Al Jazirah NewsPaper Friday  27/03/2009 G Issue 13329
الجمعة 30 ربيع الأول 1430   العدد  13329

نوازع
الاستغلال بين الجنسين
محمد بن عبد الرحمن البشر

 

أسهب الكتاب وأطالوا، وتحدث الناس ومازالوا وقالوا ما قالوا، في استغلال الرجال للنساء، وسعيهم الحثيث للاستمتاع بجمالهن، ومحاسن أجسادهن، وعذوبة أصواتهن، ومن العدل والإنصاف الإقرار أن هناك بعضاً من جوانب الاستغلال المشين الذي استأثر به الرجل حيال المرأة، ولم يكن ذلك عند رجال عصر بعينه، فقد حمل لنا التاريخ الكثير من جوانب الاستغلال، كما أن واقع هذا العصر ليس بريئاً من هفوات عصور سبقته، غير أن ذلك الاستغلال يزيد وينقص طبقاً لظروف كل عصر، وسيادة القوانين الإنسانية، والمسالك الأخلاقية، والقوة الإيمانية.

وشواذ الرجال كثير، وعناصر التربية تتباين، وقلما تجد بلداً دون حادثة استغلال أو ابتزاز مهما كان مستوى البلد العلمي والثقافي.

هذا الاستغلال من جانب الرجال للنساء واقع وحقيقة، وهو موضوع المقال هذا الأسبوع، فهناك من الفتيات الصغيرات من يقبلن بالزواج من رجال جاوزوا السبعين، وما أحسبهن مدفوعات بالسعي لحياة زوجية بين محبين، فالبون شاسع في العمر والفكر، غير أن زواجاً كهذا في الغالب لا يعدو كونه استغلالاً لذلك السبعيني للاستفادة من ماله أو جاهه أو هما معاً.

ومن استغلال النساء للرجال سيطرة المرأة على قلب الرجل، وهيمنتها على قراراته الشخصية، وأذكر فيما قرأت وكتبت أن عبدالرحمن الأوسط الأموي الأندلسي كانت له حياته الخاصة المليئة بالبذخ والسرف والموسيقى، وقد كان شغوفاً بجارية اسمها (طروب) وقد أغضبها ذات يوم فهجرته وصدت عنه وأبت أن تأتيه ولزمت مقصورتها، فاشتد قلقه لهجرها وضاق ذرعه من شوقها وجهد أن يترضاها بكل وجه فأعياه ذلك، فأرسل من أحد أعوانه من يكرهها على الوصول إليه، فأغلقت باب مقصورتها في وجوههم وآلت ألا تخرج إليهم طائعة ولو انتهى بها الأمر إلى القتل، فانصرفوا إليه وأعلموه بقولها واستأذنوه في كسر الباب عليها، فنهاهم وأمرهم بسد الباب عليها من خارجه بأكياس الدنانير ففعلوا وبنوا على الباب بتلك الأكياس، ثم جاء الخليفة عبدالرحمن الأوسط إلى باب مقصورتها وقد سد بالأكياس وكلمها مترضيا راغباً في المراجعة متوسلاً على أن لها ما عند الباب من دنانير فأجابت وفتحت الباب فنهالت الأكياس من مقصورتها ثم أخذت تقبل قدمه ويده وحازت من بيت المال ما حازت مستغلة حب الخليفة الأموي لها وقد كانت تتمالأ مع أحد العاملين بالقصر واسمه نصر لتستغل حب ذلك الخليفة لها حتى أنها استطاعت إقناعه بتولية ابنها عبدالله لولاية العهد دون أخيه، غير أن أحد الوزراء المشاهير وهو عيسى بن شهيد قد أقنعه بتولية ابنه محمد فكان ما كان وهو القائل..

إذا ما بدت لي شمس

طالعة ذكرتني طروبا

أنا ابن الميامين من غالب

أشب حروباً وأطفى حروبا

أليس ذلك استغلالاً واضحاً لقلب ذلك المتيم؟ وهو استغلال امرأة لرجل، وغيره كثير.

وعبدالرحمن الناصر الأموي قصته مشهورة مع جاريته (مرجانة) التي استطاعت إبعاد ابنة عمه فاطمة القرشية بحيلة احتالتها في قصة طويلة، فملكت قلب ذلك الخليفة، حتى إن كرائمه وحظاياه لا يصلن إلى مطالبهن ورغائبهن من الخليفة إلا بشفاعة (مرجانة) لهنّ إليه وتوسلهنّ بها لديه لغلبتها على قلبه.

وقصة صبح البافارية زوجة المستنصر الأموي الأندلسي مع محمد بن أبي عامر الذيب خلف الحجابة والحكم الفعلي لابنه عبدالملك المظفر ثم عبدالرحمن، وقد عملت هذه البافارية على نيل قسط كبير من المال والجاه، وقد قال الشعراء في صبح وابنه الخليفة هشام وقاضي ذلك الزمان ما قالوا. لن أورد قصصاً أخرى فالتاريخ مليء بمثل ذلك، وعاصرنا في مجتمعنا الصغير يبين حقيقة ذلك الاستغلال من النساء للرجال، فهناك رجال قد كانوا في رغد من العيش مع زوجاتهن، ولا تلبث تلك الأسرة السعيدة أن يحيق بها مكر فتاة أخرى تدخل إلى قلب ذلك الرجل فتستغله وتصرفه عن زوجته وأولاده، ويستسلم لزوجته الجديدة تاركاً زوجته الأولى التي وضعت معه لبنات بيت سعيد وربما أنجبت العديد من البنات والبنين، أليس دخول تلك الوافدة الجديدة إلى قلب ذلك الرجل واستحواذها عليه دون خطأ من زوجته السابقة استغلالاً من المرأة للرجل؟

هناك قصص كثيرة لصديقات قامت إحداهن بالسطو على قلب زوج صديقتها وصرفه عنها مستغلة رقة قلبه، وضعف شخصيته فتغيرت الحال، وانقلب الأمر، وقد أخدت السيدة من مأمنها.

حمانا الله من استغلال النساء، وحماهن من استغلال الرجال.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد