Al Jazirah NewsPaper Thursday  23/04/2009 G Issue 13356
الخميس 27 ربيع الثاني 1430   العدد  13356
الموازنة بين الثوابت والمتغيرات (1-2)
د. عبد الوهاب بن منصور الشقحاء

 

...في دراسة نقدية قيِّمة ومتميزة عن ضوابط الانفتاح

الاجتماعي في المملكة العربية السعودية بين الثواتب والمتغيرات، أعدها الباحث الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود آل سعود، تطرق فيها إلى الجذور التاريخية بعيدة المدى للدولة السعودية الأولى 1157هـ، والتحالف ....

....التاريخي بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن سعود الذي أدى إلى قيام نوع من الإندماج بين السلطة والشريعة والعقيدة، ثم بدء تاريخ الدولة السعودية الحديثة في عام 1319هـ على يد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - على هذا الأساس المتين نفسه. ثم تطرق لما هي عليه الحالة الاجتماعية في الجزيرة العربية قبل توحيد المملكة والصراع القبلي الطاحن فيها وسيادة شريعة الغاب، إذ القوي ينهب الضعيف، دون وجود دولة مركزية، إذ كانت هناك حالة من (حرب الكل على الكل) أو (اللاسلم)، وهو ما شكل رغبة لدى الجميع في بناء دولة تحقق للمنتمين إليها سبل الحياة الآمنة المستقرة، وقد تم ذلك على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مما أدى لقيام دولة حديثة توحدت بها معظم مناطق الجزيرة العربية تحت لواء دولة واحدة، مما يعتبر ثورة كبيرة على جميع المستويات، لأنها دمجت فئات المجتمع القبلي والحضري بكيان سياسي واجتماعي واحد في دولة واحدة وحولت ولاء الأفراد من القبيلة والعشيرة إلى ولائهم لدولتهم الحديثة. ثم تطرق الباحث إلى خصائص المملكة العربية السعودية، وأبان أن المملكة وإن كانت دولة ذات إمكانات مادية كبيرة إلا أنها لا تستمد مكانتها الدولية والإقليمية من مركزها المالي، وإنما تستمد مكانتها من عقيدتها الإسلامية الصحيحة، وتستمد خصائصها العامة من الإسلام والعروبة، بكل ما تحمله هاتان الكلمتان من معان، وبين أهم خصائص المملكة في النقاط.. التالية:

1- المملكة العربية السعودية دولة إسلامية في المقام الأول، يحكم الإسلام جميع جوانب الحياة ومجالات العمل فيها باعتبارها مهبط الوحي ومنشأ الرسالة، وتقوم على خدمة المقدسات الإسلامية حيث تهفو إليها قلوب أكثر من مليار مسلم من جميع أنحاء المعمورة. وقد تشرف ولي الأمر فيها وأطلق على نفسه لقب (خادم الحرمين الشريفين) في إشارة مهمة إلى أن الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، والمدينة المنورة في القلب والعين من قائد المسيرة ومن الشعب السعودي كله.

2 - أنها دولة عربية عريقة في العروبة، وهي مركز الثقل في العالم العربي، وهي عضو بارز ومؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي تعمل كل ما في وسعها من أجل توحيد كلمة العرب والمسلمين وإصلاح ذات البين وإحياء روح التضامن الإسلامي.

3 - إنها دولة خليجية وعضو فعَّال في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي ترتبط مع جاراتها من الدول الخليجية والعربية الشقيقة بروابط خاصة.

4 - إنها دولة نفطية أولى تحتل مكان الصدارة في منظمة الأوبك، وبها ربع إحتياطي العالم من النفط وتوجه سياسة الطاقة توجيهاً متزناً، وبذلك فهي تعمل على تحقيق توازن في المصالح المشتركة بين الدول المنتجة والدول المستهلكة.

5 - أن القيادة والشعب معاً يتفقان على أن الواجب المحتم هو الأخذ بالإسلام والعمل به والدعوة إليه والتضحية في سبيله، وأن رفعة الأمة ومجدها وعزها كله في تمسكها بالإسلام في جميع نواحي الحياة، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، كما أنها تسخر كل إمكانياتها الإعلامية والمالية والتقنية في تأكيد طبيعة الإسلام المتزن المعتدل، وتعليمه والتعريف به للمسلمين أو لغير المسلمين، وأن الدعوة إلى الله فريضة محكمة، وسنة متبعة وضرورة قائمة إلى يوم القيامة، كما أن المملكة تأخذ بكل ما استحدثته العلوم والتقنيات المعاصرة من مختلف مصادرها ومواردها، وقد خطت خطوات جبارة في سبيل الاهتمام بالعلم والعلماء والعلوم الكونية وغيرها وربطها بالإسلام تدريساً وتأليفاً ومنهجاً لكي يكون العلم في خدمة الإنسان وسعادته.

6 - أنها عضو بارز فعَّال في هيئة الأمم المتحدة، وهي تعمل على تحقيق السلام والأمن العالميين بين الشعوب وفق ما يفرضه التصور الإسلامي، إذ إن الإسلام يدعو إلى سيادة السلام والأمان بين البشر في جميع أنحاء العالم، وهو سلام يقوم على العدل والمساواة واحترام الإنسان لأخيه الإنسان.

ثم عرج الباحث إلى النظام السياسي والحكم والشورى في المملكة بحكم كونها دولة إسلامية يحكم الإسلام جميع جوانب الحياة فيها، دستورها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، واستشهد بالوثيقة الأساسية للحكم والإدارة الصادرة عام 1345هـ من أن الدولة السعودية دولة ملكية شورية إسلامية، وهو ما أكده النظام الأساسي للحكم والصادر في 27-8-1412هـ، إذ جاء في المادة الأولى منه أن (المملكة العربية السعودية بلد عربية إسلامية)، وفي المادة السادسة منه (يبايع المواطنون الملك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره)، وفي المادة السابعة منه (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله وهي الحاكمة على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة)، وفي المادة الثامنة (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية).

ثم خَلُص الباحث إلى بيان أهم ملامح النسق الاجتماعي في المملكة والمستقية أنظمتها من أحكام الإسلام ومنها:

1- الأسرة نواة المجتمع السعودي ويُربَّى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولولي الأمر، وتقوم على أساس من الرضا والتعاون والتفاهم، فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، سواء بين الزوج وزوجته أو الآباء وأبنائهم وآبائهم. كما تحرص الدولة دائماً عبر وسائل رسمية وأهلية إلى تقوية أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها الإسلامية والعربية، ورعاية جميع أفرادها وتوفير الفرص المناسبة لتنمية قدراتهم ومواهبهم على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم.

2 - المساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع، إذ لا تفرق أنظمة المملكة بين رجل وامرأة في الحقوق الطبيعية لكل منهما مما يجعل المرأة في الدول الغربية تغبط المرأة في المجتمع السعودي الإسلامي، إذ إنها مصونة ومحترمة تعدل نصف المجتمع وهي التي تربي نصفه الآخر، هي الأم والأخت والزوجة والبنت.

3 - فيما يتعلق بالحجاب وعدم اختلاط الرجال بالنساء فقد استطاعت المملكة أن يكون لها أثر بارز في ذلك, فالحجاب هو سمة المجتمع السعودي وكذلك عدم الاختلاط سواءً في أماكن العمل أو الاحتفالات، أو غيرها من الأماكن التي يكون من السهل فيها اختلاط الرجال بالنساء. وقد برز هذا كله في التعليم ونظمه من مراحله الأولى وحتى النهائية، كل ذلك صيانة للمجتمع وللمرأة من كثير من الفتن والمصائب التي وقعت فيها بعض المجتمعات من جراء السفور والاختلاط. وهنا تعد المملكة نموذجاً للعالم كله في الحفاظ على صيانة الأعراض وتؤكد للبشرية كلها بأن هذا أصلح للعملية العلمية والتربوية.

ثم انتقل الباحث إلى صلب البحث وهو ضوابط الانفتاح الاجتماعي في المجتمع السعودي وضرورة الموازنة بين الثوابت والمتغيرات. وأوضح أن سنة الله في هذا العالم الحركة لا السكون، والإعمار لا الدمار، والتفاعل لا التخاذل والجمود، وعلى الرغم من أنها سنة كونية فإنها تؤكد لنا مطالب شرعية توجب علينا كمسلمين أن نُعَرِّف العالم بديننا، كذلك الاستفادة من غيرنا فيما لا يخالف شرعنا، ونؤكد بأننا لسنا دعاة انفتاح على ما يضر، ولا دعاة انغلاق عمَّا يفيد، واستدل بالجهد الذي بذلته وتبذله حكومة المملكة العربية السعودية للنهوض بقطاع التعليم، ويستطيع أيُّ منصف أن يدرك ذلك بنفسه من واقع استعراض سريع لتاريخ التعليم في المملكة، والوقوف على الوضع الراهن وعلى مبلغ التقدم الذي حققته في هذا القطاع المهم. ففي الفترة السابقة على اندلاع الحرب العالمية الثانية لم يكن للتعليم الرسمي وجود يذكر، علاوة على تفشي الأمية بشكل خطير يكاد لا يكون له نظير في أي مكان آخر في العالم، وكان سكان المملكة الذين حصلوا في ذلك الوقت على قسط من التعليم الرسمي الحديث يعدون ببضع مئات، ومع بداية الأربعينات بدأ الاهتمام بقطاع التعليم بإنشاء المدارس، وبلغ هذا الاهتمام أوجه وبصورة رسمية بإنشاء وزارة للمعارف عام 1373هـ في عهد الملك سعود - رحمه الله - وكان على رأسها الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله، وأخذت مدارس تعليم البنين تنتشر بسرعة هائلة مما قفز برقم المئات المذكور سابقاً إلى مئات الآلاف ثم الملايين بعد فترة وجيزة جداً، وهي فترة وجيزة بالقياس إلى عمر التطورات الاجتماعية الواسعة النطاق. وفي عام 1380هـ بدأ تعليم البنات، وقام بالإشراف على تنظيم تعليم البنات هيئة مستقلة أُطلق عليها اسم الرئاسة العامة لتعليم البنات. وأما التعليم الجامعي فقد انطلقت إشاراته الأولى بكلية الشريعة في مكة المكرمة، ثم كلية الشريعة في الرياض، ثم كلية اللغة العربية في الرياض، وفي عام 1377هـ بُدئ بإنشاء جامعة الملك سعود، ثم فيما بعد بدأت الدولة في الاهتمام بتعليم الكبار ومحو أميتهم. ولا شك أن هذا التطور السريع في مجال التعليم كانت له آثار كبيرة في حياة المجتمع بعد ذلك وإلى اليوم، ومن هذه الآثار:

1- برزت على السطح ظاهرة الهجرة إلى المدن فهاجرت نسبة كبيرة من العاملين في قطاعات الزراعة والرعي إلى العمل الوظيفي والإداري والمهني في المدن والمصانع الكبرى.

2 - أحدث التعليم تغيراً ملحوظاً في أوضاع المرأة سواء في نظرة المجتمع لها أو في نظرتها لنفسها، فأصبحت المرأة بعد التعليم قوة عصرية وقوة اقتصادية وقوة اجتماعية عن طريق نزولها ميدان العمل في أماكن بعيدة عن الاختلاط المحرم وتزايدت قدرتها على الإسهام في ميزانية الأسرة.

3 - كما أن التعليم قد أفاد المجتمع السعودي من ناحية قدرته على التعامل المباشر مع مستحدثات العصر في مجالات العمل والإنتاج والتقنية.



Dr-a-shagha@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد