Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/03/2009 G Issue 13323
السبت 24 ربيع الأول 1430   العدد  13323
ثلاثية
إيران وبعث كليلة ودمنة... الحلقة الخامسة
د. سعد البريك

 

إن سرد التوجه الإيراني الجديد وقراءته وفق المتغيرات والمعطيات المستجدة في المنطقة ليس غرضنا منه تثقيف القارئ بمعلومات عن السياسة الإيرانية وأساليبها فقط بل المرمى الأساسي من ذلك هو تحذير الأمة بكل مكوناتها شعوباً وقيادات (سياسيين ومفكرين ومثقفين وعلماء ودعاة) من خطورة المشاريع الإيرانية على المدى القريب والمتوسط والبعيد

وتحفيز الجميع على الانتباه لهذا الخطر حتى في ظل وجود علاقات حسن جوار وروابط دبلوماسية.

إن ما نريد قوله للسياسيين تحديداً باعتبارهم أصحاب القرار في هذا الشأن أن العلاقات العربية الحالية مع إيران لا ينبغي أن تعني التغافل عن بعث مشروعها لاسيما وأن هناك خطوات إيرانية واضحة متناقضة مع مصالح دول المنطقة والعرب عموماً وإن لم تكن ظاهرة اليوم للكل فسيأتي يوم - بلا ريب- ليتحول التناقض إلى تصعيد ومن ثم إلى صدام حتى يصل بها إلى حافة هاوية!.

فحالة عدم الاستقرار أصبحت واضحة جليلة ويرى المراقبون أن العلاقات الدبلوماسية المتفاوتة في جودتها وتوترها بين إيران ودول المنطقة لا تعكس حالة الاستقرار وهدوئها فإيران اليوم أصبحت قوة عسكرية لا يستهان بها وواضح جدا من خلال تحركاتها المباشرة وغير المباشرة أنها ترغب في زعزعة استقرار المنطقة ولديها شركاء لهم الرغبة نفسها تجمعهما معا رغبة (التفتيت) وتغيير (الخرائط), فإيران تسعى من وراء ذلك إلى هلال شيعي! وشركاؤها يسعون إلى شرق أوسط جديد! وفي العراق تجسدت حالة الوفاق على الرغبتين ومن نجاحها أصبحت إيران تحظى بمباركة من قبل الشركاء في كل خطوة طائفية تهدف منها إلى زعزعة المنطقة! وإلا فما معنى سكوت أمريكا عن تهديدات سياسيين إيرانيين لكل من سيادة البحرين والإمارات!! فلو أن إيران كانت هددت تيمور الشرقية لأطل علينا الناطق باسم البيت الأبيض يشجب ويدين ويحذر!

وما من شك أن هناك مفارقة كبيرة بين المناخ السياسي لغزو العراق للكويت وموقف الغرب من ذلك وبين المناخ السياسي الخليجي اليوم وتحديداً في علاقة الغرب بإيران وتلاقيهما على مشروع التفتيت.. وما أرمي إليه تحديداً هو أن إيران مستعدة للمشاركة في أدوار استعمارية بأقل الأثمان لتحفيز الشركاء (الغرب) على الموافقة, ومستعدة للعب دور المحتل بمفردها وبالثمن نفسه مقابل مباركة الشركاء وتركها وشأنها! ومستعدة مقابل نجاح مشروعها النووي لفعل كل شيء على مذهب كليلة ودمنة!.

وفي هذا كله تكمن الخطورة والمفارقة في الوقت ذاته! أما المفارقة قد اتضحت وأما الخطورة فهي أن تكون إيران مدعومة في مشروعها الطائفي بالسكوت والصمت! والسكوت في زماننا هذا سلاح تسقط به أنظمة وتبقى به أخرى! ومعناه في لغة السياسة: التآمر!

لقائل أن يقول بأن للغرب مصالح حيوية في المنطقة ومن المستبعد جداً أن يغامر بها أو يسمح بتدهور الوضع وأنه حازم في التصدي لذلك تماما كما فعل مع صدام حين احتل الكويت، وهذا صحيح لكن في اعتقادي أن كلمة المصالح هي المفتاح.. فهي شيء لا علاقة له بود ولا مبدأ ولا ثقة ولا اسم ولا جهة محددة.. الكل صديق والكل عدو.. والغرب بهذا المفهوم يدور مع مصالحه الحيوية والإستراتيجية أينما دارت.. وإذا أثبتت إيران قدرتها على تحقيق أكبر قدر منها (للغرب) كما فعلت في العراق.. فلم سيرفض الغرب؟!! أليس هو اليوم من ينشد مساعدتها مرة أخرى في كابول!! حتى أن الجنرال - (جون كرادوك) من قيادة حلف شمال الأطلسي، صرح بأن: (قيادة الحلف لن تعترض على أي من الدول الأعضاء في الحلف ترغب في الاتفاق مع إيران، بهدف تمرير الإمدادات لقواتها العاملة في أفغانستان عبر الأراضي الإيرانية) وزد على ذلك أن قواعد العسكرية للغرب في محيط روسيا أصبحت مهددة بالانقراض بل منها ما انقرض فعلا، وهو ما يعني حاجته الشديدة لدولة تسد حاجته في الإمداد وإيران المرشح الأول لموقفها السياسي والعقدي من أفغانستان ولقربها الجغرافي منها. فالغرب إذاً في المنطقة كالمنشار يأكل صاعداً ونازلاً!.. فمع قوة إيران وتهديدها يكتسب مبررات الوجود وتنشيط حركة بيع السلاح.. ومع تحالفها يكسب شرعية الاحتلال بسلاح الطائفية، ومنها يضع يده على الجمل بما حمل كما ينطق به الحال في العراق!.

وفي ظل هذا المشهد الجديد على المنطقة نجد إيران خطت خطوات بعيدة في اتجاه تقوية شوكتها فبرغم أن عتادها الحربي تقليدي إلا أنها تمتلك قدرات عسكرية يعز وجودها في المنطقة وخلافا لبعض دول الخليج التي نالت حصة (جسدية ناعمة) من الميراث السوفيتي فإن إيران سعت بجد واحتراف إلى اختيار العقول النووية من ذلك الميراث فأصبحت رائدة في الصناعات العسكرية بل في تصنيع الصواريخ البعيدة المدى والأقمار الاصطناعية ذات الأهداف العسكرية ولديها ترسانة عابرة للقارات تقع في مرماها دول الخليج والمنطقة برمَّتها ومعها المصالح الحيوية الأمريكية وقواعدها، لا بل رائدة في تصنيع الطيران الحربي (الصاعقة) وإن على مستوى تقليدي من ناحية التطور التقني، وأضحى من غير السهل على الدول العظمى فضلاً عن دول الخليج فك طلاسم الصناعة النووية الإيرانية وتحديد مسار الجدول الزمني لصناعة سلاح الردع الحاسم (النووي) بل من الصعب الجزم بتحديد كل أماكن مفاعلاتها, والذي إذا قدر لإيران وامتلكته فسيغير قواعد الصراع برمته في المنطقة وربما يصبح الخليج وما جاوره آيات للسائلين!

كما أن لها مخزونا استراتيجيا من السلاح حققت به اكتفاء ذاتيا أعلن عنه مؤخرا ولديها قوة بحرية مدربة ومجهزة تجهيزا متطورا كشفت عنه المناورات المتكررة في الخليج العربي على مدى السنين الأخيرة, بالإضافة إلى امتلاكها للكادر العسكري الهائل.

ومقارنة بالتسلح الخليجي على المستوى النوعي تعتبر الترسانة الإيرانية تقليدية برغم زخمها لكن المفارقة الخطيرة تكمن في المشروع النووي لاسيما مع التطور الملحوظ في الصناعة الصواريخ وهنا ينبه الخبراء إلى ضرورة السعي إلى الحفاظ على توازن معادلة القوة الإستراتيجية في المنطقة من خلال حلين لا ثالث لهما:

الأول: الحيلولة دون امتلاك إيران للسلاح النووي بكل السبل الدبلوماسية.

الثانية: السعي لامتلاك السلاح النووي وخصوصا إذا تأكد فشل الحل الأول. وهنا يمكن القول: إذا كان من الصعب تصنيع السلاح النووي فلا أقل من امتلاك القدرة على تصنيعه - ولو نظريا - وهذا سيحدث مفارقة كبيرة في التوازن كما أن القدرة على التصنيع تعتبر من القوة التي يستعصي على كل الأطراف الأخرى الوقوف ضدها ويحسب لها حساب في معادلة الصراع.

(هانز بليكس) في مؤتمر الطاقة النووية في الخليج الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات الإستراتيجية في ذي القعدة الماضي، نصح دول الخليج بالحرص على عدم زيادة التوتر مع إيران وإقناعها بعدم صناعة السلاح النووي مع إزالة التوتر بين إسرائيل وإيران! حرصا على أمن المنطقة برمتها!!.

نصائح في الصميم ودول الخليج لها سعة صدر تكفي لإقناع الإيرانيين فردا فردا بعدم التحول إلى السلاح النووي لكن السؤال هل هناك أي استعداد لدى الساسة الإيرانيين وملاليهم لتقبل هذه القناعة! هل دوافع إيران لتصنيع السلاح النووي هو الدفاع عن أرضها أم أن للأمر علاقة بمشاريع التوسع والهيمنة وبعث تصدير الثورة!! وإذا كان كذلك فلا أقل من أن يمتلك الخليجيون ما يحققون به توازن القوى وأن يجتهدوا في فعل ما يلزم لذلك بكل ما تعنيه جملة (ما يلزم) وإلا فإن مجاورة دولة نووية ذات مشروع توسعي مذهبي يرمز في كليلة ودمنة لقصة مجاورة الثور للأسد! وهو آكله لا محالة!!

والحل في إطار هذا المشهد الملتبس - هو اتخاذ خطوات عملية وقائية حازمة ومدروسة ومبنية على أسوأ احتمال، لتوقيف المشروع الإيراني عند حده، وهذه الإجراءات الوقائية ينبغي لها أن تكون على كل المستويات التي تشكل مكونات المشروع سواء فيما يتعلق بالتسلح وعلى رأسه (الملف النووي) أو بالولاءات وتوظيفها (القوة الناعمة) في بؤر التوتر الحساسة أو باختراق صفوف الأمة بالتشيع وبعثه بين أبنائها أو بتوظيف ولاءات الأقليات الشيعية في الدول السنية. فها هنا أربعة محاور يمثل كسب الرهان فيها عامل حسم في الصراع! وأربعتها اليوم تمثل تحديا حقيقيا لدول المنطقة يتطور يوما بعد يوم. كما ينبغي أن يكون من ضمن الخطوات الإجرائية مشروع دعوي فكري مضاد للطائفية القومية الصفوية من خلال تنشيط الإعلام والعلم والعلماء والمثقفين المفكرين والتركيز هنا على إيقاف المشروع الفكري الإيراني وقص أجنحته في الداخل العربي والإسلامي وبعث المشروع السني في إيران نفسها!

وإلى جانب ذلك تبني مشروع القوة الناعمة في المنطقة والعالم الإسلامي نصرة لقضايا المسلمين من جهة ولقطع الطريق على من يوظف بؤر الصراع لمشاريعه الطائفية.

وعماد ذلك كله هو تبني إجراءات عملية لمشروع سني شامل يكون مقابلا للمشروع الشيعي الزاحف بالإضافة إلى مشروع إعلامي موجه للسنة والشيعة في إيران بلغتها ولي إن شاء الله معه وقفة في مقالات مقبلة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد