Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/04/2009 G Issue 13348
الاربعاء 19 ربيع الثاني 1430   العدد  13348
نهارات أخرى
هروب البنات
فاطمة العتيبي

 

ماذا يمكن للمرء أن يفعل إذا هربت ابنته من بيته إلى المجهول؟

لماذا؟ وكيف ؟ ومع من؟

من السهولة بمكان أن نجيّر المصيبة إلى انهيار القيم وإغراءات الحياة، والمسلسلات المكسيكية، ومن بعدها التركية، ثم بإمكاننا أن نعرّج على سبب جديد وطازج، وهو سيل الروايات السعودية المليء بالحديث عن المجون والفسق والراصد لكل ما لا بوسع العقل البشري من تخيّله حول مسألة الابتذال والجنس السوقي الرديء، المثير للقرف والغثيان، والمحيل إلى مرجع واقعي مثير للتقزّز، وتحول هذه النصوص إلى جزء من الثقافة العامة التي تهب قارئها شيئاً من شارات التميّز والأدبية.

من السهولة أن أقول إن حالة التذمر العامة من كل شيء وأي شيء، قد خلقت جيلاً غير قادر على التمييز والاستقرار على قيم محددة.

من اليسير أن أطالب بعودة كلمة ممنوع، ومن اليسير محاكمة متهمين معاصرين وقدامى، فهذا أيسر ما يكون (المتهمون ماثلون في خيالنا فلعنة الله على التلفاز والإنترنت والاستعمار والاستحمار والحملات التضليلية ولقمة الخبز الهاربة من فمنا،...كل تقصيرنا بصنعة غيرنا ونحن دائماً المفعول به ولسنا الفاعلين): عبد الكريم بكار وعلاء الدين آل رشي: - من كتابهما لماذا نقرأ -

من السهولة أن نمنع ونغلق الأبواب ونسد النوافذ، الأصعب هو أن نمتلك المقدرة والوعي لتنشئة إنسان نثق به ونفتح له الأبواب والنوافذ ونمنح سقفه علواً وانفتاحاً على السماء والنجوم والشمس والقمر.

إنسان يسمو عن الأسفل ويتعلّق نظره بالأعلى، حيث القيم الخالدة.

لا تمتلك كثير من الأسر ثقافة التعامل مع المتغيّر المستجد في الحياة الحديثة.

لم تعد دعوات الأم وطيبة قلبها المكلّلة بحسن الظن بكل شيء قادرة على احتواء جيل جديد، فقد القدرة على معرفة ماذا يريد؟ ولم تترك له فرصة ليتعرّف على نفسه بعيداً عن وصاية تخنقه، في البيت والمدرسة والمسجد وحتى في المنتزهات أو الأسواق.

البنات عرفن أنفسهن بصفة واحدة هي (الغواية والعفاف) ومنذ طفولتها وهي في صراع بين هذين المصطلحين، لا بد أن تبذل كل ما في وسعها من مال وجهد كي تكون جميلة، مغوية، جاذبة وتكتسب قيمتها ومكانتها بقدر هذا الجمال، وكلما قلَّ، قلَّت فرصتها ومكانتها، وعليها إذا أرادت أن تبلغ الشاطئ بأمان أن تحمي هذا الجمال بالعفاف، لا تتعلّم البنات القيم إلا من خلال الفائدة المحسوسة كالزواج، لا أحد يعتني بإحساس البنت حين تكون قوية لأنها اختارت أن تكون سامية فاضلة عفيفة، قيم تعود بمقابل معنوي، يجيء من الداخل وغير معني بالخارج والمحيط والمجتمع!

تتعلَّم البنت المقايضة والمناورة، عليها أن تمتلك مهارة الكشف عن الجمال في حضرة السيدات حتى يتناقلن ذكرها ويصل إلى الرجال، وعليها في ذات الوقت أن تمتلك مهارة الاحتجاب عن الرجال.

تعبر الفتاة حياتها بين متقابلتي الكشف والاحتجاب والغواية والعفاف!!

في هذا المعترك الكبير الذي تخوضه الفتاة تنجح الكثيرات في بلوغ شاطئ الأمان. وهو الرجل - الزوج، بينما تسقط القليلات في الموج العالي العاصف الفاصل بين بحر الأنوثة وشاطئ الذكورة!

أعلم أن ثمة سؤال كبير ينتظرني من القراء (ماذا تريدين أن تصلي إليه؟)

أريد أن أصل إلى الكثير، أوله قول الرسول الكريم (عفّوا تعفّ نساؤكم)

وثانيه وليس آخره أن البنات الهاربات يهربن كرهاً من البيت وليس حباً في المجهول!! وهذه معضلة حلّها يسير.



fatemh2007@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد