Al Jazirah NewsPaper Thursday  02/04/2009 G Issue 13335
الخميس 06 ربيع الثاني 1430   العدد  13335
نبيع ونشتري أراضي المنح... !!!
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

هناك في صفحة الإعلانات في مختلف الصحف وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية وفي الشوارع والأزقة وعلى أبواب المحال التجارية وواجهات المباني ومداخلها عشرات بل مئات الإعلانات التي لا تثير العجب فحسب إنما تثير الاشمئزاز .

أحياناً كثيراً، ففضلاً عن اللغة الهزيلة الركيكة التي تعكس ضعف التعليم وضعف الرقابة في النشر وخصوصاً الإنترنت وتلك التي لا تخضع لمراجعة ورقابة، أقول فضلاً عن اللغة الرديئة المستخدمة فهي في مضمونها تثير كثيراً من علامات التعجب والتساؤل، فتجد أن أحدهم قد كتب الضاد ظاءً والقاف كافاً أو جيماً وكلمة لكن يتم كتابتها لاكن والنون بديلاً عن التاء المربوطة وكثير من الأخطاء اللغوية والإملائية. وبعض الإعلانات تثير الضحك والاستعجاب أيضاً، ذلك حينما تقرأ عن إعلان يروج لملابس يتم تذيله بعبارة (يوجد دليل استخدام)، وقد رأيت هذا الإعلان قبل فترة على إحدى لوحات الإعلانات في شارع من شوارع الرياض.

كثيرة هي الأخطاء في الصياغة وفي اللغة وفي الطباعة مما يعكس -كما ذكرت- ضعفاً في المحصول اللغوي وفي القدرة على انتقاء الكلمات والعبارات الدالة، كما وضعفاً في القدرة التسويقية فضلاً عن المصيبة الأكبر وهي ضعف الرقابة من الجهات المسؤولة عن النشر إذا كان الإعلان يخضع لها كما في الطرقات أو عبر الصحف، أما على صفحات الإنترنت فالأمر لا يخضع لا من قريب ولا من بعيد لأي نوع من الحساب.

الأدهى من ذلك مضمون بعض الإعلانات التي تشير لعدد من المشكلات، ومعروف أن الإعلانات تعد وسيلة يمكن من خلالها قياس ثقافة مجتمع بأكمله، فيمكن عزيزي القارئ أن تتعلم ثقافة سكان مدينة ما من خلال بضع دقائق تقضيها في قراءة إعلاناتهم، ويكفيك ذلك لمعرفة أنواع السلع التي يتم تداولها وتلك التي تحظى بإقبال أو غير مرغوبة وما يشغل السكان وما يرغبون، إلى آخر ما تعكسه تلك الإعلانات.

والأمر لدينا مختلف كما هو الحال في كثير من السلوكيات المجتمعية، فقد يُسَخر أحدهم هذه الوسيلة للترويج لقدرته في نظم الشعر لذا تجد إعلاناً عن بيع قصائد لجميع المناسبات، الحزن، الفرح، الولادة، النجاح، الزواج إلى جانب إمكانية نظم ما تريد من قصائد، وقد ذهب الأمر مؤخراً لأبعد من ذلك فتوالت الإعلانات عبر الصحف إلى الشوارع وأخيراً على هواتفنا المحمولة في صيغة رسالة، وآخر يروج لبيع بحوث دراسية جاهزة للتسليم ويمكن تعديلها بحسب الحاجة بل يمكن كتابة بحث أو دراسة للطالب بحسب تخصصه. تخيلوا طالب لديه قدرة مالية يستطيع ببساطة أن يقوم بشراء ما يريد من بحوث دراسية جاهزة دون أن يكبد نفسه عناء البحث والاستطلاع والدراسة، وهو الأمر الذي كُلِّف من أجله بدراسة وتحضير بحث. الأمر يطول والأمثلة كثيرة، لكن ما وددت طرحه هو ما لفت نظري منذ فترة من إعلانات تروج لبيع وشراء الأراضي التي يتم منحها بأوامر لمواطنين يفترض أنهم بحاجة لبناء مساكن عليها. فقد كنت في نزهة برفقة صديق، وقد هالني ما رأيت من إعلانات في أحد أحياء الرياض البعيدة والبعيدة جداً عن أقرب حي سكني، وقد كُتب على تلك الإعلانات (نبيع ونشتري المنح)، وصادف ذلك تصفحي لإحدى الصحف المحلية وقد وجدت كماً هائلاً من الإعلانات التي تحمل ذات المضمون بل إن بعضاً منها في الإنترنت كان يشير إلى إمكانية شراء الأوامر مباشرةً دون الانتظار حتى يتم الانتهاء من باقي الإجراءات.

الأراضي التي تقوم الدولة بمنحها للمواطنين يفترض - كما يبدو لي- أنها صالحة للبناء والاستخدام الفوري، أي أن تكون في مخططات مكتملة الخدمات حتى يتسنى للممنوح القيام فوراً ببنائها إذا علمنا أن الفترة التي يقضيها في انتظار تلك المنحة قد يصل إلى سنوات، كما أفترض أن من يطلب منحة أرض يكون بحاجتها لبناء مسكن له ولعائلته وهو غير القادر على شرائها بسبب عدم قدرته المالية وإلا لانتفى مضمون مفهوم المنحة. ولكن ما يحدث هو أن جُلَّ الأراضي الممنوحة يتم بيعها وتنصب عليها لوحات إعلانية بغرض البيع أو يتم عرضها لدى مكاتب العقار وسماسرة الأراضي. وقد يحدث أن يتم بيع وشراء الأرض الواحدة لأكثر من مرة في اليوم الواحد. وقد حدثني أحدهم أن الأرض ربما يتم تداولها أربع أو خمس مرات في اليوم الواحد بحيث يبيعها الممنوح لأحد أولئك السماسرة الذي يقوم وخلال دقائق بإعادة بيعها لشخص آخر بمكسب بسيط ثم يقوم المشتري ببيعها لشخص ثالث مع حفظ حقه في الكسب، وهكذا يستمر ارتفاع سعرها لحدود غير معقولة تضاهي تلك المطلة على التايمز أو بحيرة جنيف وهي التي لم تعرف طرقاتها التعبيد بعد، وتكبر حسرة المحتاج لها الذي لا يملك طريقة للحصول على مثيلتها كمنحة.

لابد أن يعاد النظر في الأمر برمته، لابد أن تقوم الدولة بوضع معايير معينة لمنح الأراضي، لابد أن تقوم الدولة بمنح من يستحق فقط لا كل من تقدم بطلب منحة، لابد إن أردنا أن يستفيد المستحق فقط من هذه الميزة أن يكون هناك عدد من المعايير التي تكفل مساعدة المحتاج وتحقيق الهدف من توجه الدولة لمنح المواطن قطعة أرض للبناء عليها، لابد أن يتم تقنين العملية ووضع ضوابط لذلك بحيث لا يستطيع كل من تم منحه أرضاً بيعها بالسهولة الحاصلة الآن، لابد أن يتم فرض مثلاً نصف قيمة الأرض كرسم بيع يدفعه البائع لخزينة الدولة التي ربما تقوم بدورها بصرفه على تأمين خدمات أساسية وتطويرية لمخططات تكون جاهزة ليتم منحها للمستحقين. إذا أردنا حقيقةً أن تصل الأرض الممنوحة لمستحقها فيجب أن يعاد النظر في مجمل الموضوع والعمل على إيجاد آليات ضابطة حتى يستفيد من هم بحاجة من أرامل ومتقاعدين، حتى يتم تحقيق حد أدنى من الرفاهية المنشودة، وحتى لا يتكرر مشهد صندوق التنمية العقاري الذي لا يفرق بين فقير وغني وهو الذي تم إنشاؤه لمساعدة الفقراء وغير القادرين على بناء مساكنهم وانتهى به الأمر إلى حق من حقوق المواطن بغض النظر عن كونه محتاجاً أو غير محتاج حتى أن كثيراً ممن حباهم الله ثروات طائلة أصبحوا من كبار المستفيدين منه.



dr.aobaid@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد