Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/03/2009 G Issue 13323
السبت 24 ربيع الأول 1430   العدد  13323
تحديد القاع في ظل الخوف
محمد سليمان العنقري

 

يبحث الكثيرون عن قاع السوق بالمرحلة الحالية ونحاول هنا أن نسلط الضوء على جوانب بسيطة من عملية تحددية وليس الإشارة إلى أننا بالقاع

فما زال العامل الاقتصادي السلبي والأزمة التي نعيشها دولياً تسيطر على حركة الأسواق الآن ويؤدي الخوف دوراً كبيراً بتعظيم الأزمات ويكاد يصل إلى ثلثي حجمها ويتشكل لدى المتعاملين بالأسواق كجبل الثلج ولا يمكن إذابته إلا بفعل الحرارة التي تصدر من التحركات الرسمية وبقدر حجم الدفء القادم من القرارات التي تتخذ يكون سرعة ذوبان المخاوف، ففي السوق المالية السعودية الجميع خائف، وعلى الرغم من الحراك الرسمي وحزمة التحفيز الاقتصادي الكبيرة على جميع الأصعدة لا تبدو الإشارات التي يتلقاها السوق من المستثمرين تنبئ عن عودة الثقة ولو بجزء بسيط إلى الآن والجميع ينتظر القاع وكأنه نقطة سحرية ستعطي وميضاً هائلاً يشير إليها، فالقاع هو منطقة وليس نقطة ويقصد بذلك أن الأسواق والأسعار بالتالي تنحصر ضمن نطاق أفقي يتخلله تذبذبات محدودة لفترة زمنية طويلة تمتد لأشهر مع انحسار في أحجام وقيم التعامل وقد تصل المدة لأكثر من ستة أشهر وينظر إلى ذلك من خلال متوسط المنطقة التي يقبع عندها السوق فمثلاً السوق السعودي أنهى أكثر من أربعة أشهر محصوراً بين منطقتي 4000 و5000 نقطة وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القاع لا يعرف إلا بعد مرور زمن على عكس الاتجاه الذي يكون في بدايته بطيئاً نحو الأعلى ولكن مثلما تكبح المخاوف المستثمرين من التعامل مع السوق وقراءته بشكل جيد في مثل هذه الظروف فإن القيعان ترسمها وتقررها أساليب فن التعامل مع الأسواق بمعنى أن جوهر الحكم عليها يكون من الأفراد أنفسهم وتعتمد على خبرتهم وقراءتهم المتأنية للتطورات الاقتصادية ومن ثم انتقائيتهم لاستثماراتهم واتخاذ القرار المناسب بالتوجه نحو السوق من عدمه معتمدين على النظرة المتوسطة والبعيدة فقط دون النظر إلى الفترة القصيرة المليئة بالتقلبات والتي لا تعكس الاتجاه وأكبر دليل عندما كان السوق يرتفع بشكل جنوني في نهايات العام 2005 فهو لم يكن ليعكس المرحلة المتوسطة القادمة التي كانت تنظر إلى تضخم الأسعار والحاجة إلى تصحيحها، وبالتالي كان التفاؤل كبيراً وفن التعامل مع السوق بتلك المرحلة قائماً على الطمع دون النظر إلى أساسيات واعتبارات عديدة كالاستمرار برفع أسعار الفائدة واضمحلال العائد على السعر السوقي قياساً بها ومكررات السوق المرتفعة وغيرها الكثير من المعطيات، وفي الوقت الحالي يسيطر الخوف على المتعاملين في مرحلة الفائدة فيها دون 1 بالمئة والعائد على السعر السوقي يفوق 6 بالمئة على كثيرٍ من الشركات ومكررات الأرباح تترنح دون مستوى 10 مرات ويغفل الجميع عن القرارات الرسمية التي تصدر لدعم الاقتصاد وتحفيزه نحو نمو يتغلب على التأثيرات الخارجية التي انعكست سلباً على إيرادات النفط ودور الصناعات التي يتم تصديرها بنسب النمو العام، ومن هنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الأسواق لا تكشف لك عن مكامن الفرص فيها أو المخاطر إذا لم تكن صاحب منطق يحكم العقل وليس العاطفة بالتعامل معها ويجب تلقي الإشارات بشكل صحيح من المسؤولين سواء من الرسميين أو من الشركات المساهمة حتى تتجنب المخاطر وتقتنص الفرص بالوقت ذاته، فالخوف لن يمنحك الأمان في أوقات تستوجب الجسارة والحال نفسه عند مراحل الطمع الكبير التي أدت إلى الخسارة لأنها كانت تستوجب الحذر.

الأزمة التي يعيشها العالم اليوم كبيرة والعام الحالي يسمى بالصعب ولكن الأسواق تتعامل بمنطق استباقي لكل الأحداث فهي انهارت قبل ما نسمعه اليوم وانتعشت بالسابق قبل كل الإيجابيات التي استهلكت بمرحلة سابقة والمرحلة الحالية تتطلب القرب من الأسواق ومراقبتها للاستفادة منها خلال استثمارات تمتد إلى سنوات دون النظر إلى التقلبات الحالية، فتغليب منطق العقل بالتعامل مع الأسواق هو الذي يحدد لنا القاع فلا يمكن لأحد أن يحدده إلا من خلال المعطيات الأساسية التي تتحكم بقرارك أو تؤثر فيه، فالتروي هذه الأيام وانتظار النتائج الفصلية للربع الأول يعطيك جزءاً من الرؤية وعندما تنتظر للحكم على أداء الشركات للربع الثاني ستتضح لك الصورة بشكل أكبر وفي كل مرحلة تتخذ قراراً مناسباً للتطورات، ومن الحكمة أن يكون تعاملك مع السوق بشكل متدرج وطويل لأن الاستثمار هو استهلاك مؤجل بنهاية المطاف والقرار فيه يبقى بيدك أنت فالخير منه لك والضرر عليك وتبقى النتائج مرهونة بحسن إدارتك لمحفظتك لأنها مشروعك التجاري.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد