لا يعتبر الخروج عن النص في كل الحالات خطأ أو شراً محضاً.. فعندما يكون النص متهالكا ومبتذلاً فإن الخروج عنه يكون عبقريةً وابداعا. فقد كانت المملكة ولفترات طويلة تعاني من نقص شديد في الكوادر الوطنية المؤهلة والقادرة على سد الفراغ الموجود في ميدان المهن والوظائف الفنية والمهنية سواء في القطاع الحكومي أو الخاص؛ ولعل مرجع ذلك قلة المراكز والمؤسسات التعليمية والتدريبية المتخصصة في المجالين الفني والمهني، يُضاف إلى ذلك عزوف نسبة كبيرة من أفراد المجتمع عن كثير من الوظائف وفرص العمل المهنية والميدانية إما تعالياً عليها أو تكاسلاً عنها.
كان هذا هو النص السائد ولردح من الزمن.. إلا أن المؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني كانت على موعد مع الإبداع والتميز الذي مكنها وخلال فترة قياسية بقيادة محافظها معالي الدكتور(علي الغفيص) ذي الفكر الراقي والخبرة الإدارية الواسعة من إحداث انقلاب كبير في تلك المفاهيم القديمة والأفكار البالية التي أحاطت بالأعمال والوظائف المهنية والحرفية في المجتمع السعودي.
لقد تمكنت المؤسسة من أن تختصر الكثير من الوقت والجهد من أجل الوصول إلى تحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية المهمة في مقدمتها: مساهمتها الفعالة في الحد من مشكلة القبول التي تعاني منها الجامعات وتخفيف الضغط عنها، وكذلك الإسهام في الحد من ظاهرة هجرة السكان من المدن الصغيرة والقرى إلى المدن الرئيسية الكبرى من خلال حرص المؤسسة على نشر معاهدها وكلياتها في مختلف مدن وقرى المملكة، وتمكين سكانها من اكتساب التعليم الفني والمهني وما يترتب على ذلك من فتح آفاق رحبة لفرص عمل ومهن عديدة تبعاً لذلك. إلا أن إبداع المؤسسة وتميزها يتجلى وبصورة رائعة في قدرتها من خلال سياسة عملية وإعلامية احترافية على إبراز العمل الفني والمهني بصورة جذابة مرغوبة من قبل الكثير من فئات المجتمع السعودي بحيث أصبح الكثير من الشباب السعودي يسعى إلى تلك المهن ويفتخر بامتهانه لها، فقد عمدت المؤسسة ممثلة في معاهدها المهنية وكلياتها التقنية المنتشرة في مختلف مناطق المملكة ومن خلال العديد من المعاهد ومراكز التدريب الأهلية التي تشرف عليها إلى تنفيذ العديد من البرامج والدورات التأهيلية لمهن ووظائف كانت مستبعدة بل وأحياناً مرفوضة داخل المجتمع السعودي كدورات الحلاقة والتجميل وغيرها، التي لم يقتصر القبول فيها على الذكور فقط بل وشمل الإناث أيضاً على حدٍ سواء، وذلك بصورة تتناسب مع طبيعة المرأة وحاجاتها، وبشكل يتوافق مع عادات المجتمع السعودي وتقاليده.
كما كان لتركيز المؤسسة الشديد على مسألة ربط قضية التدريب والتعليم بحاجة سوق العمل ومتطلباته دور كبير في تحقيقها العديد من النجاحات المتعلقة بعملية إعداد طالب العمل السعودي وتكييفه مع بيئة العمل في القطاع الخاص ما أسهم وبشكل كبير في تضييق الفجوة الحاصلة بين شروط ومتطلبات سوق العمل وبين ما يمتلكه طالب العمل السعودي من مهارات وخبرات، وهو الأمر الذي سيكون له إسهام واضح في دعم قضية السعودة والحد من العمالة الوافدة من جهة، وفي التقليل من عدد العاطلين عن العمل ومكافحة ظاهرة البطالة التي أصبحت تلقي بظلالها المقيت على المجتمع السعودي من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن الطموحات لا تزال أكبر مما تم تحقيقه على أرض الواقع إلا أن الأمل معقود على استمرارية المؤسسة العامة للتعليم الفني في نهجها الإبداعي وأسلوبها المتميز الذي يقوم بشكل أساسي على خلق حالة من التوازن ما بين سياستها التعليمية والتدريبية وبين حاجة سوق العمل السعودية ومتطلباتها بشكل واقعي يُراعى فيه حاجات الشباب السعودي وقدراته.
-الرياض
abo_3thman@windowslive.com