Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/04/2009 G Issue 13348
الاربعاء 19 ربيع الثاني 1430   العدد  13348
إعادة البحث في معنى التفرغ العلمي
د. فوزية عبد الله أبو خالد

 

ماذا تعني فترة التفرغ العلمي داخل مؤسسة التعليم الجامعي؟ وجدت نفسي وحيدة في مواجهة السؤال.

لم أجد في المراجع وكتابات من سبقونا في هذا المجال من حاول أنسنة هذا السؤال وطرحه بأبعاده المعرفية والإنسانية المتعددة بما يكشف عن تعدد احتمالاته وعن ما يعتمل فيه من مفاجآت وما يتحرك في أحشاء تلك الفترة التي قد تمتد من ستة أشهر إلى عام دراسي كامل من تطور وتغير شخصي وعام. ولعل السبب في ندرة ما كتب..

....عن معنى التفرغ العلمي وتجاربه الثرة للكثير من المشتغلين في المجال الأكاديمي يعود إلى الإخلاص الحرفي إن لم أقل الامتثال المفرط والطاعة المتشددة لمعناه الأكاديمي المعطى والذي يتلخص في معناه العلمي المحض الذي يعني إنجاز بحث أو أكثر حسب المتفق عليه مع قسم التخصص المعني ومع المؤسسة المرجعية. بل إن معظم الكتيبات الجامعية لفترة التفرغ لا تعطي بطبيعتها الوظيفية المقتضبة مساحة لأي تعريف خارج تلك المهمة البحثية المفترضة. ومع الإقرار بمركزية وأولية المهمة البحثية لفترة التفرغ العلمي، إلا أن قصر معنى التفرغ العلمي على وظيفة إنجاز تلك المهمة والفهم المكينيكي للمهمة البحثية أو خشية الملامة من المجاهرة بمباهجها الجانبية أو بالأحرى المصاحبة قد يكون فوت على البعض منا فعلياً فرصة التعرف على طاقات التعلم الحياتي والثقافي الكامنة والشاسعة معاً لفترة التفرغ العلمي بالإضافة بالطبع لطاقتها في مجال البحث المعرفي والعلمي، كما أنه من المؤكد قد فوّت علينا فرصة الوقوف على الكثير من التجارب الحية لتلك الفترة في مدها وجزرها وفي موارها وجدلها وتفاعلها المعاشي والوجداني والمعرفي خاصة إذا جرت فترة التفرغ العلمي في مناخ جامعي آخر لمجتمعات تختلف ثقافياً وحضارياً ونظاماً سياسياً واجتماعياً عن المجتمع الأم.

وهنا لا بد أن أستدرك للإقرار بجهد الآخرين والتذكير بأنه لا يجب أن يغيب عن بالنا أن هناك عددا غير قليل ممن كتب كتابة إنسانية وتساؤلية ووجدانية بل وبإبداعية مقطرة من روح الرحلات العلمية والمعرفية وشغبها وصخب غربتها وذرى تفاعلها وامتناعها قبولها أو رفضها أو انجرافها مع مجتمعات وثقافات وحضارات وشعوب أخرى. ومن تلك الكتابات التي تشكل رصيداً في تجارب المعرفة العلمية والتعليم الجامعي والإيقاع الحياتي لأصحابها خارج المحتمع العربي أو داخله ما اتخذ أشكالاً تسجيلية ومنها ما جاء في أوعية أدبية متعددة كالمذكرات والقصص القصيرة والرويات. ومن ذلك على سبيل المثال ما كتبه طه حسين عن تجربته العلمية والحياتية بجامعة السوربون بفرنسا وكذلك توفيق الحكيم ويوسف إدريس. وبعض ما كتبته فدوى طوقان عن تجربتها الدراسية بإنجلترا في كتابها (رحلة جبلية) وما كتبته رضوى عاشور عن تجربتها في التحضير للدراسات العليا بأمريكا. وقد يقع في نفس السياق بعض ما جاء في أعمال غازي القصيبي عن تجربة الدراسة بالقاهرة وبأمريكا. مع ملاحظة غير هامشية أن معظم تلك الكتابات مما ذكرت ومما لم أذكر كانت تسجل للتجربة العلمية والحياتية الخارجية لأصحابها وهم في شرخ الصبا على مقاعد الدراسة ولم يتحدث أي منها على حد علمي عن فترة ما بعد التجربة العملية في مجتمع المنشأ (باستثناء عائد إلى كالفورنيا). كما لا أظن أن أحدها قد تعرض لفترة تعنى برصد إيقاع مرحلة التفرغ العلمي بعد ردح من تجربة العمل الأكاديمي بالوطن.

ولما لم يكن كما ذكرت من مرجع مكتوب ببعد إنساني يعنى بتسجيل تجارب الآخرين في هذا المجال ويكشف عن مجاهل الجمال والوحشة لفترة التفرغ العلمي على أهميتها باعتبارها تقتطع عاماً أو نحوه من عمر الأستاذ الجامعي أو الأستاذة ومن عنفوان عمر العلاقة بالطلاب والطالبات ومن دفء العلاقة المستقرة بزملاء المهنة والمحيط الجامعي والمجتمعي المعهود، وهو ما يسمى بمنطقة الأمان (comfort zone ) ، فقد اعترتني حيرة وأنا أراسل مختلف الجامعات الخارجية لاستضافتي العلمية وكأني تلميذة صغيرة ستذهب أول يوم إلى المدرسة وحدها حيث ليس في صحبتها إلا حقيبة محشوة بالكتب وذاكرة لم يخط عليها حرف واحد بعد وعقل مفعم بالأسئلة. وكانت كلما وصلتني رسالة قبول من هذه الجامعة أو تلك ازداد ارتباكاً وتردداً وليس العكس، كما يفترض لأني كنت أضيف على أعباء المجهول الذي أنتظر عبئاً آخر وهو عبء تخير من أي مجهول أو على أي طريق غير مأهولة إلا بالمغامرات والحدس سأبدأ مشوار رحلتي العلمية كما تقول قصيدة الشاعر الأمريكي روبرت فروست. أما أين ابتدأ بي المطاف فيتبع وربما أسر لكم خلال الرحلة ما المعنى الإنساني والثقافي الذي قررت أن أعطيه لمفهوم التفرغ العلمي بعد بعض المحاولات التجريبية بالإضافة لما نذرت له ضوء عيوني من بحث علمي حول أطروحة الإصلاح بالمملكة. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.



Fowziyah@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد