Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/04/2009 G Issue 13344
السبت 15 ربيع الثاني 1430   العدد  13344
ما تحمله اعترافات محمد العوفي
د. علي بن شايع النفيسة

 

اعترافات محمد العوفي الأخيرة تحمل في طياتها كثيرا من الحقائق التي كثيراً ما نبه إليها المختصون والمسؤولون في مجال الأمن والأمن الفكري ومن ذلك ما أشار إليه صاحب السمو الملكي وزير الداخلية في أحد تصريحاته بأن عمل هؤلاء الشباب عمل منظمات وليس عمل أفراد مما يعني أن هؤلاء الشباب أدوات لتنظيمات خارجية مشبوهة تنفذ استراتيجيات بعيدة المدى مستغلة سذاجة وعاطفة الشباب لتنفيذ مخططاتها وهي من خلال أساليب متعددة ومختلفة تستطيع التغرير بهم لإفهامهم أن ما يقومون به هو من الجهاد الواجب (فرض عين) على كل مسلم منطلقين من شبهة طالما كانت الدافع الأكبر للعمليات الإرهابية ألا وهي فلسفة التكفير للمجتمعات المسلمة واستباحة دمائهم المعصومة ودماء المستأمنين الذين يعيشون بين ظهرانيهم وهذه الفلسفة الخطيرة قد لا يدرك خطورتها إلا من قرأ ما بين السطور في تراجعات منظري الفئة الضالة خصوصاً ناصر الفهد الذي أكد أن فلسفة التكفير من قاعدة (ان من لا يكفر الكافر فهو كافر) قد أدت إلى تكفير المجتمع بأسره بما يسميه الفقهاء التكفير باللازم لأن تطبيق هذه القاعدة الشرعية على واقع الحال قد بني على باطل وما بني على باطل فهو باطل لأنه يكفر الحكومة ويطلب من الجميع أن يكفروها وإلا لزم أنه كافر لأنه لم يكفر الكافر على حد زعمه وهذا المنزلق الخطير أدى إلى تكفير العلماء لأنه ينسحب عليهم اللازم وبالتالي لم يعودوا مرجعاً في الفتيا فأصبح المنخرطون في هذا النفق المظلم مفتين لأنفسهم أو متلقفين لفتوى المجهولين من كتاب الانترنت وهنا يبدأ طريق الضلال أعني تلقي العلم والفتوى من غير أهلها فتلقفوا الفتاوى التحريضية العدوانية بشأن مفهوم الجهاد ناسفين أقوال الفقهاء فيما يتعلق بشروط الجهاد وضوابطه الشرعية التي من بديهياتها أن هذا الأمر موكل شرعاً للامام حيث ان هذا من سياسة سلطته ومن المهام المتعلقة بتقديراته حيث ان أمرا متعلقا بمصلحة الأمة ويحتاج إلى تقديرات للأمور لا يدركها الا الامام بما لديه من سلطات ومعلومات وصلاحيات لا تتأتى لغيره وقد جاء في بيان سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في بيانه الصادر في رمضان من عام 1428هـ:

(ومعلوم أن أمر الجهاد موكول إلى ولي الأمر، وعليه يقع واجب إعداد العدة وتجهيز الجيوش، وله الحق في تسيير الجيوش والنداء للجهاد وتحديد الجهة التي يقصدها والزمان الذي يصلح للقتال إلى غير ذلك من أمور الجهاد كلها موكولة لولي الأمر، بل إن علماء الأمة أهل الحديث والأثر قد أدخلوا ذلك في عقائدهم، وأكدوا عليه في كلامهم، يقول الحسن البصري - رحمه الله - في الأمراء (هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود، والله ما يستقيم الدين إلا بهم، وان جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن والله ان طاعتهم لغيظ وان فرقتهم لكفر) ويقول الطحاوي - رحمه الله - (والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلى يوم القيامة، لا يبطلها شيء ولا ينقضهما) ويقول ابن تيمية - رحمه الله - في العقيدة الواسطية (ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً).

وهذا الأمر مستقر عند أهل السنة والجماعة أن لا جهاد إلا بأمر الإمام وتحت رايته، والأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر وإن يأمر بغيره كان عليه منه) أخرجه الشيخان.

وغيره من الأحاديث في هذا الباب وعلى هذا جرى اجماع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من سائر المسلمين، وعليه فإن الذهاب بغير إذن ولي الأمر مخالفة للأصول الشرعية، وارتكاب لكبائر الذنوب والمحرض لهؤلاء أحد رجلين:

- إما جاهل بحقيقة الحال، فهذا يجب عليه تقوى الله عز وجل في نفسه وفي بلاده، وفي المسلمين، وفي هؤلاء الشباب، فلا يزج بهم في ميادين تختلط فيها الرايات وتلتبس فيها الأمور، فلا تتضح الراية الصحيحة من غيرها ويزعم أن ذلك جهاد.

- وإما رجل يعرف حقيقة الحال، ويقصد إلحاق الضرر بهذه البلاد وأهلها بصنيعه هذا، فهذا والعياذ بالله يخشى عليه أن يكون من المظاهرين لأعداء الدين على بلاد التوحيد وأهل التوحيد، وهذا خطر عظيم).

وأثني على كلام سماحة المفتي من واقع مقابلتي لهؤلاء الشباب وسؤالهم عمن أفتاهم أو أثر فيهم للخروج إلى المشاركة في القتال في مناطق الصراع الاقليمية أو الدولية فأجد انه أحد زملائهم ممن يفتقد أهلية الفتوى بل قد يتقول بعض الشباب على العلماء ويكذب عليهم بأن ينسب لهم القول بجواز الذهاب للمشاركة في القتال هنا أو هناك أو تأثر الشاب بطرح تحريضي عبر الانترنت عبر الكتابة بالأسماء المستعارة التي تتقن التحريض بليِّ أعناق النصوص وبتر أقوال العلماء للدلالة على مقصدهم التحريضي واسقاط قول العلماء المعتبرين الذين يملكون أهلية الاجتهاد في مثل هذه المسألة الاجتهادية التي هي في حكم (النازلة) التي تحتاج إلى اجتهاد ممن هم أهل للاجتهاد كأعضاء هيئة كبار العلماء الذين يفتون بحرمة الذهاب للمشاركة في القتال بدون اذن ولي الأمر لما يترتب على ذلك من مفاسد أشار سماحة المفتي إلى شيء منها بقوله: (وقد ترتب على عصيان هؤلاء الشباب لولاتهم ولعلمائهم وخروجهم لما يسمى بالجهاد في الخارج مفاسد عظيمة منها:

1- عصيان ولي أمرهم، والافتيات عليه، وهذا كبيرة من كبائر الذنوب يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني) ويقول صلى الله عليه وسلم (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره) والأدلة في تحريم معصية ولي الأمر كثيرة.

2- وجد من بعض الشباب الذين خرجوا لما يظنونه جهاداً، خلع بيعة صحيحة منعقدة لولي أمر هذه البلاد الطاهرة باجماع أهل الحل والعقد، وهذا محرم ومن كبائر الذنوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) أخرجه مسلم.

3- وقوعهم فريسة سهلة لكل من أراد الافساد في الأرض، واستغلال حماستهم حتى جعلوهم أفخاخاً متحركة يقتلون أنفسهم، لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية لجهات مشبوهة.

4- استغلالهم من قبل أطراف خارجية، لإحراج هذه البلاد الطاهرة وإلحاق الضرر والعنت بها، وتسليط الأعداء عليها، وتبرير مطامعهم فيها).

(والخلاصة ان الله جعل لنا هذه الفتاوى مخرجاً شرعياً تبرأ به ذممنا ويجب أن يسعنا ما وسع العلماء في هذا الشأن).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد