Al Jazirah NewsPaper Friday  27/03/2009 G Issue 13329
الجمعة 30 ربيع الأول 1430   العدد  13329
أمننا الوطني في ظل طموحات إيران وادعاءاتها (2)
العقيد د. محمد زيد القحطاني

 

استمراراً لما سبق أن ذكرناه عن أثر العامل الاقتصادي على الأمن الوطني، فإن مشكلة الديون الخارجية تعتبر من أهم المؤشرات لمدى إمكانية تعرض الأمن الوطني لدولة ما للتهديدات الخارجية. وفي حقيقة الأمر أن المسألة معقدة للغاية في ظل النظام المالي الدولي بشكله الحالي والذي يفتقد للضمانات الحقيقية لاستيفاء الديون المتعثرة بين الدول.

كما وأنه تنقصه الصرامة الكافية لإيجاد التسويات المناسبة لمسائل من قبيل سداد الديون بين الدول أو بين الدول والمنظمات المالية الدولية، وبشكل يضمن عدم وقوع نزاعات دولية

ربما تصل إلى مستوى العدوان المسلح. إن من الواجب على المؤسسات المالية والمنظمات الدولية أن تضع للدائن وللمدين على حد سواء، الخطط والآليات التي تتضمن الوقت والوسائل الكفيلة بتسويات اقتصادية تحول دون خلق هزات وصدامات سياسية أو عسكرية أو اجتماعية. وفي نفس الوقت تضمن على مديات طويلة الظروف الملائمة لنمو اقتصادي متنام ومستمر وبالذات للجانب الأفقر. ربما بمثل هذا الإجراء فإنه بالإمكان أن يتم تفادي التهديد الذي تمثله الديون على الأمن الوطني في البلدان الأقل نمواً.

إن الأثر الواقع للعوامل الاقتصادية على الأمن الوطني، ليزداد سوءاً في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تأخذ بعداً دولياً أو إقليمياً كالتي نمر بها هذه الأيام. أن مثل هذه الأزمات الدولية خاصة، والعوامل الاقتصادية بشكل عام، وعبر التاريخ، قادت إلى الانزلاق في حروب طاحنة وسببت كوارث وبيلة على البشرية. بل إننا وبالرجوع إلى التاريخ لنستنطق أحداثه، سوف نرى أن الحربين العالميتين قد سبق كل منهما، بعدة سنوات فقط، أزمة اقتصادية طاحنة وركود اقتصادي، وبحيث كان ذلك في نظري سبباً جوهرياً من أسباب هاتين الحربين. ونعلم جميعاً أن هذه الحروب نتج عنها زوال دول وظهور دول أخرى على أنقاضها. وقياساً عليه فربما كانت الأزمة الاقتصادية الراهنة، وهي الأسوأ باعتراف الكثيرين، سبباً في حرب عالمية ثالثة بعد مرور عدة سنوات.



بإدراك أثر الأمن الوطني وبالذات على السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لأي دولة، فإنه يجب الاعتراف بأن الموقع الجغرافي للدولة وحجمه يعتبر أيضاً أمراً في غاية الأهمية بالنسبة لأمنها الوطني. فالدولة التي تقع ضمن إقليم يتصف بالحساسية السياسية والاقتصادية وعدم الاستقرار، ستواجه صعوبة أكثر مما يواجهه غيرها في سبيل المحافظة على أمنها الوطني. وكذلك الحال بالنسبة للدولة عندما تقع بجوار دولة كبيرة، تحوي حسب ما يراه البعض على أكثر من ثلاثين مليون نسمة، فإنها ستكون أكثر عرضة للتدخل من قبل تلك الجارة في شؤونها الداخلية، مما يعتبر صورة من صور التهديد لأمنها الوطني. وعلى أي حال فإن الدول الصغيرة تعتبر أكثر احتياجاً لاستخدام المنظمات الدولية كميادين لتنفيذ وحماية مصالحها، بل ربما وقع عليها عبء الدخول في تحالفات أو الدوران في فلك دول محورية أخرى إقليمية كانت أو دولية. حيث سيكون هناك دوماً من يرحب بلعب هذا الدور، وخصوصاً من بين الدول الكبرى التي عادة ما تنشغل بمناطق متعددة وكذلك بمسائل وقضايا سياسية دولية كثيرة، لما تراه من حق مكتسب لها، لاعتقادها بأنها معنية أكثر من غيرها بعدد كبير من المهام والوظائف تجاه المجتمع الدولي وخارج حدودها.

في الحقيقة إن موقع الدولة وأثره على أمنها الوطني هو أمر في غاية الأهمية، حيث يصبح الأمر أكثر حرجاً عندما يكون للدولة الصغيرة مشاكل حدودية مع جارتها الكبرى أو مع وجود تداخلات عرقية أو ثقافية أو دينية بينهما. وفي الواقع أن هذه حقيقة تؤكدها العديد من الأمثلة كما نراه في الحال بين الكويت والعراق أو جورجيا وروسيا. إن نوعية النظام الحاكم أو القيادة السياسية في بلد مجاور، عندما يتبنى سياسات عدوانية تجاه دولة مجاورة، يمثل تهديداً مباشراً لأمنها الوطني. وعموماً فجميع الأنظمة التي تتبنى سياسات قومية متطرفة أو حادة ستتبنى بشكل تلقائي سلوكاً عدوانياً ميالاً للتصادم من خلال سياساتها الخارجية وبشكل أكثر مما تنتهجه الأنظمة الأخرى. ربما يكون النظام النازي الهتلري من أوضح الأمثلة على هذا السلوك العدواني القائم على القومية المغالية والعنصرية الطاغية والذي أدى إلى اجتياحه لجيرانه في أوروبا وإشعال الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها الملايين من البشر.

من المؤكد أن المجتمع الدولي في الوقت الراهن يرفض مبدأ استخدام القوة في تغيير الحدود المعترف بها بين الدول الأعضاء فيه. وهذا أمر ينطلق من أن سلامة حدود الدولة هي تكريس لسيادتها وأن المساس بها يمثل انتهاكاً واضحاً لهذه السيادة. إن ميثاق الأمم المتحدة يقوم على مبدأ سيادة الدول من خلال التأكيد على عدم التدخل في شؤون الغير ووحدة وسلامة الأراضي كقيم عليا. وعلى أي حال فإن المشاكل التي لها صلة بالحدود بين الدول قد تظهر في صور وأبعاد متعددة، ومن المؤكد أنها تؤثر بشكل كبير في الأمن الوطني للدول، حتى لو لم يصل الأمر إلى درجة التغيير لهذه الحدود بالقوة. فالهجرة بأشكالها المختلفة، أو النازحين عبر الحدود نتيجة لأي ظروف، أو طالبي اللجوء السياسي، وما يصحب كل هذه الأمور من تدخلات، حتى وإن كانت تحت غطاء إنساني من قبل دول أو منظمات، لابد أن يكون لها أثرها على الأمن الوطني وسياسة الدول.

إن الرأي العام لمواطني الدولة والتأثير عليه سلباً أو إيجاباً، حول الأمن الوطني أو القومي لبلدهم، يعتبر من العوامل المهمة التي لها إلى حد كبير أثرها المباشر على صناعة السياسة الداخلية والخارجية وتوجيهها. ومن المهم جداً أن ندرك بأن الرأي العام ممكن تهيئته أو التأثير عليه من خلال الإعلام الجيد والموجه والذي يتعرّف الشعب من خلاله على قضايا لها مساسها بالداخل أو بالسياسة الخارجية والأمن الوطني. وكذلك فللإعلام المضاد من أطراف خارجية دوره السلبي على تهديد الأمن الوطني في بلد ما، نتيجة لانعكاساته السلبية على الشعب أو على شريحة معينه منه واستجابتهم له. ولهذا فإن تصريحات من لدن طرف خارجي ذي وزن معين سيكون لها خطورتها عندما تحظى بقدر من التوجيه لخدمة أغراض مدروسة قد لا يكون من السهل التنبؤ بها في حينه.

إن الإعلام يأخذ جانباً مهماً ونشطاً في بلورة مثل هذه القضايا والرأي العام حواها ومن ثم المساهمة بحق في صناعة السياسات حيالها بشكل مواكب ومستمر. إن الإعلام يصل في تأثيره، بالإضافة إلى العامة، إلى مستوى المؤسسات الحكومية الرسمية، وكذلك آراء القيادات والنخب خارج الحكومة، وذلك من خلال ملامسة وإثارة قضايا معينة. وهو أيضاً يساعد في خلق الأجواء التي تشكل محيطاً مناسباً يتم من خلاله تحسس ما يمكن أن تتبناه مؤسسات صنع القرار في قضايا الداخل والخارج من أفكار ومقترحات، وذلك عن طريق طرح وإثارة أفكار وافتراضات وتصورات جديرة بأن تؤخذ بالاعتبار. وكذلك فإن الإعلام يعمل على تكوين آلية جيدة لنقد وتقييم عواقب القرارات السياسية ويهيئ أيضاً القاعدة الضرورية لعملية تنقيح أي آراء قد تم اتخاذها.



mzmzbraidan@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد