Al Jazirah NewsPaper Friday  24/04/2009 G Issue 13357
الجمعة 28 ربيع الثاني 1430   العدد  13357
مركاز
نعناع المدينة
حسين علي حسين

 

منذ سنوات جلبت معي من المدينة المنورة، كيساً من الخيش، عبأته بجذور نعناع المدينة (حبق)، وقد غرست ما جلبته في حديقة المنزل، وبعد بضعة أيام بدأت البشائر - كما يقولون -، لكن النعناع كان غير النعناع الذي نعرفه ويعرفه كافة أهل المدينة، فذلك النعناع ورقته صغيرة وقصيرة ورائحته ليست نفَّاذة، أما الذي طلع لدينا فقد كانت ورقته طويلة ورائحته نفَّاذة، وهو صنف لم أتعود على استخدامه رغم أنني أفنيت عمري بعيداً عن المدينة المنورة، وقد سألت بعض أهلي من الفلاحين والمتعلمين فوجدت لديهم نفس النتيجة، وما ينطبق على النعناع الذي يزرع في أرض ليست أرضه ينطبق على العديد من المزروعات الورقية والفاكهة والتمور من تلك التي عُرفت بها المدينة المنورة، وهي أرض زراعية بامتياز قبل أن تغور آبارها وتجفف أراضيها ويحرق نخيلها لصالح العمائر والفلل والاستراحات!

هذا النعناع المديني الرقيق كان مثار لغط إعلامي واجتماعي شديد، بسبب باحث متسرع أفتى بأن هذا النعناع غير صالح للاستخدام البشري، بسبب احتواء ورقاته على مادة مسرطنة، تجعل من يستخدمه أكلاً أو شرباً معرضاً لهذا المرض الخطير، وقد أدت هذه الفتوى المستعجلة أُكلها سريعاً فانقطع رزق الفلاحين، الذين يزرعون النعناع، وتعطل من يسوِّقونه في الأسواق ومطار المدينة المنورة، والمدن المجاورة عن العمل، حتى خرج علينا من ينسف هذه الفتوى من أساسها لتطمئن النفوس ويعود عشاق هذا النبات إلى عشقهم، ويعود الفلاح إلى زراعته، والسؤال الآن لماذا نعناع المدينة بالذات كان مجالاً لهذه الفتوى.. ولم يكن نعناع مصر أو الشام أو دول المغرب العربي أو غيرها من المدن والدول التي تزرع هذه المادة العطرية، مع أن العديد من الدول يستخدم أهلها النعناع فعلياً فيُشرب مثل الشاي، وهو يستخدم مع الأكل وفي الأدوية والعلكة، له استخدامات متعددة، لو كان هؤلاء الناس في شك من أمره لأعلنوا هواجسهم!

نعناع المدينة المنورة ماركة مسجلة، فهو لا يُزرع في غير أرضها، ورائحته ذكية وليست حادة، وورقته رقيقة وناعمة، وهم يستخدمونه طرياً وناشفاً مع الشاي والأكل وعلاجاً لبعض الحالات المرضية، ومع هذا النعناع هناك العديد من المواد العطرية المشابهة التي اختصت بها المدينة، ولها أيضاً استخدامات متعددة، وأبرز هذه المواد: الدوش والورد والنوامي والعطرة وورق الليمون.. كل هذه المواد تعكس المزاج العالي والإقبال على الحياة وترف العيش لدى أهل هذه المدينة (الغزلة) - من الغزل - كما يصفها عمنا المرحوم محمد حسين زيدان.. ارفعوا أيديكم عن تراث المدينة!

فاكس: 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد