Al Jazirah NewsPaper Thursday  02/04/2009 G Issue 13335
الخميس 06 ربيع الثاني 1430   العدد  13335
أمننا الوطني في ظل طموحات إيران وادعاءاتها (3)
العقيد د. محمد زيد القحطاني

 

إن دور الإعلام في إثارة الأزمات أو التصدي لها، أو تأزيم المواقف أو تلطيفها أمر لا يُنكر، وجميعنا يدرك خطورته وأثره. وكلنا استمعنا مؤخراً لتصريحات إيرانية تزعم بوجود حقوق لهم في مملكة البحرين بل وتطالب بعودتها كجزء من إيران.

وللعلم فهذه المزاعم من قبل إيران ليست بالحديثة أو الغريبة. فلو عدنا قليلاً إلى التاريخ لوجدنا أن مطالبها هذه قد ارتبطت تقريباً بالبزوغ السياسي للمملكة العربية السعودية. فقبل وجود السعودية ككتلة سياسية موحدة في شكلها الراهن، كانت الضفة الغربية من الخليج تعاني من الفراغ السياسي في عمقها، مما أدى إلى خلل حقيقي في توفير الأمن لها في وجه أي مطامع فيها. لقد رأت إيران في نشوء السعودية نهاية طبيعية لمطامعها أو على أقل تقدير ستكون عقبة كأداء في سبيل تحقيقها.

إيران تؤمن بأن السعودية هي العمق الإستراتيجي لدول الخليج والقاعدة الصلبة لهم التي ستنطلق منها سياساتهم بل ومقاومتهم عند الحاجة. فعند إبرام اتفاقية جدة عام 1927م ثارت ثائرة إيران واحتجت على مضمون هذه الاتفاقية حين رأت فيه اعترافاً من ابن سعود والتزاماً بعدم الاعتداء أو التدخل في شؤون دول الخليج التي كانت تحت حماية بريطانيا ومن ضمنها البحرين، فكان هذا بمثابة الاعتراف بها ككيانات سياسية.

الحكومة الإيرانية أدركت في هذه المعاهدة اعترافاً بالبحرين كدولة مستقلة أو ستكون في طريقها نحو الاستقلال.

في نظر إيران، حوت المعاهدة ضمنياً إنكاراً للحقوق التي تدَّعيها في البحرين وستشكل نهاية لمطامعها فيها فأعلنت احتجاجها عليها لدى عصبة الأمم. وقد استمرت المحاولات الإيرانية لدى عصبة الأمم للفترة 1927 - 1934 بل وذهبت أبعد من ذلك وطالبت بالقبول بفرض سيادتها على البحرين. وقد كانت هذه المحاولات الإيراينة تجابَه بالرفض المستمر من المجتمع الدولي.

وكان موقف الملك عبدالعزيز واضحاً في دعمه للبحرين ضد الأطماع الإيرانية. وقد كان هذا الموقف من ضمن أهم الأسباب التي خلقت العديد من الأزمات بينه وبين حكومة إيران، حتى وصلت إلى الحد بعدم سماح الحكومة الإيرانية لحجاجها بحضور مواسم الحج لسنوات عديدة.

في 1948 - 1949م صعّدت إيران من حملتها والمطالبة بضم البحرين فكان الملك عبدالعزيز على رأس المتصدين لهذه المطالب واستخدم علاقاته لدى بريطاينا وأمريكا وانتهى الأمر بأن قوبل الطلب الإيراني بالرفض التام.

لقد كان الإصرار على هذه المطالب من قبل إيران على رأس المسائل الخلافية التي أعاقت التطور الحميد في العلاقات السعودية - الإيرانية لوقت طويل. فهذه المطالبات علاوة على أنها لم تنقطع وترددها إيران بين وقت وآخر، وحتى الأمس القريب، فهي تكاد أن تكون على رأس قائمة الإرث السياسي بين حكوماتها المختلفة. فقد كانت هي نفسها سياسة النظام الملكي في إيران ثم ورثتها الثورة الخمينية واستمرت عليها بل وزادت أن تبنت هم تصدير الثورة إلى خارج حدودها السياسية. بل إنها وفي نظري حتى في ظل النظام الجمهوري الإيراني الثوري لا تختلف حيالها أي حكومة إيرانية عن سابقتها مهما علت نبرة الحكمة في لهجة حكومة أو انخفضت لدى أخرى أثناء التداول للسلطة في طهران.

إن مما يزيد الأمر سوءاً، أن السياسات المذكورة آنفاً نجدها مدعومة بسياسة إيرانية ثابتة على أرض الواقع ومنذ عصر طويل. وقد تمثلت هذه السياسة في الإصرار على تصفية الوجود العربي في شرق الخليج والجزر الموجودة فيه. فكلنا يعلم أن هناك أراضي لدول خليجية محتلة من قبل إيران منها جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.

ولا أعتقد أن لدى إيران النية في الجلاء عنها في يوم من الأيام بإرادتها المحضة، خصوصاً ونحن نرى أطماعها في المطالبة بدولة قائمة. ولو عدنا إلى ذاكرة التاريخ وتعمقنا قليلاً فيها لوجدنا أن هناك إمارات عربية كانت قائمة في رأس الخليج العربي وضفته الشرقية وقد اختفت تماماً ككيانات سياسية رغم أنها كانت ملئ السمع والبصر إقليمياً. وعليَّ سلفاً وقبل أن استفيض أكثر في هذه الجزئية عن وجود هذه الإمارات العربية، أن أذكِّر القارئ الكريم أن للاستعمار وعلاقاته المشبوهة مع حكومات إيران السالفة دوراً مخزياً في مآل هذه الإمارات العربية ذات الصبغة السنية لأبنائها. فلقد كان لبريطاينا ولروسيا وقبلهما البرتغال دور مخز مع الدولة الصفوية ومن ثم العرش البهلوي على تصفية هذا الوجود لأغراض تخدم الطرفين على حساب العرب عموماً وتكريساً للفرقة المذهبية خصوصاً.

لقد كان الساحل الشرقي للخليج العربي، وامتداداً من المحمرة ومروراً ببوشهر إلى جزيرة جسم وهرمز في جنوبه، تقوم عليه إمارات عربية تمارس كل مقومات الثقافة العربية وليس لإيران عليها أي سلطة فعلية لقرون عديدة. وكان أغلب سكان هذه المنطقة يتكلمون اللغة العربية وعلى المذهب السني في غالبهم ويمارسون حياة قريبة الشبه بحياة إخوتهم في الجزيرة العربية والعراق. يقول الرحالة الألماني كارستين نيبور عن هذه السواحل (إن في هذه المنطقة الكبيرة مستوطنات عربية يستخدم فيها الناس اللغة العربية والتقاليد مثل سكان الجزيرة العربية تماماً، والعرب استوطنوا هذه المناطق الساحلية منذ قرون عديدة وهناك مؤشرات تدل على وجود هذه المستوطنات منذ أيام أول ملوك الإيرانيين كما يوجد تشابه كبير بين حياة السكان القدماء للمنطقة في ذلك الساحل وحياة العرب المعاصرين). ويذكر أن أحد إماراتهم تسيطر على المنطقة من بندر عباس إلى رأس بروستان ومن جبال ظهرستان إلى البحر. ومن بين إماراتهم وأشهر مدنهم بوشهر وبستك وخرج ولنجة وكنج وجارك ومخا وبندر نخيلوه ونابند وكنكون وميلو وبندريق وهرمز وهنديان وكوهنج والحويزة والمحمرة وعبدان.

لقد كان للعرب العديد من الإمارات في الضفة الشرقية من الخليج العربي وكذلك في شماله وإلى الشرق من شط العرب إلى وقت قريب. آخر هذه الإمارت سقوطاً بيد الإيرانيين هي إمارة بني كعب في الأهواز شمال الخليج والتي احتلتها إيران عام 1925م وكان من أشهر مدنها المحمرة وعبدان والأهواز وآخر حكامها كان الشيخ خزعل. وإذا ذهبنا أعمق في ذاكرة التاريخ سنجد أن هناك إمارة عربية ثانية قد حظيت بقدر كبير من الشهرة والقوة والنفوذ أيضاً. وكانت حاضرتها في مدينة بستك وتحكمها أسرة تعود في نسبها إلى بني العباس. وهي من الإمارات التي كانت في الداخل وعلى مسافة بعيدة من الشواطئ. وقد كان سلطان حكامها بين مد وجزر يصل إلى الشواطئ في أغلب الأحيان وشمل نفوذهم العديد من المدن كلنجة وجارك وشبيكوه وعوض ولارستان وجزر قيس وفرور وجسم وهرمز. كما أن مدينة بندر عباس كانت تحت نفوذ سلطان عمان حتى عام 1868. إن من الممكن بكل تجرد أن يوصف الخليج العربي بأنه كان بحيرة عربية خالصة بشواطئه الشرقية والغربية وجزره. وقد استمر هذا الوضع إلى أن أنهكت الهجمات البرتغالية ثم البريطانية قوى العرب البحرية ومراكز نفوذهم التي كانت سائدة فيه ودمرت أسباب حياتهم وتجارتهم. بل إن القوى الأجنبية، وتحديداً بريطانيا، قد مهدت بل وتواطأت مع الدولة الصفوية ومن بعدها البهلوية لتصفية الوجود العربي في شرق الخليج.

لقد كان للقواسم دولة مهابة وأسطول قوي وحواضر زاهرة على الساحل الشرقي للخليج مثلما كان لهم في غربه. ففي شرق الخليج كانت عاصمة دولتهم في مدينة لنجة والتي كانت تتمتع بالغنى والنفوذ، وكان لهم علاقاتهم بدول العالم آنذاك ويتواجد فيها القناصل من أغلب دول تلك الفترة. وقد استمر وجودهم فيها حتى عام 1889 حين تم تصفيته نهائياً بحملة عسكرية إيرانية تشكلت من قوات برية وبحرية ضخمة. وهناك أيضاً بنو حماد في مرباخ والمقام وكلات حيث استمر تواجد نفوذهم إلى منتصف القرن الماضي تقريباً. كما أن هناك قبيلة آل علي، التي لها علاقة قربى بأسرة آل معلى حكام أم القوين. وقد حكم آل علي ولفترة طويلة مناطق من شرق الخليج وكانت حاضرتهم في جارك وبندر شبيكوه وجزيرة قيس.

وأيضاً فقد كان هناك قبيلة المرازيق الذين هم من قبيلة العجمان في الجزيرة العربية واشتهروا بحلفهم مع القواسم هناك ومساندتهم لهم. وقد أسسوا لهم حاضرة في شرق الخليج وتحديداً في مفوه التي استمر نفوذهم فيها إلى سبعينات القرن الماضي. وهناك أيضاً العبادلة الذين حكموا منطقة العرمكي وحاضرتها بندر جيروه وكوشند واستمر نفوذهم فيها إلى منتصف القرن الميلادي الماضي تقريباً. ومن أشهر قبائل وأسر وأعيان هذه المناطق سنجد بنو مالك وبنو تميم والنصور وآل الحرم وآل بشر والأنصاري وزينل والعوضي والفودري والبنعلي والشطي والكندري وغيرهم الكثير. وغالبية هذه القبائل والأسر قد هجرت مواطنها الأصلية بعد سقوط إماراتهم وانتهاء نفوذهم فيها هرباً إلى الضفة الغربية من الخليج بمعتقداتهم أو عروبتهم.



*mzmzbraidan@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد