Al Jazirah NewsPaper Friday  27/03/2009 G Issue 13329
الجمعة 30 ربيع الأول 1430   العدد  13329
ماذا بعد الابتزاز؟ (3-3)
المجتمع وحاجة ملحة إلى جهود وبرامج لمعالجة الضحايا

 

تطرقنا في الجزء الأول من طرحنا مشكلة (ماذا بعد الابتزاز؟) إلى جوانب عدة، حيث بيَّنا خطورة الابتزاز وأنواعه والإجراءات المتبعة لمحاربة أساليبه، كما استعرضنا العوامل المسببة لهذه المشكلة ورفعنا النداء بالتحرك السريع من قبل جميع قطاعات المجتمع للوقوف أمام هذه المشكلة بالملامح الظاهرة منها والجذور المخفية منها.

كما نقلنا صوت أهل الاختصاص بضرورة وجود جهة يمكن للفتاة أن تتصل بها بسرية تامة وذات صلاحية وقدرة على التعامل مع مثل هذه الحالات، مع التوعية بدورها في المجتمع.

وفي الجزء الثاني من تحقيقنا ناقشنا هاجس اندماج الضحية في المجتمع بعد ذلك ناقشنا مفهوم الستر في الشريعة الإسلامية حيال هذه الحالات وتطرقنا بشكل مباشر لمنهجية الإسلام في التعامل مع الأخطاء.

وفي هذا الجزء الثالث والأخير نناقش ما خلنا أنه يشبع نهمة القارئ الكريم بهذا الجانب فإلى هناك.

مطاردة الماضي

وفي هذا السياق يخبرنا الواقع المعاش أن هذا الماضي السيئ على الرغم من تعامل الإسلام مع الخطأ وفضيلة الستر كما طرحنا آنفاً الا أن الواقع يبرهن أن هذا الماضي ما يلبث يبرز من جديد في مطاردة ممن في نفسه هوى أو الفضوليين الذين يروجون للقيل والقال، بغض النظر عن الأمر الشرعي وبغض النظر عما يترتب على أقوالهم، مولين الشرع المطهر أظهرهم.. حول هذا الجانب قال الدكتور إبراهيم ناصر الحمود: تتعرض بعض الفتيات لابتزاز بعض الشباب أصحاب النوايا السيئة ونتيجة للغريزة المتأججة لدى الجنسين قد تستجيب الفتاة لهذا الابتزاز وتقع ضحية للسلوك الخاطئ ويؤثر هذا السلوك في نفسيتها، وتبقى هذه العثرة وتلك الزلة وصمة عار في حياتها ومع الأسف الشديد أن هناك من يستغل نقطة الضعف لدى هذه الفتاة ويتخذها وسيلة ضغط وابتزاز من أجل الحصول على سلوكيات خاطئة، وهذا غاية في فساد الخلق الناتج عن ضعف الإيمان وغلبة الشيطان والإسلام يرفض هذا السلوك ويمقت صاحبه فكيف يرضى مسلم بإلحاق العار بالفتيات العفيفات بعد أن من الله عليهن بالتوبة والإنابة فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته حتى يفضحه على رؤوس الخلائق.

ودعا الدكتور الحمود الشباب المسلم إلى تقوى الله في أخواته المسلمات ولو سئل هذا الشاب هل يرضى هذا الخلق وهذا الطريق المظلم لأختهلقال لا فكيف يرضاه الناس لأخواتهم وبناتهم؟.

وأكد أن على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وألا يكون معول هدم في هذا المجتمع، وقد أمر المسلم بالستر على أخيه إذا رآه في مصيبته فمن ستر على مسلم ستر الله عليه يوم القيامة ولا يزال الابتلاء بالمسلم فيصبر حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، وكثيرا ما تسمع في العصر الحاضر حوادث ابتزاز الفتيات عبر الشبكة وما يترتب على ذلك من مفاسد من أصحاب النفوس الضعيفة، ومن ضبط متلبساً بهذا الخلق الذميم فإنه يستحق العقاب الرادع الذي يحفظ على المجتمع أخلاقه وكرامته، وإذا كان الإسلام قد فرض عقوبة الجلد ثمانين جلدة ورد الشهادة في حق القاذف بلسانه فإن من يسلك مسلك الابتزاز والإثارة والتغرير أشد عقوبة رادعة دون هوادة، فإن هذا الخلق الذميم إذا لم يعالج في حينه قد يستشري ويعظم خطره، موصياً رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرط أن يضربوا بيد من حديد في تتبع هذه السلوكيات الخاطئة وتسليمها ليد العدالة لتنال جزاءها بحكم الله ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون.

دور الهيئة في العلاج

وعن دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيَّن الشيخ أحمد بن علي الشهري رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الخبر (سابقاً) المبتعث حالياً للدراسات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أن الهيئة تسعى حثيثةً بمعية الجهات الأمنية الأخرى، خلف كل من يقف وراء تلك المحاولات التي من شأنها هدم كيان الأسرة وزعزعة استقرارها، وتقديمه إلى محاكمة عادلة.

وقال: فإذا تحدثنا هنا عن دور الهيئة في جانب العلاج ومحاولة التقويم عند الوقوف على مثل هذا النوع من الجرائم فإن الهيئة تنظر بعين متفحصة إلى جسامة الجريمة وأطرافها ومدى حساسيتها والباعث إليها، كما تأخذ بعين الاعتبار توافر أركان الجريمة الثلاثة، الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي، مع وجود طرف الدعوى الأول (المدعي) على أي حال حضورياً.

وأضاف ومن التسهيلات التي تقدمها الهيئة في جانب الوقوف مع من أصابها الضرر حتى يؤخذ الحق لها، فلا تتشدد الهيئة في ضرورة حضور المدعي المتضرر - وهذا في حق المرأة فقط - مع عدم الإخلال بالضمانات اللازم توافرها من قبل المدعي التي تأخذ بها الهيئة عند تحريك الدعوى حفاظاً على حقوق المتهم، حتى تثبت إدانته كما أن الهيئة لا تغفل عن أصل البراءة في الإنسان، وتلتزم بالحفاظ على السرية التامة التي تحمي جانب المدعي في محاولة جادة منها إلى إعادة وضع استقرار تلك الأسرة التي مورس عليها ذلك النوع من التهديد، فأول عمل تقوم به عند تلقيها الدعوى جمع الاستدلالات من معلومات وأدلة وأوصاف ومن ثم دراسة إحالة بشكل مستفيض آخذة بعين الاعتبار جميع الفرضيات والاحتمالات التي قد تكتنف مثل هذا النوع من الجرائم، وفي حال تجاوب المتهم مع الهيئة وتعاون في الحضور في تسليم ما لديه من حاجيات تخص المدعي كان تستخدم في ممارسة الضغط على المدعي، ولم يكن هناك جريمة كاملة، وكانت هناك رغبة لدى المدعي بالتنازل عن حقه الشخصي والعفو عن غريمه بعد أن حصل على حاجاته الخاصة، وبعد أن قدم المتهم الضمانات الكافية التي تقتنع بها الهيئة ويقتنع بها المدعي، وبعد أن تظهر على المتهم علامات الندم، والاعتراف بالذنب، والعزم على استصلاح حاله، ففي هذه الحالة قد تتوافر للهيئة قناعة بمعالجة الحالة داخل أروقتها تغليباً لجانب المصلحة وجانب الستر وهذا جانب مهم حرص عليه ولاة الأمر - حفظهم الله - وأما إذا كان هناك شروع في الابتزاز وكانت هناك جريمة كاملة على عكس الحالة السابقة وتحقق وقوع الضرر، فإن القضية تأخذها طريقها إلى المحاكمة وتوقيع الجزاء المناسب دون هوادة حسب تكييف الجريمة في شكلها النهائي وقد لمسنا في هذا الجهاز نوعاً من الشعور بالارتياح لدى أفراد المجتمع بعد أن أسهم الإعلام في طرح هذه المعالجات التي قامت بها الهيئة، وإبرازها بشكل إيجابي وموضوعي كما أن الأوساط المجتمعية تناقلت هذه الأخبار، واستفادت منها كثير من الحالات التي لجأت الى الهيئة وبتوفيق الله - عز وجل - نجحت في معالجتها، ومن نتائج تعاطي الإعلام معها أيضاً، حصول الردع بشقيه العام من خلال ما تطالع به الصحف المجتمع مثل هذه الأخبار ليأخذ منها العبرة والعظة والردع الخاص فيما يتعلق بجانب المتهم نفسه وتؤكد الهيئة لكل حالة على حدة أنها على أهبة الاستعداد للتواصل مع تلك الحالة فيما يسمى ببرنامج الرعاية اللاحقة.

وأردف الشيخ الشهري: ويعلم الجميع أن العقوبات في ذاتها لا يجب الركون إليها دون الوسائل الوقائية الأخرى كالتوعية والنصح والإرشاد وهو جانب مهم، فالوقاية خير من البحث عن العلاج فلابد من الاعتناء بتنمية الوازع الديني النابع من الرقاب الذاتية التي لها دور مهم في عملية الردع والحد من تلك الجرائم، فالمنهج الإسلامي بلا ريب المتكامل في جميع جوانبه يحقق أعلى درجات الوقاية والمنع من مثل هذه الجرائم، ويقع على كاهل الجهات التعليمية والتربوية والإعلامية والاجتماعية في البلاد عبء إصلاح الفرد بالتربية والتعليم والاهتمام بجانب العبادات والتزكية ودعم الضمير بما يجعله يقظاً شديد الرغبة في الخير وشديد الكراهية للشر، هذا في جانب الفرد، كما أن المجتمعات تصلح بالعناية بمصالحهم المشتركة كالتكافل ومحاربة الفقر والتشجيع على العمل ومحاربة البطالة وحماية الأسرة من التفكك والعناية بالمرأة وإعطائها حقوقها التي كفلها لها الله سبحانه وتعالى، كما ينبغي منع مسببات العداوة والبغضاء بين الناس وتطهير المجتمع من عوامل وأسباب الانحراف الفكري.

وبين الشهري ان جميع المصادر النقلية والعقلية قد دلت على تجريم الاعتداء على حقوق الآخرين، ففي نصوص كتاب الله وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على تحريم كل اعتداء على الناس في أنفسهم واموالهم وأعراضهم وسائر حقوقهم، ونهت عن كل إفساد في الأرض قل أو كثر، خفياً كان أو ظهر فقد قال سبحانه {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقال جل شأنه {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، ونهيه - عز وجل - عن الظلم {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال تعالى ناهياً عن التعرض لمال الغير {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}، ونهى سبحانه عن الفساد في الأرض عامة {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} فمن تأمل هذه الآيات وتدبر ألفاظ الظلم والفساد والاثم والفحشاء والمنكر والبغي فلا يبقى في ذهنه شك في تجريم جميع أنواع السلوك المنحرف ومنها هذا النوع من الجرائم الذي تحدثنا عنه (الابتزاز)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا ضرر ولاضرار) وقال في موضع آخر - صلى الله عليه وسلم -: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).

مسؤولية من؟!

ولكي نبعد عن تقاذف المسؤوليات يحسن بنا تحديد الجهة المسؤولة عن العلاج وعن ذلك أكد الأستاذ الدكتور صالح بن إبراهيم الصنيع عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أنها مسؤولية مشتركة لكل من:

1 - الجهات التشريعية والتعليمية في الدولة.

2 - الفتيات أنفسهن.

3 - أسر الفتيات.

4 - المؤسسات الإعلامية وشعورها بخطورة ما يقدم من خلالها على سلوكيات أفراد المجتمع.

5 - الرقابة على شبكة الإنترنت، والمؤسسات الإعلامية من قبل الجهات المسؤولة مثل وزارة الثقافة والإعلام.

وسائل العلاج

كما تطرق الدكتور الصنيع الى وسائل علاج الفتاة التي وقعت في عملية ابتزاز نوجزها في النقاط التالية:

- تقوية الجانب الديني لديها، وزيادة مستوى الإيمان بطرق الوعظ والنصيحة وضرب المثل، والعبرة من حال الآخرين.

- توعية أسرة الفتاة بأن ما وقع لابنتهم هو نتيجة لانشغالهم عنها، وضعف الرقابة المتزنة لسلوكياتها، وغياب التواصل العاطفي معها.

- ضرورة الإصغاء لمشكلات الفتيات داخل الأسرة وخارجها، خصوصاً من قبل الأم، التي ينبغي لها أن تكون محل ثقة ومستودع سر بناتها، وذلك نتيجة لقربها منهن وتخصيص أوقات مناسبة للجلوس معهن.

- الحرص على وجود رفقة من الفتيات الصالحات تلحق بهن الفتاة ويتم التواصل بينهن بشكل مستمر وبتشجيع من أسرة الفتاة.

- تذكير الفتاة بأن من صفات الإنسان النقص والوقوع في الخطأ، ولكن العبرة هي في الاستفادة من الأخطاء وعدم تكرارها، وخير الخطائين التوابون، وأن رحمة الله واسعة لمن تاب وعاد عن المعصية، والله يفرح بتوبة عبده وأمته أشد من فرح الهالك بوجود الطعام الذي ينقذه من الهلكة.

- تشجيع الفتاة على حسن استغلال وقتها بما يفيد عن طريق وضع جدول يومي توزع فيه الأوقات على مهام عبادية ودراسية واجتماعية وتثقيفية وتطوعية خيرية.

- توفير منافذ علمية نافعة للفتاة من قبل الأسرة مثل الكتب والأشرطة والمجلات وبرامج إذاعية وتلفازية.

- التوجيه والمتابعة فيما يخص استخدام شبكة الإنترنت، واستخدام بعض الأساليب المناسبة مثل الشبكة الخضراء التي توافر مداخل مناسبة ونظيفة للتعامل مع الإنترنت.

- سن إجراءات نظامية وعقوبات رادعة من قبل الجهات المسؤولة في الدولة لمن يستخدم الابتزاز ونشرها بين الناس ذكوراً وإناثاً.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد