Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/04/2009 G Issue 13359
الأحد 01 جمادى الأول 1430   العدد  13359
السبيل إلى الخروج من معضلة التبت
روبرت بارنيت

 

مرت الذكرى السنوية الخمسين للانتفاضة الفاشلة التي قام بها أهل التبت ضد الحكم الصيني في عام 1959 دون احتجاجات ضخمة. ولكن لإبقاء أهل التبت بعيداً عن الشوارع اضطرت حكومة الصين إلى إغراق هضبة التبت بالكامل بقوات الأمن واحتجزت مئات الأشخاص سراً في سجون مجهولة. والواقع أن هذه التحركات تشير إلى أن التبت أصبحت تشكل بالنسبة لحكام الصين هَمَّاً متعاظماً خطيراً لم يجدوا حتى الآن وسيلة للتعامل معه دون الأضرار بموقفهم في التبت وفي مختلف أنحاء العالم.

قبل عام واحد كان المفكرون الصينيون والغربيون يتنافسون في تفسير الاهتمام الشعبي بالتبت باعتباره خلطاً طفولياً بين ما يحدث الآن في التبت وبين الفردوس الخيالي في فيلم عام 1937 الأفق المفقود Lost Horizon. ولكن بعد أكثر من مائة وخمسين احتجاج في التبت ضد الحكم الصيني على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، فلم تعد المخاوف بشأن المنطقة وهمية على الإطلاق. بل إن التبت قد تحل قريباً في محل تايوان باعتبارها عاملاً مؤثراً في الاستقرار الإقليمي وقضية مهمة في العلاقات الدولية. إن المناطق التي يقطنها أهل التبت تغطي ربع مساحة الصين؛ ولا شك أن وضع مثل هذا القسم الضخم من البلاد تحت السيطرة العسكرية وعزله عن العالم الخارجي من شأنه أن يضعف من حجج الحزب الشيوعي في المطالبة بالشرعية الدولية ووضع القوة العالمية العظمى.

كانت الاحتجاجات التي اندلعت في العام الماضي هي الأضخم والأوسع انتشاراً في التبت على مدى عقود من الزمان، وكان من بين الذين شاركوا فيها البدو الرُحَّل، والمزارعون، والطلاب، الذين من المفترض نظرياً أن يكونوا الأكثر عرفاناً بجميل الصين التي حدَّثَت اقتصاد التبت. لقد حمل العديد من المحتجين علم التبت الوطني المحظور، في إشارة إلى أنهم يعتبرون التبت دولة مستقلة كما كانت في الماضي. وطبقاً للتقارير فقد أحرق المحتجون حوالي عشرين مكتباً حكومياً. وفي إحدى الحالات تعرض مهاجرون صينيون للهجمات، الأمر الذي أسفر عن مقتل ثمانية عشر شخصاً. ومن الصعب ألا ننظر إلى هذه الأحداث باعتبارها تحدياً لحكم الصين.

ولكن الحكومة ردت بإلقاء المسؤولية عن المشكلة على التحريض الخارجي، وأرسلت المزيد من القوات، وأخفت التفاصيل الخاصة بعدد المحتجين المتوفين، وأصدرت حكماً بالسجن مدى الحياة ضد أحد العاملين في مجال مكافحة مرض نقص المناعة البشرية المكتسبة (الايدز) والذي كان قد نسخ بصورة غير مشروعة اسطوانات مدمجة قادمة من الهند، ولأشهر عديدة منعت الحكومة الصينية الأجانب والصحافيين من الدخول إلى هضبة التبت. وفي شهر نوفمبر - تشرين الثاني سخر مسؤولون صينيون في بث مباشر على شاشات التلفزيون الوطني من الاقتراحات التي طرحها بعض زعماء التبت المنفيين للتفاوض مع الحكومة الصينية. بل لقد ألغت الصين اجتماع قمة مع زعماء أوروبيين بسبب لقاء تم بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والدلاي لاما، ودأب المسؤولون الصينيون على إطلاق وصف الإرهابيين على أهل التبت.

في الثامن والعشرين من مارس - آذار اضطر أهل التبت إلى الاحتفال بيوم (تحرير العبيد) للمصادقة على تفسير الصين للاستيلاء على التبت قبل خمسين عاماً. ولكن مصطلحات الصراع الطبقي هذه تذكر الناس بالثورة الثقافية، ولأن هذه اللغة لا يمكن تصورها في الأقسام الداخلية من الصين اليوم، فإن هذه المصطلحات تجعل التبت تبدو أكثر انفصالاً.

ورغم أن كلاً من الطرفين يزعم أنه على استعداد للتفاوض إلا أنهما يمارسان لعبة المقاصد المتعارضة: فيقول المنفيون إن المحادثات لابد وأن تقوم على مقترحات الحكم الذاتي التي تقدموا بها، بينما تقول الصين إنها سوف تبحث فقط (الوضع الشخصي( للدلاي لاما أين سيقيم في بكين إذا ما عاد إلى الصين. وتستمر المشاحنات الجوفاء، فيصف الدلاي لاما مؤخراً حياة أهل التبت تحت حكم الصين بالجحيم على الأرض. يكاد يكون من المؤكد أنه كان يشير إلى الحياة أثناء سنوات حكم ماو وليس الحياة في الوقت الحاضر، ولكن تعليقاته مكنت الصين من شن المزيد من الهجمات الإعلامية ورفع حرارة المواجهة السياسية.

لقد اتُهِمَت الحكومات الغربية بالتدخل، ولكن ليس من المحتمل أن تكون أي من هذه الحكومات راغبة في تخريب علاقاتها بالصين، وخاصة أثناء أزمة اقتصادية طاحنة. ففي شهر أكتوبر - تشرين الأول الماضي كان وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند حريصاً على الحفاظ على العلاقات الودية بالصين إلى الحد الذي كاد معه يندد باعتراف أسلافه بالحكم الذاتي في التبت قبل مائة عام. بيد أن المخاوف الأجنبية فيما يتصل بوضع وصاية الصين على التبت مفهومة إلى حد كبير: ذلك أن التبت تحتل موقعاً استراتيجياً مرتفعاً بين القوتين النوويتين الأعظم أهمية في آسيا. وترسيخ الحكم الرشيد على هضبة التبت يصب في مصلحة الجميع.

تستطيع الصين أن تساعد في تخفيف حدة التوترات المتنامية بالاعتراف بأن هذه المخاوف معقولة. ويستطيع الدلاي لاما أن يقلل من لقاءاته بمسؤولين أجانب وأن يُقِر بأنه على الرغم من إضعاف الصين للحياة الثقافية والدينية في التبت بصورة عامة إلا أن بعض جوانب الثقافة التبتية (مثل الفن الحديث والأفلام والأدب) ما زالت تتمتع بصحة طيبة نسبياً. وربما يتقبل المراقبون الغربيون تأكيدات المنفيين بأن مقترحاتهم بشأن الحكم الذاتي قابلة للتفاوض ولا تشكل الحد الأدنى للمطالب، بدلاً من إدانتها حتى قبل أن تبدأ المحادثات.

إن كافة الأطراف قد تستفيد إذا ما انتبهت إلى موقف اثنين من المسؤولين التبتيين في الصين، اللذين تجرءا على التحدث بصراحة في الشهر الماضي. ففي حديث إلى صحيفة زاوباو السنغافورية قال حاكم متقاعد من كاردز: (يتعين على الحكومة أن تتحلى بقدر أعظم من الثقة في شعبها، وخاصة الرهبان التبتيين)، كما اعترف حاكم التبت الحالي بأن بعض المحتجين في العام الماضي (كانوا غير راضين عن سياساتنا)، بدلاً من وصفهم بأعداء الدولة. وكان ذلك بمثابة أول إقرار من داخل الصين بأن بعض السياسات الصينية ربما كانت مرتبطة بالاحتجاجات الأخيرة.

كان الحزب حتى الآن يتبع استراتيجية أكثر تقليدية: ففي الأسبوع الماضي أرسل الحزب وفداً من المسؤولين الرسميين إلى الولايات المتحدة (وهو أول وفد مؤلف من تبتيين فقط وهي الحقيقة التي ربما شعروا بالحرج من الاعتراف بها) وجعل رئيس الوفد شينجتسا تنزين شويداك يخبر الصحافيين هناك بأن أهل التبت يتمتعون بالحرية الدينية.

بيد أن هذا غير صحيح، كما يعلم جيداً كل من عمل في التبت مؤخراً: فمنذ عام 1996 على الأقل حُرِم كل التبتيين العاملين لدى الحكومة وكل الطلبة التبتيين في التبت من ممارسة أي شعائر دينية بوذية، رغم أنه من غير المشروع بموجب القانون الصيني منع الناس من ممارسة شعائر ديانة رسمية.

إن الحكومة الصينية قادرة على تحسين هذا الوضع بين عشية وضحاها بمجرد إقالة الموظفين الرسميين المسؤولين عن مثل هذه السياسات غير القانونية، والاعتذار لأهل التبت بسبب تغاضيها عن هذه الانتهاكات لمدة خمسة عشر عاماً. ومن الممكن أن تبدأ الحكومة الصينية بإعادة تقييم سياساتها في التبت بدلاً من فرض المزيد من الضوابط ونشر المزيد من الادعاءات. وحتى ذلك الحين فسوف تظل المساعي التي تبذلها الصين للفوز بالاحترام الدولي غير مجدية، ومن المرجح أن تظل التبت على أجندة السياسة الخارجية العالمية.

***

روبرت بارنيت مدير برنامج دراسات التبت الحديثة بجامعة كولومبيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project - syndicate.org
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد