Al Jazirah NewsPaper Saturday  25/04/2009 G Issue 13358
السبت 29 ربيع الثاني 1430   العدد  13358
من معاني الأمن الفكري في السنة النبوية
د. محمد بن عدنان السمان

 

(إن تنشئة أبنائنا وبناتنا على حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتباطهم بها سيكون له أثر كبير بمشيئة الله في فهمها وتطبيقها وحمايتهم من مزالق الهوى وانحراف الأفكار)، هذا ما تحدث به صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في حفل مسابقة الأمير نايف بن عبدالعزيز لحفظ الحديث النبوي في دورتها الرابعة.

إن مصطلح الأمن الفكري مصطلح محدث، بمعنى أنه لم يرد في القرآن أو السنة المطهرة، ولم يكن متناولاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المعاني الكبيرة التي يشتمل عليها مفهوم الأمن الفكري كانت مندرجة في مجموعة من أحاديث وخطب النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكننا أن ندرك ذلك من خلال استقراء بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالمستقرئ لما صح نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأحاديث يجد أن من معاني الأمن الفكري وتعزيزه، وحمايته التي يمكن التأكيد عليها ما يأتي:

1- التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عصمة من الضلال والانحراف، قال صلى الله عليه وسلم: (وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله).. رواه مسلم، وفي رواية صحيحة: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر في خطبه - تأكيداً على هذا المعنى- من قوله: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد).. رواه مسلم.

فالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما أصلا منهج التلقي، والتمسك والاعتصام بهما كفيلان -بإذن الله- لحماية الفرد والمجتمع في أمنه وفكره.

2 - التحذير من البدع والمحدثات في الدين، وهذا معنى آخر للأمن الفكري الذي تضمنته خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، والمشار إليها قريباً: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)، فبعد أن أمر بالاتباع نهى عن الابتداع، وجاء عند الإمام ابن ماجة بسند صحيح في خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وفيها: (ألا وإياكم ومحدثات الأمور فإن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).

والمراد بقوله (كل بدعة ضلالة): ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام، كما ذكر ذلك الإمام ابن حجر -رحمه الله-.

والابتداع في الدين آفة خطيرة، تهدد الأمن الفكري في المجتمع، وتصيب أصحابه بأنواع من الاضطراب في التفكير، لأن البدعة (مردَّها إلى استحسان العقول، لا اتباع النصوص)، وهذا هو مكمن الخطر في النوع من التفكير الذي يودي بصاحبه إلى المهالك.

3 - طاعة ولي الأمر ولزوم جماعة المسلمين: وطاعة ولاة أمر المسلمين من المسائل العقدية المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة، يؤكدون عليها، ويقررونها، لبالغ أهميتها، وعظم شأنها، حيث لا تنتظم مصالح العباد في دينهم ودنياهم إلا بالسمع والطاعة لمن ولاه الله أمرهم، فيما ليس فيه معصية لله عز وجل، ومن هنا كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، حيث جاء في إحدى خطبه قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبداً: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم...) رواه أحمد بسند صحيح.

وهذان الأمران، أعني - طاعة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة - لهما تأثيرهما الكبير على الفرد والمجتمع، والإخلال بهما، أو بأحدهما يؤدي إلى عدم استقرار الأمن بجميع صوره.

4 - الأمن من مطالب المسلم وغيره في هذه الحياة الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمناً في سربه - أي في جماعته بين أهله وعياله- معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت - أي جمعت - له الدنيا بحذافيرها).. رواه الترمذي بسند حسن.

5 - بيان أثر الدعاء، في تحقيق الأمن الفكري: الدعاء سلاح عظيم، له أثر كبير في تعزيز الأمن الفكري والحفاظ عليه، كيف لا، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو المسدد بالوحي، كان من دعائه في قيامه لليل سؤال الله الهداية للحق، سُئلت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ فقالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: (فقال: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).. رواه مسلم.

6 - النهي عن الغلو في الدين، قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والغُلوّ، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ).. رواه أحمد بسند صحيح، فالغلوّ مشاقّةٌ حقيقيّة لهديِ الإسلام، وإعراضٌ عن منهجِه في الوسطيّة والاعتدال والرّحمة واليُسر والرِّفق.

7 - الحثّ على لزوم العلماء الموثوقين والأخذ منهم: إن من أعظم أسباب انحراف أصحاب الفكر الضال، الجهل والعزلة عن المجتمع وعدم أخذ العلم من أهله، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبضه بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).. أخرجه البخاري ومسلم.

8 - بيان المنهج الشرعي في حفظ الدماء المعصومة:

- حفظ النفس: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه مسلم.

- حفظ النفس المسلمة: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة).. (متفق عليه، رواه البخاري، ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه).. رواه مسلم.

- حفظ النفس المعصومة: وهم على أقسام، المستأمن وهو الذي يدخل بلاد المسلمين بأمان منهم لأداء مهمة ثم يرجع إلى بلده بعد إنهائها.

والمعاهد الذي يدخل تحت صلح بين المسلمين والكفار، وهذا يؤمن حتى ينتهي العهد الذي بين الفئتين، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه، كما لا يجوز له أن يعتدي على أحد من المسلمين والذي يدفع الجزية للمسلمين ويدخل تحت حكمهم.

والإسلام يكفل لهؤلاء الأنواع من الكفار الأمن على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ومن اعتدى عليهم فقد خان الإسلام واستحق العقوبة الرادعة.

قال صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً).. رواه البخاري.

9 - الإسلام دين الوسطية والتيسير، قال صلى الله عليه وسلم: (يسِّروا لا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا).. رواه البخاري ومسلم، وفي الصحيحين أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما خُيِّر رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه...) الحديث.

اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمرنا، ووفقنا لما تحب وترضى.

- المدير التنفيذي لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد