Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/04/2009 G Issue 13359
الأحد 01 جمادى الأول 1430   العدد  13359
اما بعد
الناس كإبل مئة
عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

 

بعد أن يترجل أحد المسئولين عن الجهاز الذي يديره، ويكلّف آخر بمهمات الجهاز، يهلّل البعض ويستبشر، وتُصاغ في القادم أجمل العبارات ترحيباً وتمجيداً، ويعد مقدمه الكريم بمثابة النصر المبين، وتبدو على المترجل علامات الانكسار ويُنسى، ويا ليته يكتفى بنسيانه، وإزاحته من الذاكرة بعد أن كان ملء السمع والبصر، بل تُكال التهم ضده، وعبارات التشكيك في قدراته الإدارية، ويكشف عمّا عجز عن تحقيقه في مجال إدارة عمله، وكأنه يمتلك عصا سحرية أحجم عن توظيفها في نيل المرام، وبلوغ الغايات.

هذا نهج كريه لئيم، تواتر أكثر من مرة، وصار المتابع يستنتج بكل وضوح أنه بمجرد ترجل السلف، ومجيء الخلف (المسئول الجديد)، تعقد الآمال العراض، وتُكال عبارات الترحيب، وتُصاغ المدائح، وينقلب المرجفون على المترجل، ويتخلون عن المروءة والعدل في تقويم عمله، وإنصاف جهده.

ولهذا وغيره من الأسباب، لم تعد المناصب مغرية، ولم تعد مرحباً بها من العقلاء الجادين الذين يهتمون للعمل ويحرصون عليه أكثر من اهتمامهم بالمنصب، وغدا ينطبق على المناصب مقولة: (ما يساوي خيرها شرها) والسبب عدم إدراك العامة لحقائق الواقع ومعوقاته، وتحديات تلبية المستلزمات والاحتياجات، ومع هذا يحمل المسئول تبعات التقصير والإخفاق، وفي الوقت نفسه يناله الكثير من الذم والقدح، والقيل والقال من محبي أكل لحوم البشر في المجالس والمنتديات.

وعطفاً على المعوقات والتحديات ينبئ الواقع عن ندرة في الرجال الأكفياء الذين يمتلكون القدرة على تحديد الرؤية الصائبة لتجسير الفجوة بين معوقات الواقع وتحدياته، وآمال المواطن وطموحاته.

يروى عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تجدون الناس كإبل مائة، لايجد الرجل فيها راحلة).

الرجال بخصائهم الجسمية كثيرون، وبسماتهم الظاهرة يبهرون، والناظر يسر من حسن المظهر، وأناقة المنظر، وهذا لا يكفي، إذ لا بد أن يتكامل مع هذا الحسن والأناقة ويعضدهما معرفة وخبرة في المجال الذي سوف يتسنم المكلّف بمهماته، وإدارة شئونه، فالمعرفة العلمية، والخبرة العملية، مطلبان رئيسان لإنجاز الأعمال وإدارتها بكفاءة ونجاح، وإذا فقدتا أصبحت حال (المكلّف الأنيق) كحال الشيخ المعمم الذي دخل على الإمام أبي حنيفة رحمه الله وهو في حلقة بين تلاميذه في مسجد ببغداد، وكان الإمام يتحدث عن وقت صلاة الصبح، حيث قال: إن من صلى بعد طلوع الشمس فصلاته قضاء، فسأل الشيخ المعمم وإذا لم تطلع الشمس، ضحك التلاميذ عدا الشيخ والإمام الذي قال: آنى لأبي حنيفة أن يمد قدميه.

حتماً ستزداد الحال بؤساً، إذا كلّف أمثال هذا الشيخ، بمهمات تتطلب كفاءة شخصية، ومعرفة علمية، وخبرة عملية، وصاحب هذا تضييع للبوصلة التي تهدي إلى بلوغ الغايات، التي يفترض أنه صيغ لبلوغها خطط ذات رؤية واضحة وبرامج محددة بنيت في ضوء سياسات وإستراتيجيات محدد المراحل والكلفة.

وإلى أن لا يكلف أمثال من يسأل: (... وإذا لم تطلع الشمس) بسبب عدم معرفته العلمية، وخبرته العملية بواقع حال الميدان الذي سوف يخوض غماره، وإلى أن تسير الأعمال في ضوء سياسات واقعية، وخطط محددة، فعلينا أن ننتظر المزيد من الإحباط، والدوران في الحلقات المفرغة.



Ab_moa@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد