Al Jazirah NewsPaper Saturday  25/04/2009 G Issue 13358
السبت 29 ربيع الثاني 1430   العدد  13358
المثقفون والكتاب يتحدثون لـ(الجزيرة) حول غياب مخرجات المؤسسات المعنية:
غياب خريجي التعليم الفني عن سوق العمل ينذر بالخطر !!

 

الجزيرة - سلطان المواش:

أكد عدد من الأكاديميين والكتّاب والاعلاميين أن غياب خريجي التعليم الفني والتدريب المهني في سوق العمل ينذر بخطر داهم للمجتمع، ويفاقم من أزمة ازدياد العمالة الأجنبية في المملكة وعزوف القطاع الخاص عن توظيف الشباب السعودي.

وأكد المثقون لـ(الجزيرة) أن العمالة الوافدة المؤهلة وغير المؤهلة التي لديها إقامة نظامية والمخالفين يكتسحون سوق العمل وسط غياب تام لمخرجات المؤسسات الوطنية المعنية بتدريب وتأهيل القوى البشرية؛ إلا أنهم أكدوا أن المتدربين السعوديين يبدو أنهم غير مقتنعين بالعمل في الحرف التي تدربوا عليها، وإنما يكفيهم من ذلك الحصول على المكافأة، ومن ثم الخروج للبحث عن وظيفة مريحة وثابتة.

وأشاروا بأن أعدادا كبيرة من الوافدين غير مؤهلين ويشغلون وظائف حكومية وأخرى في القطاع الخاص يمكن لأبناء الوطن أن يشغلوها غير أن أزمة الثقة لدى المواطن السعودي في كفاءة أبناء الوطن مع تواضع المخصصة لتلك الأعمال جعلت الشباب السعودي ينفر منها، بل أشار بعض المتحدثين لـ(الجزيرة) عن أن وزارة العمل لا يمكنها تنظيم سوق العمل ولا بعد (100 عام) وهذا ما يؤكده سوء التنظيم المنهجي لسوق العمل بالسعودية.

الكاتب السعودي عبدالله أبو السمح: إن سؤالكم عن الغياب شبه التام لخريجي التعليم المهني والتدريب الفني سؤال أثرته من قبل عشر سنوات أو أكثر في عدة مقالات لي، ومع ذلك لم أجد له جواباً مقنعاً أو شبه مقنع، غياب أثر مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني هو واحد من أهم معضلات النشاط التنموي في المملكة، وهو واحد من الأسباب الرئيسية والخطيرة في تفاقم أعداد العمالة الأجنبية فيها وفي عزوف القطاع الخاص من توظيف الشباب السعودي بسبب عدم تأهيله مهنياً أولا وعاشراً، ثم تأتي بقية الصفات السلبية الأخرى والتي يمكن معالجتها، التعليم الفني أنفقت عليه الحكومة المليارات منذ انشائه كمؤسسة مستقلة برئاسة وزير، والمفروض أن يكون عدد خريجيه بالآلاف يغطون بعض احتياجات البلد في مهن كالميكانيكا والكهرباء والنجارة والمحاسبة والمتوسطة.. إلخ. ولكن لضعف التدريب تسرب الخريجون إلى أعمال أخرى وما زال ضعف التدريب سارياً مستمراً، والعذر الذي يقال إن كون المؤسسة يسري عليها نظام الخدمة المدنية في الرواتب يصعب عليها التعاقد مع معلمين ذوي قدرات جيدة في التدريب وهي مضطرة للتعاقد مع معلمين محليين وسواهم من ذوي المؤهلات المتواضعة على قدر الرواتب المقررة ولهذا السبب صارت المؤسسة تتفق مع بعض رجال الأعمال في قطاعات معينة (كالسيارات مثلاً) فتنشئ لهم معاهد تدريب كاملة، وقطاع الأعمال يحضر له المدربين من ذوي الاختصاص من الشركات المنتجة، واعتبر هذا حلا لمأزق الرواتب الضعيفة، ولا شك أنه أمر مخجل واستمراره كذلك وكأن في إمكان المؤسسة عبر وزيرها الرفع للمقام السامي لجعلها مؤسسة مستقلة أو حتى تحويلها لشركة خدمات غير ربحية.

الأمر المحزن الآخر في الموضوع أن جهات المتابعة في الدولة لا تلتفت للموضوع، ولا تسأل ماذا تفعلون، وأخص بالذكر مجلس الشورى الذي من واجبه المساءلة المتكررة عن سبب هذا الضعف في المخرجات والنتائج, أقول لك الحق.. تمنيت لو أن بعض المحتسبة ممن يهمهم الإصلاح وتزعجهم حالة البطالة لدى الشباب لضعف تأهيلهم المهني أن يرفعوا دعوى في القضاء على مؤسسة التعليم الفني باعتبارهم مسؤولين عن هذا الضعف بدلاً من اشغالنا بإفساد الفعاليات الاجتماعية.

واكد الكاتب السعودي عبدالله عمر خياط أن العمالة الوافدة المؤهلة وغير المؤهلة، بل والتي لديها إقامة نظامية والتي لا إقامة لديها من المتخلفين يكتسحون الأسواق وسط غياب تام لمخرجات المؤسسات الوطنية المعنية بتدريب وتأهيل القوى البشرية، ومرد ذلك في تقديري لأن المتدربين في المؤسسات المعنية لم يقتنعوا بالعمل في الحرف التي تدربوا عليها، وإنما يكفيهم من ذلك الحصول على المكافأة و ومن ثم الخروج للبحث عن وظيفة وكرسي دوار إن تيسر، أو شراء سيارة من الشركات التي تبيع سياراتها بدون دفعة أولى وبأقساط تبلغ في مجموعها ضعف القيمة الأساسية للسيارة التي يأخذها الشاب (ليلقط) رزقه من الشوارع أو يسرح بها معاكساً ثم يدوخ السبع دوخات من أجل تسديد الأقساط التي غالباً ما يعجز عن الوفاء بها فيكون مصيره السجن!

ومن المهم عمل برامج توعية من المراحل الابتدائية والمتوسطة وفي المعاهد الفنية والصناعية يشرف العمل في الحرف المختلفة التي كان أهلنا جميعاً يمارسون العمل فيها وشاهدي على ذلك أن معظم العوائل بأسماء مهنهم كعائلة، النجار، والسباك والجزار، والخياط، والصباغ، والدباغ، والبناء، واللبان، والسمكري.. الخ.

واضاف ويوم يقتنع الشباب بأن الشهادة الجامعية ليست هي مفتاح الرزق الوحيد وأن من الحرف ما يحقق دخلاً اكثر وأكبر من دخل الأستاذ الجامعي عندئذ لن يجد الوافد مجالاً للعمل لأن ابن البلد الذي يعيش الآن عاطلاً سيشغل تلك المهن الحرفية والتي يجب أن يقتنع بها المجتمع وليس الشاب فقط؛ لأن المشكلة التي تحول بين الشباب وبين العمل بهذه المهن الحرفية أنه لو تقدم لخطبة زوجة له وقال أنه حرفي لرفضته عائلة العروس، في حين أنهم لو علموا أن دخله أكبر وكأكثر من دخل أستاذ الجامعة لما ترددوا عن الموافقة.

ولذا؛ فإن الحل هو في شن حملة واسعة وبمختلف المراحل وفي كافة الوسائل لتأكيد أهمية النفع للوطن والمواطن بممارسة المهن الحرفية.

من جانبه، أوضح الكاتب ورئيس تحرير جريدة عكاظ سابقاً الدكتور هاشم عبده هاشم بأنه ليست لديه إحصاءات أو أرقام معتمدة في الوقت الراهن تؤكد أن العمالة الوافدة المؤهلة أو غير المؤهلة تكتسح سوق العمل السعودي وسط غياب شبه تام لمخرجات المؤسسات المعنية بالتدريب في المملكة (كما ورد في سؤالك).. ولكنّ الملحوظ هو أن هناك أعداداً كبيرة من الوافدين غير المؤهلين يشغلون وظائف حكومية وأخرى في القطاع الخاص يمكن لأبناء الوطن أن ينهضوا بها..

أما كيف يحدث هذا.. فلأن أزمة الثقة في كفاءة المواطن السعودي.. وتواضع المرتبات المخصصة لتلك الأعمال.. وتركيبة المواطن السعودي النفسية التي لا تقبل بما يقبل به المتعاقد تقف وراء هذه الحال.. ولابد من معالجة هذه الأمور من قبل الجهات المعنية بالإضافة إلى المؤسسة العامة للتعليم التقني أو مراكز التدريب والتأهيل الخاصة المعتمدة.. لأن أكثر هذه العوامل له ارتباط بالكوادر الوظيفية وبالحقوق.. وكذلك بالتربية والسلوك المجتمعي العام.

وأضاف.. علاوة على هذا فإن خطط وبرامج التعليم الفني وآليات استثمار مخرجاته ما تزال بحاجة إلى مراجعة وتطوير سواءً في جانبها التأهيلي أو الإداري والتنظيمي أو المهني.. لأنّ قناعة المجتمع بمؤسساته المختلفة وبمخرجاته مازالت دون المطلوب..

وتمنى د. هاشم عبده هاشم أن يركز التعليم المهني على الجوانب التطبيقية بعيداً عن الجوانب النظرية، وأن تكون لدى المؤسسة الإمكانات الفنية اللازمة وكذلك العلاقة بمؤسسات العمل وقطاعاته وشركاته للاستفادة من إمكاناتها في تدريب وتأهيل المنتسبين إليها.

وقال: أتمنى أن تتوافر لها القدرة على مراقبة المعاهد والمراكز الأهلية التي لا يتوافر بها الحد المطلوب من التدريب والتأهيل.

وأتمنى كذلك أن يتجه التعليم الفني والمهني إلى علوم التكنولوجيا والتقنية العالية والحاسبات ومجالات الهندسة المتقدمة.. وأن تتم بينها وبين الخبرات الموجودة في البلد نقاشات للعصف الفكري الدائم بهدف تطوير مستوى هذا النوع الهام من التعليم والتأهيل.. وإخراجه من نطاقه التقليدي إلى نطاق العمل الجاد لاكتساب الخبرات العلمية والتطبيقية العالية والوافية.

وقال أ. خالد الفريان، باحث اقتصادي، في مشاركته: أشكر لجريدة الجزيرة طرح هذا الموضوع الهام والحيوي، واستضافتي للتعبير عن وجهة نظري في الموضوع، الذي يمثل هما فكرياً واجتماعياً، وأهم رسالة أتمنى أن تصل، عبر هذا التحقيق، للقارئ، وللمسؤولين في المملكة عن هذا الملف الشائك، هي: أنه حتى يتم تشخيص المشكلة بالشكل الموضوعي الصحيح، فإنه عند الحديث عن العمالة الأجنبية في المملكة فإننا منذ البداية، يجب أن نوضح عن آية عمالة نتحدث، ومن أية زاوية ننظر ونحلل، فهناك فرق جوهري بين فئات العمالة الأجنبية الموجودة في المملكة، إذ لا يعقل أن ننظر إلى شخص يقيم في (البطحاء) دون إقامة نظامية، وقد يرتكب كل المخالفات، وجاء للبلد بسبب انتشار (تجارة التأشيرات)، أو شخص تخلف عن العودة بعد الحج والعمرة، بشخص آخر مقيم بشكل نظامي تحتاجه البلاد وتحتاجه التنمية، سواء كان ممرضا أو فنيا أو محاسبا (فضلا عن الأطباء والمهندسين والمستشارين....).

مع وجود صورة ذهنية سلبية عن (الوافد) الذي تصفه بعض وسائل الإعلام المحلية غالباً بالصفات السلبية المرتبطة بالتزوير والمخالفات والغش، دون أن نقرأ عن (وافد) قدم خدمة للبلاد، رغم أن (الوافدين) يمثلون نحو ثلث المجتمع، ويحتل الكثير منهم مواقع مهمة في البنوك والمستشفيات والجامعات وفي أهم الشركات في البلد، ويجب أن يكون هناك انتماء من قبلهم للبلد الذين يعملون فيه، والمجتمع الذين هم جزء منه.

وأضاف: ومن الخطأ النظر إلى أن وجود العمالة الأجنبية هو أمر سلبي في المجمل دون تفريق بين تلك الفئات، ودون تحديد الزاوية التي ننظر منها إلى هذه العمالة، فهناك جوانب عديدة للنظر إلى القضية، منها الإنساني والفكري والاقتصادي والأمني والاجتماعي، ومنها ما يتعلق بعلاقة مشكلة العمالة الأجنبية بمشكلة الفقر والبطالة.

وحول ضرورة تنظيم سوق العمل في المملكة, قال الفريان: من وجهة نظري لو قامت بتنظيم سوق العمل بشكل عام، بطريقة منهجية، وبالاستفادة الصحيحة من التجارب الدولية، فإنها سوف تحل إشكالات العمالة الأجنبية، ومشكلة البطالة والفقر في البلاد، التي من المستغرب أن تبقى رغم ما نمتلك من دخل هائل يمكن أن يساعد على تنفيذ العديد من الحلول بشكل سريع، لو توافر التفكير المنهجي، والعمل المؤسسي المنظم، بعد أن توفرت الإرادة السياسية نحو الإصلاح التي يقودها خادم الحرمين الشريفين والتنظيم الإداري الذي يقوده سمو ولي العهد.

وحول أين يكمن الخلل في تنظيم سوق العمل؟

- قال: في تقديري أن ملف سوق العمل في المملكة هو ملف ضخم جدا، لم نوفق حتى الآن في التعامل معه بالشكل الصحيح، سواء على الصعيد الرسمي والتنظيمي، أو على الصعيد الاجتماعي والإعلامي.

وأشير هنا إلى الصعيد الرسمي والتنظيمي، دون تناول التفاصيل والحلول الجزئية والمقترحات النظرية، التي كلي ثقة بأن وزارة العمل سمعتها كثيرا، وقد تكون فكرت فيها كثيرا، وقد تكون اقتنعت بوجاهة بعضها، لكنها لم تطبقها لصعوبة ذلك على أرض الواقع، أو بسبب ارتباط هذه المقترحات والحلول بقوى اجتماعية معينة، أو بجهات أخرى أقوى من قدرات وصلاحيات الوزارة، دون أن تعترف وزارة العمل صراحة بذلك، وعدم الاعتراف هذا يمكن تصنيفه من زاوية معينة بشجاعة من الوزارة في محاولة التصدي وحدها للمشكلة، ويمكن تصنيفه من زاوية أخرى بأنه يعيق خطوات التوصل للحل الشامل الصحيح.

وفي كل الأحوال أعتقد أنه من الظلم، والخطأ التنظيمي الإستراتيجي أن تتحمل وزارة العمل وحدها كل ما يتعلق بتنظيم سوق العمل، بكل تشعباته وتعقيداته وتداخلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتأثيراته على بيئة أداء الأعمال في البلد، وعلى مشكلتي الفقر والبطالة الرجالية والنسائية.

ووزارة العمل وحدها لن تستطيع تنظيم سوى العمل بالشكل الصحيح وحل مشكلة البطالة الرجالية والنسائية بكافة أشكالها حلاً شاملاً (عملياً) ولا بعد100عام! دون أن يكون لعدة جهات أخرى دور جوهري في هذا الحل، ودون أن تعي تلك الجهات أنها مسؤولة مسؤولية دينية وتاريخية ووطنية كبرى عن ذلك، وأهمها المجلس الاقتصادي الأعلى ووزارة المالية ووزارة الداخلية ووزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام والغرف التجارية وغيرها من جهات.. بينما الملاحظ أن اللوم يقع فقط على وزارة العمل وكأن هذه الجهات لا علاقة لها بالمشكلة غير الدعاء لوزير العمل بأن يكون الله في عونه، دون أي شعور بالذنب!.

* الحلول المقترحة لتنظيم سوق العمل في المملكة؟

- من وجهة نظري أن الخطوة الأولى لتنظيم سوق العمل في المملكة بطريقة منهجية تستوجب وجهة نظري لحل المشكلة على المدى الطويل):

إعداد برنامج وطني شامل لتنظيم سوق العمل في المملكة بما في ذلك موضوع الأجانب في السعودية، الذين يمثلون نحو ثلث المجتمع، ونحو نصف الأيدي العاملة، بكل تشعباته الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، والتعامل مع مشكلة البطالة في السعودية المرتبط عضويا - من وجهة نظري - بإشكاليات العمالة الأجنبية.

وبحيث تشرف لجنة وزارية عليا على إعداد هذا البرنامج وفقا لإطار زمني محدد، لا يزيد عن سنة، وذلك بإشراف على منهجية العمل من قبل جهة أو اثنتين من الجهات الأكاديمية المتميزة في السعودية، مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومعهد الإدارة العامة.

وبحيث يتم تنفيذ البرنامج من قبل مختلف الجهات كل فيما يخصه، ويمكن هنا اقتراح أن يكون لمجلس الشورى دور جوهري في متابعة التنفيذ، بموجب تقارير ترفع له دوريا من كل جهة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد