Al Jazirah NewsPaper Saturday  25/04/2009 G Issue 13358
السبت 29 ربيع الثاني 1430   العدد  13358

سكيرينه ..
عناوين ذكية لقصص قصيرة

 

قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف

(بنت الأعشى)

القصة القصيرة ما هي إلا صورة بلاغية أدبية تحكي ما يدور في ذهن القاص، وترمز إلى ما تكنه جوانحه، وتحويه مشاعره، والقاص الحقيقي هو من يدخل قصصه قفص القلب، فكما قيل ويقال: الحديث إذا خرج من القلب وقع في القلب، أما إذا خرج من غيره لم يجاوز الآذان، والقصة الحقة هي من تؤثر في متلقيها لأن منشئها يهدف من ورائها إلى زرع اليابس، ليحصد الأخضر حصاداً مثمراً يانعاً.

والقصة فن يمغر عباب النفوس، فتهز الشعور والإحساس كلما كان القاص بارعاً في رسم شخصيات قصصه، ولديه قدرة متمكنة من حبك هذه القصص فتبدأ قصصاً قصيراً شفافاً عذباً كالسلسبيل.

والقصص يحكي عبراً تاريخية أو صوراً اجتماعية أو محطات ثقافية، والقصص القصير لون من ألوان الأدب، له ذوق خاص به، لا يعرفه إلا من دفن رأسه في كتب الأدب، وما يستجد فيها، وهناك قصص اجتماعية أثبتت قوتها الفعالة في نفس متلقيها، وذلك لأن المنشئ يهدف من خلالها إلى هدف، ويرمي من وراءها إلى مرمى اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو الصحي أو أدبي أو في أي فن كان، أمامي قصص قصيرة يتجاوز عددها الثلاث عشرة قصة قصيرة، وناسجها هو الكاتب الأديب تركي بن إبراهيم الماضي - حفظه الله- وأنا أقرأ في الطبعة الأولى لعام 1428هـ، وهي قصص تلاحظ بها القدرة الذكية، والقريحة القصصية لا في حبكها ونسجها وتفاعل شخصياتها أو عقدها ثم أخيراً حلها، هذه القصص القصيرة تنتظم في عقد جميل اسمه قد أسلفته لك قبل قليل، وهو يوحي بمصداقية ما يدور في نفس منشئها، وعناوين هذا القصص جميلة جداً منها على سبيل المثال لا الحصر (تأبطا صحناً) و(مثل ظل يتلاشى) و(ملتفاً على وحدته) و(ممتداً بلا نهاية) و(غثاء السيل) و(ع ر ب).

وعلّ القارئ يلمح السلاسة الأسلوبية ويتذوقها ليترجمها فناً جديداً مبتكراً وسأنقل لك شيئاً منها: (تختلس النظر إلى القلم، وتتساءل بحسرة: لمَ لا أجرب قلماً سائلاً؟ ربما سيسهل ذلك من انطلاقة القلم في الكتابة، تتثاءب وتمني نفسك بأن تشتري غداً قلماً سائلاً، وسيلتك الوحيدة لأن تحلم بالكتابة عن أي شيء ولأي شيء تريد)، (... تمسك بالقلم، ويداك ترتجفان من الخوف أو من الهم أو من الجوع الذي يعتصرك منذ ساعات! تضع النقطة الأولى، الحمد لله أو الغيث قطرة، ولكن ماذا بعد ذلك؟ تمر دقائق وتعقبها دقائق أخرى في انتظار الغيث الذي لا يأتي!)، (العذاب حالة ذهنية، وعندما تسيطر فكرة التملك لمن تحب يصبح درب الضياع ممتداً بلا نهاية!)، (تبحث عن شيء يسليها حتى ألقت بمرساها أخيراً على شواطئ قلبي، التقت نظراتنا على خجل، ارتجفت يداها وسقطت المجلة على الأرض، لم تشعر بسقوطها كانت لا تزال تنظر بتردد تريد ولا تريد، باغتها ببسمة وليتني لم أفعل تلك كانت البداية)، (تغريني قصيدة شعر، فأبكي معها، وأظل سارحاً، نظري معلق على سقف الغرفة، أرى صوراً من الماضي، فأبكي مجدداً، أهرول إلى المرآة، أشاهد ملامح وجهي، هي نفسها، لم تتغير منذ سنوات، أشعر بالاكتئاب، وكالعادة أخرج من بيتي وأسير دون هدف، أتأمل نفسي وأعزيها، تمر بجانبي سيارة الشرطة يسألني الشرطي: ماذا تفعل في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟، (يستعيد تفاصيل ملامحها، وجه طفولي له رائحة الياسمين ثم يكتب جملته الأولى: الحب لا يولد من النظرة الأولى، الحب يسكن القلب في النظرة الأخيرة).

ويزين الكتاب جمال الإهداء ومدى تأثيره في النفس البشرية، ويعلمنا القاص أنه عشق فن القصة وهو يرفل في السادسة عشرة من عمره -زاده الله- في القصص جمال تعبير وحسن وصف وتشبيه بليغ ويتضح هذا في وصف القلم عند القاص، وتظهر سمة الحياء من روح القصص، وعناوين القصص فيها مزج بين التراث القديم، والأدب الحديث، الوصف في القصص بليغ وهو روح الأقصوصة وعمودها وذروة سنامها، كما أنك تحس وأنت ممعن في تلقف المادة بتذوق الكتاب والأقصوصات إلى الشعر والتلذذ به مثل التشرب والتذوق لشعر الشاعر (عمر أبي ريشة).

وختاماً:

فأدب القصص معبر عن مكنونات وكنوز النفس البشرية، كما يوغل في التعبير عن جوهرها مخترقاً بإشعاعاته القوية حواجزها وعوالمها الداخلية، هو أدب يتخذ من الخيال مسرحاً لشجوناته، وهذه القصص تمثل في طليعتها الأقصوصة السعودية الحديث، وتحفل القصص بمرتكزات لفظية جديدة، ودلالات صوتية مؤثرة، وخيالات عذبة رشيقة تنم عن تألق قصصي، وسمو أدبي.

متى كسبت رضاها لا تفارقها

ودع الرحيل لا تخطو ولا تعد

فالأنس في ساحها يغنى له تبعاً

وجه الزمان ويبقى ربنا الصمد

عنوان المراسلة:

ص ب 54753 الرياض 11524

فاكس 2177739

bent-alaacha@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد