Al Jazirah NewsPaper Friday  17/04/2009 G Issue 13350
الجمعة 21 ربيع الثاني 1430   العدد  13350
 
الليدي آن بلنت: جبة من أغرب الأماكن في العالم وإحدى مباهج النفود

 

جبة - جولة وتصوير فهد الغريري:

عندما زارت المستشرقة الإنجليزية الليدي آن بلنت منطقة حائل عام 1879م قالت عن قرية جبة: (من أغرب الأماكن في العالم، ومن أجملها. إنها إحدى مباهج النفود).

وبعد مرور أكثر من مئة عام أتى اللورد ليتون لزيارة جبة قاطعاً النفود من حائل ليتأمل المكان بلهفة.. إنه حفيد الليدي آن بلنت أتى لرؤية كل الأماكن التي زارتها وكتبت عنها جدته.

إلى هناك ذهبت (الجزيرة) لتستطلع أحوال هذا المكان الذي زاره الكثير من الرحالة الأجانب والمستشرقين قديماً والسياح حديثاً، توجهنا إلى قصر النايف الأثري الذي يبلغ من العمر قرابة 240 عاماً حيث بناه عتيق بن مسلم بن فرحان بن رمال الشمري، والتقينا بأحد أحفاده وهو سعود بن نايف بن عتيق النايف الشمري ليحكي لنا عن هذا القصر الأثري الذي اختزن في جنباته الكثير من الحكايات والشخصيات من مختلف أنحاء العالم. وليشرح لنا عن معاناته في محاولة الحفاظ على هذا الصرح الأثري وعن البئر الموجود بداخله والذي يقدر عمره بأكثر من 1000 عام.

كانت الانطلاقة إلى جبة عبر الطريق السريع الممتد بين حائل والجوف حيث تبعد القرية عن حائل قرابة 80 كم باتجاه الشمال، حيث تبرز القرية كعلامة حياة في خضم أمواج رمال النفود الكبير الهائلة داعية القدام إليها الآن للتفكير في حال أولئك الذين كانوا يقطعون هذه الفيافي قبل مئات السنين وهم يراقبون مخزونهم من الماء ينفد شيئاً فشيئاً وإذا بهم يرون جبل (أم سمنان) من بعيد يشعل الفرح فيهم فهو من يحتضن جبة ببئرها (الحمالي) الذي اشتهر بحجمه المهول مقارنة ببقية الآبار، ومن هذا الحجم اكتسب اسمه حيث يتصف البئر بثمانية مقامات موزعة على الجهات الأربع بالتساوي ليكون البئر قادراً على تحمل أي قوافل ترد إليه مهما كان عددها كبيراً. ولك أن تعلم أن اسم جبّة مشتق من (الجب) وهو البئر في اللغة العربية مما قد يشير إلى أن المنطقة اشتقت اسمها من عظمة هذا البئر.

بئر (الحمالي):

وهنا يشير سعود بن نايف إلى أن البئر مهدد بعامل الزمن وأنه يحتاج للترميم من قبل خبراء في الآثار لما له من مكانة تاريخيه، ويضيف: ذكرت المرويات أن حفر البئر تم قبل 1000 عام ولكن الحكاية تقول أن ذلك تم من خلال ناقة بدأت في التمرغ في هذا المكان ليكتشف أجدادي أنها تتمرغ فوق بئر مردوم.. مما يعني أن أساس البئر موجود قبل ذلك بزمن لا يعلمه أحد ولم يتم توثيقه في المرويات التاريخية. ويشير سعود إلى أن المستشرق الألماني يوليوس اوتنج كتب عن البئر قبل 160 سنة أن عمقه 12 متراً، وقد وصل عمقه الآن إلى 30 متراً.

أول ما لفت انتباهنا في قصر النايف الأثري هو بيت الشعر الكبير في مدخل القصر والمفتوح لاستقبال الضيوف متزيناً (بالوجار) الذي حوى الدلة الرسلانية الأصلية بأنواع القهوة العربية المختلفة وعدد من الأباريق التي تنوعت بين الشاي وبين النعناع الحائلي المعروف. وبينما كنا ننتظر مضيفنا لنبدأ جولتنا لاحظنا كيف كان هناك الكثير من الأشخاص يدخل إلى المضافة ليتناول فنجاناً من القهوة أو الشاي ثم يخرج وكأنما هو في بيته.. إنه الكرم الحائلي المعروف.

هدم القصر:

لفت انتباهنا سعود النايف إلى أن قصر النايف الأثري الذي بني قبل أكثر من قرنين لم يتبق منه إلا الديوان (المجلس) والبئر فقط، أما بقية الغرف وإن كانت مبنية على الطراز القديم فهي جديدة يبلغ عمرها قرابة العشرين عاماً فقط، وحل سبب هدم البيت الأصلي يقول: هدمه والدي نايف بن عتيق بن نايف بن عتيق عام 1400 وذلك توسعة للمسجد الجامع في جبة وللشارع الرئيسي أيضاً حيث يعتبر مكانه هو مركز جبة، وبسبب النهضة العمرانية وكثرة الناس والحركة في المركز حصل ضيق شديد في المسجد والشارع فقرر والدي التبرع بهدم جزء كبير من القصر لعمل التوسعة.

ويحكي سعود قصة طريفة ومعبرة عن وصول الأسفلت إلى جبة في عهد الملك خالد -رحمه الله- يقول: عندما زار الملك خالد المنطقة خرج كل الأهالي إلى مدخل جبه لاستقباله باللوحات والتصفيق والأهازيج، وكان من بين الأشياء التي تم تنفيذها لوحة طبيعية عبارة عن كومة من الرمال تعتليها سيارة دفع رباعي حوض (شاص) وفوق السيارة كمية من الرطب (الحلوة) التي تشتهر بها المنطقة، وقالوا للملك: هذا طريقنا (الرمل) وهذه سياراتنا (الدفع الرباعي) وهذا إنتاجنا (الرطب). وقد تأثر الملك خالد -رحمه الله- كثيراً بهذه الرسالة وكان من أول القرارات التي اتخذها بعد عودته توقيعه لمرسوم ملكي بتوصيل الأسفلت إلى جبة.

من شرق الأرض وغربها:

ويعدد سعود بعض الرحالة الذين زاروا المنطقة ومنهم الألماني أوتنج والفرنسي هوبر والإنجليزية بلنت وغيرهم. كما زاره حديثاً سفير فرنسا فوق العادة في لبنان وسوريا وسفير أمريكا السابق في السعودية مستخدماً الإبل وسالكاً طريق الليدي آن بلنت وأيضاً سفراء بريطانيا حالياً وسابقاً بالإضافة إلى سفير ألمانيا السابق الذي زار المكان 3 مرات، وأيضاً سفير هولندا وحفيد بلنت اللورد ليتون. بالإضافة إلى الكثير من الأفواج السياحية من شرق العالم وغربه: اليابان، النمسا، باكستان، كرواتيا.. وغيرها وهي الأفواج التي يحتفظ سعود بصور لها ويبرزها في إحدى الغرف التي تقسمت بين الآثار من ملابس وأسلحة وقطع قديمة والوثائق والصور.

يشير سعود إلى التشققات في جدران الديوان، وهو المبنى الذي تبقى من القصر القديم منذ 240 عاماً، موضحاً كيف أنه مهدد بالتداعي. كان سعود يحكي بحرقة عن الديوان وعن البئر وهو يؤكد أنهما أثران عظيمان يستحقان من الجهات المختصة العناية والاهتمام بهما. وأضاف: أحاول قدر الإمكان العناية بهما ولكن الآثار لا تحتاج إلى مقاول أو عامل عادي بل تحتاج إلى عناية خاصة وإلى خبراء، أنا غير قادر على دفع تكاليفهم وهذا ما حاولت إيصاله إلى الجهات المختصة عبر الكثير من الخطابات إلى هيئة السياحة والآثار وغيرها دون جدوى.

الجهات المسؤولة:

ويقول سعود إن المكان تمت زيارته من عدد من المسؤولين في الهيئة وأنهم أشبعوه بالوعود دون تنفيذ، وقال: كان آخر ما توصلوا إليه هو تقديمهم عرضاً لاستئجار المكان بعشرين ألف ريال سنوياً وهو الأمر الذي رفضته لأني لن أقبل بالتخلي عن تراث أجدادي والمنطقة حتى لو كانت مصاريف المضافة والعناية بالمكان ترهقني. وحين سألناه عن المردود المادي حيث لاحظنا وجود لوحة تشير إلى وجوب دفع 20 ريالاً كرسم دخول قال: هذه اللوحة وضعتها لمنع الأطفال والمراهقين المخربين فقط فحين يرونها يتراجعون عن فكرة الدخول للمكان وإلا فإني لم أسال أحداً يوماً دفع المبلغ ولم أضع عاملاً أمام الباب لتحصيل الرسوم كما يحدث في أماكن أخرى.



التعليق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد