Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/04/2009 G Issue 13348
الاربعاء 19 ربيع الثاني 1430   العدد  13348
من أجل استثمارات زراعية خارجية ناجحة
د. عقيل محمد العقيل

 

كلنا يعلم تجربة الاستثمار الزراعي الداخلي، حيث قررت المملكة قبل أكثر من خمس وعشرين سنة رغم ندرة الموارد المائية، التوسع في إنتاج المحاصيل الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في جملة من المحاصيل كان من أهمها القمح، حيث حققت المملكة خلال سنوات قليلة الكثير، حتى تحقق الاكتفاء الذاتي في كثير من المحاصيل الزراعية، بل وقمنا بتصدير القمح وغيره من المحاصيل الزراعية إلى خارج البلاد، ولاشك أنّ معظمنا، إلاّ القليل من الراسخين بالعلم، كان فرحاً بهذه النجاحات.

ولنقل إنّ القرار في تلك الفترة كان قراراً صائباً بما أتيح من معلومات ونتيجة للمفاهيم السائدة آنذاك حيال قضية الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي والمخزون المائي المتوفر، ولكن مع مرور الزمن، وعندما تفاقمت أزمة المياه، وعندما وجدنا أنّ زراعة بعض المحاصيل تستنزف الكثير من مخزون المياه التي بدأت تتناقص معدّلاتها بشكل مفزع، أدركنا أنّ الأمن الغذائي كان على حساب الأمن المائي، والذي يُعد أكبر أهمية، وبناءً على ذلك تقرر خفض شراء محصول القمح من المزارعين بنسبة 12% سنوياً، وسيتم الاستغناء عن شراء بعض المحاصيل محلياً مثل القمح بعد 8 سنوات، مع الإبقاء على زراعة المحاصيل التي لا تهدر المياه بنسب كبيرة وخطيرة كزراعة النخيل والخضروات، وغيرها من المحاصيل ذات الاستهلاك الاقتصادي في المياه.

وبعد أزمة الغذاء التي ضربت العالم عامي 2007 و2008 والمشكلات التي ترتّبت على هذه الأزمة، كان تحرك الحكومة السعودية سريعاً وفاعلاً، حيث أعلنت مبادرة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - للاستثمار الزراعي في الخارج لتساهم في تحقيق الأمن الغذائي الوطني والعالمي، وبناء شراكات تكاملية مع عدد من الدول في مختلف أنحاء العالم ذات مقوّمات وإمكانات زراعية عالية، لتنمية وإدارة الاستثمارات الزراعية في عدد من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية بكميات كافية وأسعار مستقرة، إضافة إلى ضمان استدامتها.

وما إن أعلنت المبادرة حتى استبشرت الشركات والأفراد المستثمرون في هذا القطاع على أسس استراتيجية خيراً، كما تجهز صائدو الفرص على أسس تكتيكية لأخذ حصتهم من هذا التوجُّه كما هي العادة دائماً، فكلما لاحت بالأفق فرصة أطلّ هؤلاء برؤوسهم فعجلوا بتأسيس الشركات وعقدوا الاتفاقيات هنا وهناك، وجلّها وهمي وغير مدروس، لمزاحمة المستثمرين الإستراتيجين في قطاعهم الذين يمتلكون به المعرفة التامة بتفاصيلة والخبرة المتراكمة عبر سنوات طوال، والتي تجنبهم الوقوع فيما يقع به الطارئون، كما ترفع من فرص نجاح مشاريعهم بخلاف قنّاصي الفرص الذين يغلبون مصالحهم الضيقة على مصالح الوطن والمواطن.

كيف لنا أن نميّز المستثمر الجاد الإستراتيجي صاحب الخبرة من المستثمر الطارئ قنّاص الفرص؟ كيف لنا أن ندفع بقنّاص الفرص للتحوّل من عقليته التكتيكية إلى عقلية المستثمر الإستراتيجي؟ وكيف لنا أن نعرف الطارئ والمتلاعب ونستبعده، لكي نرفع من نسبة نجاح المبادرة التي اختزلت في شركة قابضة لتجسيدها لتوفير الموارد المالية للمستثمرين والدخول معهم في شراكات؟ كيف لنا كل ذلك بما يحقق أهداف المبادرة ويعزّز سمعة بلادنا لدى مناطق الاستثمار شعوباً وحكومات.

أعتقد أنّ وضع معايير للاستثمارات الزراعية الخارجية التي ستقوم أو تشارك بها الشركة القابضة يتم الالتزام بها وتطبيقها دون تهاون، بحيث يتم التشارك مع المستثمرين السعوديين الذين لهم باع طويل وناجح في الاستثمارات الزراعية في الخارج كمرحلة أولى، لتطرح هذه الشراكات كنموذج لاستقطاب المزيد من المستثمرين خصوصاً الشركات المتخصصة في الاستثمار الزراعي، وهكذا تدريجياً، وبالتالي نضمن دعم المستثمر الإستراتيجي واستبعاد الدخلاء من قنّاصي الفرص حتى يتحوّل فكرهم من فكر تكتيكي ضيق إلى فكر إستراتيجي يؤمن بإمكانية تحقيق الأهداف الخاصة، بالتزامن مع تحقيق الأهداف الوطنية جنباً إلى جنب، ولاشك المستثمر الإستراتيجي يحرص على سمعة البلاد لإدراكه لانعكاسات تلك السمعة على استثماراته الخاصة.

أتمنى سرعة طرح واعتماد هذه المعايير لتكون مرجعاً للجهات الاستثمارية والجهات الحكومية المنظمة والرقابية ولمجلس الشورى ولنا جميعاً كمواطنين لمعرفة مدى جدية تطبيق هذه المبادرة الهامة والحيوية لأمن الوطن والمواطن والتي لا تقبل التساهل والمرور بمراحل التجربة والخطأ بحال من الأحوال.

* * *



alakil@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد