تحقيق - إيمان البحطيطي:
نبحث عن السعادة وهي بين أيدينا، نتمنى محو الضغوط عن كاهلنا دون أن نفتش عن حلول، ومن أبسطها الابتسامة التي لا تكلفنا سوى إتاحة الفرصة لها للظهور، ومحو الاعتقاد بأن عدم الابتسامة يعطينا الهيبة ويجعلنا نسيطر على أمورنا، وديننا الحنيف حثنا على الابتسامة، ولو علم الإنسان ما تخفيه الابتسامة من فوائد على نفسه ومجتمعه لما توارى أن يرفع شعارها في شتى دروب الحياة المختلفة، فما هي الهرمونات التي تفرز في أجسامنا بسبب الضحك والابتسامة؟ وما هي الفروق بين ابتسامة المرأة والرجل، وما دور الابتسامة في تحقيق زيادة المبيعات، والعديد من الأمور التي سوف نناقشها في هذا التحقيق.
حول مزايا الابتسامة على صحة الإنسان يشير الدكتور عبد العزيز الغريب أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن الحياة السعيدة التي تتسم بالابتسامة والرضى والقبول تؤدي إلى استقرار المجتمع وكلما كان الإنسان متمتعا بابتسامة دائمة فإنها تمثل دلالة على ظروف وأوضاع اجتماعية يعيشها هذا الفرد، وقد لا تكون الظروف دائما إيجابية، ولكن ابتسامة الشخص تهون عليه ظروفه وواقعه وبالتالي يتعايش أو يتأقلم مع أوضاعه، لذلك دائماً في حياتنا الاجتماعية ما نطالب الإنسان عندما يغضب بأن تكون علامة إنهاء غضبه هي ابتسامته، علامة الرضى في إنهاء علاقة متوترة بين طرفين هي ابتسامته، علامة قبول لشيء ما يطلب منه هي ابتسامته، فإذا الابتسامة كرم ودلالة على الرضى إما بين طرفي علاقة، وإما بين الشخص وذاته وأوضاعه وظروفه الاجتماعية، كل ذلك لا شك أنه ينعكس على صحته، وعلى استقراره الذاتي واستقراره النفسي ومن ثم الاستقرار الاجتماعي، وعن تأثير الابتسامة في جذب الأصدقاء والمحافظة عليهم أفاد د.عبد العزيز بان هناك مثلاً يقول (لاقيني ولا تغديني) إذاً الاستقبال الإيجابي هو دلالة القبول المتبادل بين طرفي علاقة، ومعنى المقابلة في هذا المثل أي قابلني برضى وعلامة الرضى الأولى هي الابتسامة، فبالتالي عملية انجذاب الشخص في استمرار علاقة ما أو انقطاعها قبل بدئها أحيانا هو الابتسامة التي تعد رمزاً من رموز الرضى، وأي شخص يبتسم يعتبر شخصاً محظوظاً في الحياة الاجتماعية في ظل المتغيرات والظروف وميزة لهذا الشخص عن غيره في انجذاب الأصدقاء له، وغالباً ما يكون وديعاً ولديه نزعة القيادة داخل نطاق الجماعة التي ينتمي لها.
ابتسامة المرأة
عن الفرق بين ابتسامة المرأة وابتسامة الرجل من حيث الفروق الشخصية يبين د. الغريب أن ابتسامة المرأة لها جانبان: جانب حقيقي وجانب خفي، والبعض يرى أن ابتسامة المرأة هي علامة على رضاها إما عن زوجها عندما يقدم لها إهداء أو على أطفالها عندما يتفوقون، وهذه هي الابتسامة الحقيقية، وهناك من يرى أن للمرأة ابتسامة خفية بمعنى أن تتحرك ملامح وجهها نحو الابتسام، ولكنها قد تخفي جانباً معيناً، وهناك من يرى مكر المرأة في الابتسامة وقدرة المرأة على استغلال الابتسامة في تمرير ما تريد من أجل الحصول على رضى الزوج من أجل تحقيق أهداف تراها، ولكن لا نشكك أن ابتسامة المرأة نور المنزل وتضيء لزوجها وأولادها.
ابتسامة الرجل
أما الرجل فهناك من يرى أنه لابد أن يكون حازما قويا جاداً على اعتبار أن كثرة الابتسام تدل على اهتزاز في الشخصية وحبه للدعابة والمزاح، وهناك من يرى أنه يقلل من مكانته لدى موظفيه أو أمام زوجته وأولاده، وأنا أميل إلى أن الابتسامة تدفئ العلاقة وتجعل من العمل عملا إنسانيا فأهم مبادئ العلاقات الإنسانية لأي قائد في العمل أن يكون قريباً من مرؤوسيه، وفي تصوري أن الرجل عليه واجب أكبر في الابتسامة باعتبار أنه يتحمل مسؤوليات قيادية أمام آخرين، ويبين د. عبد العزيز أن هناك فرقاً بين الابتسامة والمزاح أو شعرة معاوية في العلاقة، ويرى البعض أنه يجب أن يكون جافاً مع الطلاب أو موظفيه حتى يحقق مكانة أعلى، وأنا ضد هذا المبدأ ولكن علينا ألا نكسر حاجزاً أن يعرف الطالب أنه طالب وأن الأستاذ أستاذ، وفلسفة العلاقات الإنسانية في بيئات العمل بالذات توصي المدير بأن يبادر موظفيه بالابتسامة ولا تقلل من مكانة الرجل على الإطلاق. ولا بد أن نعي أن الإسلام نهى عن الضحك المبالغ فيه، ونهى عن الضحك برفع الصوت لأنه يعبر عن سوء الأدب، وهناك فرق بين الضحك من أجل الابتسام للآخر لقبوله وبين القهقهة التي قد تثير الآخرين أو قد تثير الاشمئزاز، فعلينا أن نفكر أن هناك فرقا بين الابتسامة والضحك فالابتسامة قد تكون بداية للضحك ولكن ليس كل موقف يواجهني يجب أن أضحك معه، ولكن الابتسامة تفرض على أن أبتسم دائما سواء في حياتنا الاجتماعية أو في القيادة أو في التعامل التجاري.
العقل والجسد
ثم توجهنا للأستاذة سلطانة الدوسري رئيسة قسم الخدمة النفسية بمستشفى اليمامة لتوضح لنا العديد من الأمور حول الابتسامة وكانت أولى الاستفسارات حول الفرق بين الضحك والابتسامة من حيث التأثير على صحتنا فأوضحت أن الضحك الصادق والابتسامة الصادقة لا يوجد بينهم فرق في التأثير على صحتنا ولكن عندما نتحدث عن الضحك المفتعل أو الكاذب نعم نقول إن هناك فرقا، وأما الاستفسار عن صحة أن الضحك يزيد كمية الأكسجين في الدم أفادت الدوسري بأنه يساعد في وصول الأكسجين للدم بصورة أفضل، كذلك يؤدي إلى إفراز الهرمونات المثيرة للنشوة، والتي تساعد في التخلص من حالات التوتر والاكتئاب والقلق، كما أن الضحك يقاوم الفيروسات والبكتريا، حيث وجد الباحثون أنه يطيل عمر الفرد أيضاً. وعن حقيقة أن الضحك يكون سببا في إفراز الهرمون المخفف للألم؟ قالت: نعم هذه المعلومة صحيحة فهرمون الاندورفين يفرزه الدماغ أثناء الضحك، وأن (الإندورفين) له نفس التركيبة الكيميائية (للهيروين)، وأن الضحك يقوي جهاز المناعة. وقد أكد الأطباء على أهمية الضحك والمرح لأنهما يفيدان عقل الإنسان وجسمه معاً، حيث أوضحوا أن الضحك يحرك الرئتين وكل أجزاء الجهاز التنفسي ويزيد من نسبة الأكسجين في الدم وينظم ضغط الدم ويساعد على الهضم ويعالج العصبية ويقلل من آثار الضغوط النفسية، كما أنه يساعد على الاسترخاء. وكذلك أكد باحثون أن ربع ساعة من الضحك يومياً? يحمي الأوعية الدموية ويعزز وظائفها، كما أنه يعتبر دواء للضغط العصبي، لأنه يسمح للإنسان بالتخلص من همومه ومتاعبه?,? فعندما نضحك لا يسهم هذا في تحريك عضلات الوجه فقط?,? وإنما عضلات الجسم كله?، وأما الفرق بين الضحك الحقيقي والمفتعل من حيث التأثير على الصحة توضح الدوسري ذلك بأن الضحكة المنبعثة من القلب تساعد على خفض ضغط الدم?,? وتزيد من مقاومة الجسم للإجهاد وتحفزه على إفراز هرمونات تؤثر على الحالة النفسية والجسدية. لذلك نقول إن الضحك الصادق هو الذي يلعب دورا كبيرا في التأثير على صحتنا النفسية والجسدية.
زيادة المبيعات
ولمعرفة دور الابتسامة في زيادة المبيعات أوضح المستشار الإداري الدكتور سعيد المالكي بأن الابتسامة وسيلة فعالة في الجذب وتوطيد العلاقة وتعتبر مهارة أساسية للعاملين في المبيعات بشكل خاص ومقابلة الجمهور بشكل عام، وهي أيضا تعد من أهم المهارات الاجتماعية فعندما نرى ابتسامة فإن ردة الفعل تكون ايجابية معظم الوقت. ونحن غالباً ما نفضل أن نشرك الأشخاص البشوشين في ثقتنا وآمالنا وأموالنا لأسباب قوية تتعدى وعينا، وقد ثبت أن من يبتسمون بعفوية يتمتعون بحياة أكثر نجاحاً على المستويين الشخصي والمهني. ولقد ثبت أن الابتسامة تتطلب مجهوداً أقل فمجموع العضلات المستخدمة عند الابتسامة هي 14 عضلة من عضلات الوجه بينما عند التكشير فإننا نستخدم 70 عضلة من عضلات الوجه، وتعد الابتسامة من المحفزات التي تستحث إفراز (الاندروفينات) والذي يسهم بدوره في زيادة الطاقة الطبيعية بالجسم والقضاء على ما يعانيه الجسم من تعب.