Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/03/2009 G Issue 13323
السبت 24 ربيع الأول 1430   العدد  13323
لما هو آتٍ
كـ(بيضاء كالحليب..!)
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

كلما تأكدت بأنّ النداء غذامي تيقّنت أنّ مفرحاً سيكون..

فقد تكرّم أستاذنا الناقد الكبير الدكتور عبد الله فمنح نصوصي شرف المثول على منصّة درسه، مادة نقدية ضمن مقررات تدريسه في الجامعة..

وعادة ما يؤكد لي بأنّ طلابه الجامعيين يتفاعلون كثيراً وهم يطبقون دراساتهم الأسلوبية على نماذج منها, إذ أشار لي في مهاتفة حول ذلك، أنهم لم يقفوا فقط جذور ولا جذوع ولا فروع ولا وريقات ولا ثمار شجرة النص، بل اقتفوا المضمون بقيمه ومراميه وأبعاده الدلالية، وبارك لي نصاً منها ثريا بقيم يحسب كما أحسب أنّ الإنسان يحتاج لأن تؤسس فيه, فذهب النص به نحو غاياته التعليمية جوار غاياته التدريسية لحظة تنفيذه عملية تعليمه طلابَه.., ذلك النص كان (بيضاء كالحليب) الذي نشر هنا في 28- 12-2008 الموافق 30-12-1429 وأجمل الثمار التي قاسمت النص ونقاده من المتذوّقين بين يدي أستاذنا القدير كانت الدعاء لمن دار المقال حول ما منحته للأيام من الدلالات, وما كوّنته من مفاهيم البياض والنقاء, وما بذرته من دوافع التفكير، في حصاد لا يغلق باب صناعته.., هي جدتي لأمي وكأس حليبها الصباحي عند مفرق أول يوم في السنة الجديدة كل عام..

وقد كانت هذه الجدة عجينة حكمة، عامرة بقدرات التأهيل بقيم الدافعية التي كانت محور درس الناقد الكبير من خلال الأسلوب ولغة المفردة.., استعدت الطفولة، فوجدتها هي ذاتها جدتي لأمي في كثير من المشاهد الحياتية تعود تنتصب أمامي، استعدتها، كلما وخز سن أو ضرس في فم، وشاهدت المتألم منه، أو كنتُ، تذكّرت كيف كانت حريصة على تدريب الصغار على السواك، وما كان يغضبها أمر بقدر ما كانت تغضب حين ينهي أحدنا وجبته دون أن يأتي إليها بفرشاته وقد اعتمرت معجونها، ومن بعدُ كيف غدت أسنانه نظيفة، ودوماً كانت تعد للمداوم منا على ذلك هدية، وكانت لنا إما كوباً من الشاي جوار منصتها حيث تعده وتقدمه للكبار, ونادراً ما تتجاوز فتقدم قليلاً منه للصغار بعد أن تخففه بالماء، مدعية أنه يضر الصغير، لكن عندما يكون مكافأة استجابة لتوجيهاتها، وحرصاً منها على سلامة الأسنان بنظافتها كما تقول, فلا بأس من فنجال صغير من الشاي، أو قبلة عميقة منها على خدودنا.. بينما تجلسنا حولها لنستمع لتفاصيل أسرار النظافة وتحديداً الأسنان, كانت تقول: (إنّ الأسنان كمحكات الحياة، وكعربات الحفر في الصخر)، ولم نكن ندرك دلالاتها حتى كبرنا، واعتركتنا الحياة، آمنا بعدها، بالمقارنة بعد أن عرفنا وجه الشبه، (فسلامة الأسنان - كما كانت تقول: ضمان لغذاء مهضوم يخلو من الجراثيم يمتصه الجسم فتبقى له صحته، ويتمكن صاحبه من ممارسة حياته وعمله في سلامة وقوة، كما إنها تكون قادرة بصلابتها على ضرس القاسي والصعب وتفتيته)..,

ومواقف الحياة ما الذي يفتت صخورها، ويقيل عن دروبها الجلاميد, ويمهد لسلامة البلوغ غايات السلامة والنجاة؟ أليست الحياة تضرس معترِكَها صعابُها، كما تضرِّس الأسنانَ نظائرُها؟..

كل صرخة ألم حين تمرض الأسنان كما صرخة ألم حين محك موقف في الحياة، وكل عافية تعتمرها صحة ونجاة، بمثل ما كل عافية في قوى الإنسان المختلفة هي قدرة فيه على مواجهته صعوبات الحياة، فمن يسلم ينجو، ومن يأمن لا يستجدي، ومن يبدأ صحيحاً ينتهي مستقيماً، ومن يدرك المؤونة لا يجوع ولا يعطش، ومن يملك الحكمة لا يقع فريسة أبداً.. تلك كانت دروس جدتي لأمي.. كلما حصدَت نتائج توجيهها كافأت بها..

فمن يقارن للناشئة الآن.. من يقول للصغار: لتكن أسنانكم بيضاء كالحليب، لتكن دروبكم خالية من الألم ما استطعتم سلامة ونجاة..؟ وقد فرطوا في سلامة أسنانهم بينما الحياة لم تغير سننها ونواميسها..؟

رحمك الله يا فاطمة ما كنت ماعون حكمة ممتدة..

واستجاب لدعاء طلاب ناقدنا القدير، ولدعائه فمتعك في الفردوس الأعلى آمين.. وتقديري الكبير لناقدنا القدير ومن ثم لمبادراته الشذية الجميلة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد