Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/04/2009 G Issue 13359
الأحد 01 جمادى الأول 1430   العدد  13359
شيء من
تجار الوهم والطب الشعبي!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

ما يسمّى بالطب الشعبي لدينا أصبح مجالاً واسعاً للشعوذة واستثمار الوهم. في السابق كان هناك سبب نفسي عندما يذهب المريض إلى طبيب شعبي، فيحاول قدر استطاعته أن يشخص مرضه، وينصحه بعلاج مما هو متاح في ذلك الزمن. الآن، وبعد ثورة الطب الحديث، والمنجزات الكبيرة التي وصل إليها العلم، يصبح كل من يعتقد أنّ في الطب الشعبي ما يُغنيه عن الطب الحديث (مغفل)، ولا أجد صفة أدق من وصفه بهذه الصفة.

وكثيراً ما يستغل المشتغلون في بيع الوهم وتسويق الطب الشعبي حب المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم واقتدائهم به وبكتب السلف واجتهاداتهم، فيمررون اجتهاداتهم الشعبية المتوارثة على اعتبار أنها من (الطب النبوي)، مستندين على أنّ بعض علماء السلف وصفها بهذا الوصف.

هنا يجب أن نفرق بين (الطب في عصر النبوة) كمفهوم، وبين ما يسمّى (الطب النبوي) كمفهوم مختلف. الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام تداوى، وأمر بالدواء، وحثّ عليه. أن نعتبر العلاج الذي كان يتداوى به الرسول في عصره بمثابة (الهدي النبوي) الذي يجب أن نقتدي به، ونتمسك بمفاهيمه تمسكنا بأوامره صلى الله عليه وسلم ونواهيه، فيه تحميل للأمور ما لا تحتمل، وتضليل للعامة، قد ينتهي بهم إلى ما لا تحمد عقباه. أن تقتدي بهديه عليه أفضل الصلاة والسلام فيما يتعلق بالعقيدة، وبما نص عليه الشرع الحنيف، شيء، وأن تتبع ما كان يمارسه في حياته ومعيشته كأي إنسان شيء آخر. طب عصر النبوة هو الطب المتاح في ذلك الوقت، قيمته مرتبطة بعصره، ولا يعني ذلك أنه صالح لكل زمان ومكان. أن تجعل أدوية ذلك العصر صالحة لكل زمان ومكان، ولها قدسية، لمجرّد أنّ الرسول تداوى بها، أو أوصى بها أبناء زمنه، هو (تعسف)، قبوله يحتاج إلى دليل.

يقول ابن خلدون في المقدمة: (الطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب. ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجُبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل. فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب، ولا غيره من العاديات. وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع فقال: أنتم أعلم بأمور دنياكم. فلا ينبغي أن يحمل شيء من الذي وقع من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع فليس هناك ما يدل عليه).

وقد أورد الدكتور الطبيب خالد منتصر رأياً نسبه إلى الدكتور عبد المنعم النمر يقول فيه: ( ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الزراعة والطب والطعام، وما يحبه الرسول وما يكرهه، وكيف يمشي ونومه ولبسه إلى غير ذلك من الأمور العادية، كل ذلك من النوع الثاني الذي لا يمنع أحداً من الاجتهاد فيها إذا وجد أنها لم تعد تحقق المصلحة التي أرادها الرسول لتغير الناس والأمكنة). وهذا الرأي اختاره كذلك الدكتور محمد سليمان الأشقر.

لذلك فإنّ ما يحاوله البعض من إسباغ قدسية على ما يُسمى اليوم (الطب الشعبي الموروث) على اعتبار أنه طب نبوي (مقدس)، أوصى به النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ويجب بالتالي اتباعه، هو - كما قلت - تعسف لا يمكن قبوله في عصر وصل فيه الطب الحديث إلى كل هذه الإنجازات.

إلى اللقاء




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد