منذ صدور المرسوم الملكي رقم أ-22 وتاريخ 19-2-1430هـ القاضي بتعيين فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن حمين الحمين رئيسا عاما لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والناس تتطلع وتترقب ما جاء في تصريحات معاليه بالعمل على تطوير هذا الجهاز الهام بما فيه حكمة الدين ومصلحة الوطن والمواطن، حفاظا على حرمة المواطن ومصالح الناس.
وعلى الرغم من أن تلك الفترة الاستهلالية في مسيرة فضيلته لهذا المنصب في هيئة ذات شأن عظيم في المجتمع، تعد نقطة البدء فهي في ذات الوقت نقطة التحول في ذهن الناس التي استبشرت في مجيئه خيرا، وتوسمت فيه فضلا، وتطلعت معه أملا، وارتاحت إليه بالا، وهدأت، وتضرعت خاشعة لرب الحق والدين أن ييسر له الأمر ويلهمه الصواب في مسعاه الكريم لخدمة الوطن والمواطنين.
وإزاء ذلك أهيب بمعاليه أن يأذن لي أن أعبر ومن منطلق مهني - عن نبض الشارع تجاه الهيئة في مسيرتها الجديدة، فبدءاً أذكر أن معظم المواطنين يحدوهم عظيم الأمل في أن يلمسوا (حالة) التطوير الذي يظنوه يشمل الهيكل التنظيمي، وتنظيم علاقات التواصل الأفقي والرأسي في الداخل والخارج؛ مما يؤدي إلى تنفيذ المهام والفعاليات بنجاح، وبشكل موضوعي وراق، ووضع آلية لمتابعة منسوبي الهيئة في الميدان، وتقييمهم، وسبل التحفيز الإيجابي والسلبي بما يحققه.. أولاً: التماسك والانسجام بين فريق العمل حتى يستطيع إنجاز كل ما يوكل إليه من أعمال ومهام بفعالية ونجاح في غير تعنت أو تشدد.
ثانياً: الرضا المجتمعي عن مجمل أعمال الهيئة ومسلكيات منسوبيها.
هذا ونظن أن الرضا المجتمعي لن يتحقق إلا بقيام الهيئة بمهامها في سهولة ويسر، وبين نمط التعامل بين أفراد الهيئة وأفراد المجتمع بحيث تكون ذات مردود إيجابي يرضى عنه الجميع.
ويفرض علينا ذلك ضرورة التوجه نحو تأهيل رجل الهيئة الموقرة وتدريبه على سبيل استخلاص واقعنا المتغير، ووضع الاعتبار للمتغيرات العالمية الحداثية، وربط الممارسات السلوكية بثقافة المجتمع والتعامل مع الحياة المعاصرة.. بحيث يصبح رجل الهيئة نمطا غير تقليدي، فيتميز في علاقته بالمواطنين بالبساطة والوضوح، والقرب من الناس ومشاكل الناس..
وبناء عليه يقدم فكرا يناسب ظروف الواقع المعاصر حتى ترضى الناس بإرشاداته وتوجيهاته التي ترتبط بالحياة اليومية وتفاصيلها اللانهائية.
ولا أقصد بذلك التحول من الدعوة لغض البصر إلى الدعوة للتأمل فيما يجب أن يغض البصر عنه. ولكني أقصد في ضوء الواقع المعاصر (المعولم) أن نمد رجل الهيئة بمعارف حول الحادث من متغيرات، والإلمام بمشكلات وتحديات الواقع المعاصر بحيث يتحول رجل الهيئة من مجرد شرطي يقبض على المخالف إلى كونه موجه يقدم النصح والإرشاد والتوجه لما فيه خير الشباب وخير مجتمعنا والنهوض به.
إذن فعلينا أن نزوده بسبل مكافحة خطر الفكر الوافد الذي اقتحم علينا حياتنا حاملا لواء العولمة الثقافية، ومع هذا فنحن نضع في اعتبارنا أن العولمة تحمل وجهين: أحدهما سلبي محض وآخر إيجابي.. والمواجهة المطلوبة هي للوجه السلبي مع العناية بالتعامل الحذر مع الوجه الإيجابي بحيث يفيد - إلى حد ما - في دعم الهوية الثقافية ولا يخل بالانتماء بهذا البلد الأمين والاندماج في كتائب التنمية الوطنية المستدامة عن وعي لمتطلباتها ومع إدراك بأن المجتمع السعودي - شأنه شأن المجتمعات الأخرى - متسارع في الحراك الاجتماعي، ومعدل التحول الاجتماعي سريع وإن مسألة التغيير جارفة بحدة فوق ما نتخيل، حتى إن البعض تصور أن التغير لحق بالممارسات الدينية، واقتنعوا برفع شعار (إسلام العصر الحديث).. وتصوروا أن العلاقة قائمة أصلا بين قيم الإسلام ومعطياته وقيم العولمة ومعطياتها الليبرالية المتوحشة.
والقصد من هذه المقابلة هو القول بأن المتغيرات العالمية الحداثية تدور حول الانتقال من المجتمع الرعوي التجاري الزراعي إلى المجتمع التقني المعلوماتي، أي الانتقال من التقليدية إلى الحداثية.
والأهم من ذلك - هو القول - عن الانتقال من مجتمع (سكوني) إلى مجتمع (دينامي) يتسم بسرعة التحول والحراك، وبتدفق المعلومات والأفكار والسلع ورؤوس الأموال والخدمات والبشر من مكان لآخر على خريطة العالم كله دون حدود أو قيود (العولمة).
وكثير من الناس يرى أن العلاقة التوافقية بين الضدين مجرد وهم، بينما قليل من الناس يرى لكي لا نفرض على أنفسنا العزلة الثقافية، يجب علينا أن نعلم بأننا نعيش في نظام عالمي (قوي)، تسانده قوى في الداخل والخارج تفرض نفسها، وسياسات النظام، وتفرض إمكاناتها في حل أزمات الداخل ومشكلات الحياة في بعض الأوقات.
والرأي لدينا أن رجل الهيئة المجد هو الذي تمكنه قدراته ومهاراته من استخدام أساليب متباينة - حسب مقتضى الحال - للخطاب الديني بحيث يستطيع أن يتعامل مع مشكلات الواقع بشكل جيد فهو يحمل رسالة دينية ووطنية فعليه أن يدعو إلى الاستقامة والصلاح كما عليه أن يحشد الجهود للعمل على بلوغ أسباب خير الدنيا والآخرة.
ويقينا أن صاحب المعالي فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن حمين على يقين من أن الخطاب الديني الهادف كفيل بأن يحمي الشباب من اتباع مسلكيات لا سوية باستخدام وسائل الإرشاد لسبل إنضاج الوعي الموضوعي العلمي.
فالإسلام عقيدة.. وديانة.. وتاريخ.. وثقافة.. وقيم.. وأنماط سلوك.
إن ضغوط الواقع تفرض أن يكون رجل الهيئة يجيد مفردات التغيير واللباقة في لغة الخطاب الديني، وهذا يتطلب اختيار منسوبي الهيئة ممن يتسمون بالموضوعية والفهم العميق للقضية، والقوى والعوامل الثقافية ذات الأثر في الخطاب الديني. وأن يتزودوا بالنزاهة الفكرية وحب الناس والأخذ بأيديهم للنجاة من الظواهر السلبية المصاحبة لعملية التغيير، وإعمال العقل والفكر للترقي في مضمار التقدم. وأن يعالجوا السلبيات في السلوك والأخلاق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والستر والنصح والإرشاد وأن ينأوا عن التجسس وتتبع عورات الناس واحترام الأمور الخاصة والشخصية.