول 1430   العدد  13317
بمناسبة مرور ألف عام على إنشاء خط المشاة الهدا - الكر - مكة

 

تشتهر مدينة الطائف بموقعها الجغرافي المتميز ذات الطبيعة الجبلية الخلابة منذ القدم وإلى اليوم، وكانت من أحسن المدن بالحجاز لتوسطها جزيرة العرب، تنتشر بها الحدائق والحقول الزراعية، بمياهها الوفيرة وأراضيها الخضراء تزهو بكرومها وتعتز بخيراتها.

الطائف هو المصيف الأول للمملكة العربية السعودية، حينما اتخذ الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - عام 1343هـ، قراراً باعتبار الطائف مصيفاً رسمياً للدولة، حيث تنتقل إليها الأجهزة الحكومية في فصل الصيف إلى الآن الذي يمتد عدة أشهر وسار عليه أبناؤه الملوك رحمهم الله، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين.

الطائف ملتقى الطرق والمسالك البرية قديماً منذ فجر التاريخ، من اليمن ونجران، وجنوب الجزيرة العربية، مروراً بالطائف فمكة المكرمة، وهي امتداد لطرق القوافل التجارية والحجاج من اليمن، وعسير، ونجد، إلى الحجاز، فهي معبر للحجاج والمعتمرين من نجد وشرق الجزيرة العربية وجنوبها، وهي بوابة الحجاز كله قديماً وحديثاً وهي همزة وصل بين الطرق السريعة الداخلية حالياً.

وللطائف عدة مسالك وطرق ومنافذ ما بين الطائف ومكة المكرمة، وعلى سبيل المثال هناك عدة طرق لهذه المسالك قديماً وهي: طريق كرا، يعرج، الثنية، غرزة، ضروب، عفار، اليمانية، عقبة سلامة بالهدا(1).

أما الطرق الرئيسية والمعروفة حاليا فهي: من الطائف، السيل الصغير، السيل الكبير (قرن المنازل) البهيتاء، نخلة اليمانية، الزيمة، الشرائع، فجعرانة إلى مكة المكرمة أو بالعكس.

أما الطريق الثاني يبدأ من مكة المكرمة، منى، عرفة، وادي نعمان، شداد، قرية الكر، المعسل، جبل كرا، ميقات وادي محرم، فالطائف أو بالعكس.

فقد سلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعضاً من هذه الطرق والمسالك حينما أتى إلى الطائف مرتين: الأولى في ليال (بقين) من شوال السنة العاشرة من النبوة ومعه زيد بن الحارثة مولاه، فأقام بها شهراً داعياً أهلها للإسلام، والمرة الثانية: فرغ من غزوة حنين فاتحاً الطائف، فكان خط سيره- صلى الله عليه وسلم- في رحلته، مكة، حنين، نخلة اليمانية، قرن المنازل (السيل الكبير) ثم على المليح، ثم على بحرة الرغا، ثم لية، ثم على نخب، ثم على الضيقة (اليسرى)، ثم السدرة، (الصادرة) ثم على حصن الطائف (أي سور الطائف لقبيلة ثقيف) كما سلك هذه الطرق والمسالك عدد من الرحالة العرب والأجانب، لدى زيارتهم إلى مدينة الطائف خلال حقب وأزمنة وعقود ماضية.

وبهذه المناسبة التاريخية بمرور ألف عام على إنشاء طريق للمشاة ما بين الطائف ومكة المكرمة، عبر طريق الهدا، جبل كرا (عقبة كرا) (كرا - ثنية بين مكة والطائف) وقال في موضوع آخر ما نصه: (بالطائف عقبة وهي مسيرة يوم للطالع من مكة، ونصف يوم للهابط إلى مكة، عَمرَها حسين بن سلامة وهو عبد نوبي لأبي الحسن بن زياد صاحب اليمن في حدود سنة 430 هـ فعمر هذه العقبة عمارة يمشي في عرضها ثلاثة جمال بأحمالها).

ولعل هذه العقبة هي عقبة (كرا) وقد خربت هذه العقبة خلال القرون الماضية بسبب السيول والأمطار والإهمال(2) قديماً ثم جددت عمارتها سنة 1242هـ(3)، ثم دمرت بسبب السيول والإهمال، وخلال السنوات الماضية قامت لجنة التنشيط السياحي بإعادة ترميم هذا الطريق مع إدارة التربية والتعليم بمساعدة الكشافة وإدارة الآثار بالتعليم بالطائف في صيف عام 1417هـ، قد أصبح معلماً أثرياً يرتاه عدد من الزائرين والسياح أو مشاهدته عبر الركوب بالتلفريك بالهدا، لمشاهدة هذا الطريق التاريخي الذي قارب على إنشائه ألف عام، وما زال يذكر هذا الخط إلى الآن أمراً حقيقياً واقعاً ملموساً للعيان.

كرا : ومن قمة هذه السراة ومن وسط (الهدا) يتجه الطريق إلى جبل كرا، الطود العملاق ليأخذ من قمته حافة الهدا الغربية في الانحدار، وكرا ثنية بين مكة والطائف، وقال ابن بلهيد: (وكرا طريق يسلكه الماشي من الطائف إلى مكة أو بالعكس وهي عقبة باقية بهذا الاسم إلى الآن(4).

وخلال هذا العهد الزاهر من تاريخ الدولة السعودية مع بداية القرن الثالث عشر الهجري، عهد جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - بداية عهد جديد في إعمار وتمهيد الطرق الرئيسية بين مدن المملكة، وكذلك من مشاريع اجتماعية، وتجارية، وثقافية ومن طرق ومسالك وطرق داخلية وخارجية، وربطها بطرق ومواصلات حديثة وسريعة ابتدأ من 1346هـ، وإلى الآن فقد تم تعبيد وصيانة وتمهيد طريق مكة الشرائع، الزيمة، اليمانية السيل الكبير فالطائف على عدة مراحل وسنوات متتابعة، بداية من عام 1346هـ، 48 - 50 - 52 - 55 - 56 - 58 - 66 - 75 - 85 - 1395هـ(5)، وذلك لسهولة وانتقال المصطافين والزائرين إلى الطائف خلال أشهر فصل الصيف، إضافة لنقل البضائع والمنتوجات الغذائية والركاب من جدة ومكة إلى الطائف، لتنشيط الحركة التجارية بين هذه المدن ابتداء من عهد الملك عبدالعزيز، والملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد - رحمهم الله جميعاً - إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظهم الله.

وبداية فكرة مشروع إنشاء طريق يربط الطائف بالهدا فمكة بطريق سريع، حينما قام الملك سعود بن عبدالعزيز بزيارة لمنطقة الهدا أثناء اصطياف جلالته عام 1375هـ، فقد أصدر أمره الكريم بتوسعة طريق الطائف الهدا عام 1377هـ - 1958م، إلى وزارة المواصلات بإنشاء وتوسعة مشروع طريق الطائف - الهدا - مكة بطول 67 كيلا.

وأثناء زيارة الملك سعود إلى الطائف في شهر ربيع الأول من عام 1378هـ حيث وجه جلالته مؤسسة محمد بن لادن بتكملة وصيانة الطريق، ومتابعة من سمو ولي العهد الأمير فيصل بن عبدالعزيز في تنفيذ هذا المشروع الكبير والإشراف على مراحل التنفيذ الذي صمم على أعلى المستويات العالمية للطرق، حيث بدأت الاستعدادات للاحتفال بافتتاح طريق الطائف - الهدا - مكة الجديد - وهو أول طريق من نوعه ليس في بلادنا فحسب بل في الشرق الأوسط في ذلك التاريخ، وقد دعي للحفل عدد كبير من رجال الدولة وأعيان البلاد والسفراء والسلك الدبلوماسي العربي والأجنبي، وهذا الطريق الذي يربط مكة بالطائف والذي بدأ العمل مع بداية عام 1378هـ ويبلغ طوله 87كم موزعة كالتالي: 21 كيلو مترا من مكة إلى عرفات، 23 كيلو مترا من عرفات إلى الكر، 23 كيلو مترا من الكر إلى الهدا، 20 كيلو مترا من الهدا إلى الطائف.

ويعد الطريق معجزة تحققت في العصر السعودي وإنجازا عالميا في مجال الطرق حتى الآن والشريان الرئيسي لمدينة الطائف التي يربطها بمكة وجدة بسم الله وعلى بركة، تم افتتاح طريق - الهدا - مكة المكرمة يوم الأربعاء الموافق 3-2-1385هـ، تحت رعاية الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود- رحمه الله-.

وخلال العقود الماضية افتتح الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - التوسعة الجديدة الأولى لطريق الهدا الطائف المزدوج يوم 28-8- 1398هـ ومع الخط الدائري، وتم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وضع حجر الأساس والتوسعة الجديدة الثانية لازدواج طريق الهدا - الكر يوم 27-6-1427هـ الموافق 23-6-2006م، وحظيت محافظة الطائف بتنفيذ العديد من الطرق السريعة والمزدوجة الرئيسية، وقد بلغ مجموع أطوال هذه الطرق (1352) كيلا مما عزز مكانتها وأهميتها كمصيف المملكة الأول إذا ما رجعت إلى مشروع توسعة وازدواج طريق الهدا - الكر نجد أن طوله بلغ 22 كيلا بقيمة إجمالية تزيد على (198) مليون ريال والطريق من اتجاهين بمسارين في كل اتجاه مع كتف خارجي بعرض 2م وداخلي بعرض 5م، يفصل بينهما جزيرة وسطية (حواجز خرسانية) بعرض 7م، إضافة إلى جسر فوق وادي المعسل، ويساهم ازدواج هذا الجزء من الطريق في تحقيق ازدواجية كامل الطريق من الطائف إلى مكة المكرمة مما يساهم في خدمة الحركة المرورية أثناء المواسم والإجازات وسيتم الانتهاء من المشروع بداية عام 1430هـ لافتتاحه لحركة المرور، كما يتم استكمال الطريق الدائري بالطائف للحركة كمشروع آخر بدءاً من تقاطعه مع طريق الشفا حتى تقاطعه مع طريق الطائف - الباحة باتجاهين بثلاثة مسارات في كل اتجاه بطول 17 كيلا، ويساهم هذا الطريق في تسهيل حركة المرور المحلية والقادمة للمحافظة والتقليل من الازدحام عن وسط مدينة الطائف، ويعد الطريق من أندر المشروعات على مستوى العالم بطول 22 كيلا، مزدوج ومضاء إضاءة كاملة على ارتفاع 1800م عن سطح البحر ويبقى طريق الهدا - مكة - شاهداً أمام التاريخ بهذا الإنجاز الوطني على مر السنين بإذن الله تعالى.

***

المراجع :

1 - ياقوت الحموي، معجم البلدان ج4، ص10 - 11 - 68 - 74 .

2 - خير الدين الزركلي، مارأيت وما سمعت، ص120 .

3 - عبدالله بن خميس، المجاز بين اليمامة والحجاز، ص278 - 279 -280 .

4 - أ. د. ناصر علي الحارثي، أعمال الملك عبدالعزيز المعمارية في منطقة مكة المكرمة، ص193 - 194 -195 .

5 - بحث للكاتب، نشرة وزارة النقل، فرع الطائف، ص6 -7 جريدة المدينة المنورة عدد 16101 في 7-5-1427هـ.

عيسى علوي القصيّر - كاتب وباحث سياحي
ص.ب 4043


essa.5@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد