Al Jazirah NewsPaper Friday  08/05/2009 G Issue 13371
الجمعة 13 جمادى الأول 1430   العدد  13371

الهوية
علي أحمد المضواح

 

الهوية بين التحجر والانفتاح دون أن تفقد معالمها معادلة صعبة.. تمر على الشخص بدءاً والمجتمع لزاما.. فإما أن يميل إلى العرف والتقليد لا يحيد عنه يرضى بكل ما فيه حتى وإن خالف في سيره عجلة الزمن - وهذه الفئة تبذل الكثير من الجهد في سبيل التمسك بجذور عاداتها بكل أشكالها وقد تنجح إلى حد ما لكنها في كثير من الأحيان تسحق فتنحى منحى التطرف والتزمت المستميت في الدفاع عن أصالتها وأقصد هنا بالأصالة المعنى العام بعيداً عن الإيجابية أو السلبية.. والفئة الأخرى هي تلك الفئة التي تقبل كل ما تسوقه رياح التغيير دون (فلترة) فينالها الغث والسمين السيل وزبده وهذه الفئة معرضة للتلاشي والذوبان في أحضان التغيير وفقد وجوده كفئة اعتبارية لها حدود ومعالم تشكلها..

***

لن آتي بجديد إذا قلت إن الوسط هو المسلك الصحيح فقد اختاره لنا الإسلام طريقاً.. ونحن كثيراً ما نسمع هذا القول وكثيراً ما نردده وكثيراً ما نزين بها كتاباتنا وخطاباتنا..

وقد يكون الاختلاف بين الطرفين هو بمثابة دعامتين لحفظ توازنها فبين الحفاظ على شكلها ومحاولة تطويرها قدر من المرونة الذي يمنحها شكلاً جديداً محدد السمات والصفات..

لكن القضية حين تتجاوز الاختلاف إلى الصراع وتصيد عثرات الآخر والصيد في الماء العكر من الطرفين ستكون النتيجة تمزق الهوية بين طرفين كل يشد بقوة لا تتناسب ومرونتها وهذا أمر يدعو للقلق ففي الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن كثير من مرئيات المستقبل والإعداد له ومواجهة مشاكلة ما زالت فئة تبحث في نوعية اللباس وملاءمته وأخرى في وجود دار سينما من عدمه ولو كان هذا وغيره ضمن سياق حواري منظم ومتوازن لكان من الضرورات في أي حضارة ترنو للنمو وتخاف من التلاشي لكنه تجاوز أمر الهوية حتى لم يعد يراها فأصبحت الهوية جزئين منفصلين رجعي وانهزامي..

***

المرحلة الآن ليست مرحلة تصنيفات واصطفاف مع فئة في مواجهة فئة والتعامي عن الهدف الأسمى والأصل الواحد.. فنحن لا نريد لهويتنا أن تكون صنماً أو هرماً ومتحفاً مزاراً.. ولا نريد لها أن تكون حانة نتبادل فيها القهقهات على جنوننا..

هويتنا أمانة يكفي ما طمس منها ظلماً وعدواناً ونحن مازلنا نتحدث عن آلاف السنين الغابرة والعادات البالية أو نباهي بافتتاح دور عرض هنا أو والسماح بممارسة الرياضة للنساء هناك.. هويتنا الحقيقية أن نزيح عن جسدنا ما نوقن أنه رجعي يضرنا ولا ينفعنا ونقبل ما نرى فيه تقدمنا وزيادة دعائم حضارتنا بناء قوياً ثابتاً لا تشوبه سطحيات الأمور ولا تعوقه..

الاختلاف ظاهرة صحية إذا بقيت تسعى لرفعة الوطن.. أما إذا كانت لمجرد الصراع ولأن الشخص ينتمي لفئة على حساب فئة فتلك لن تقود في نهاية المطاف إلا إلى ضعف وتهالك.. وتناس يحيله الزمان إلى نسيان لذات الهوية التي هي الأساس والهدف الذي نسعى لتشكيله والحفاظ على كيانه...

إنها دعوة لكل مثقف وكل صاحب كلمة وقرار ولكل محب لذاته وأمته تاريخه وحاضره ومستقبله أزيحوا عن عقولكم وأقلامكم صراعات تنسى البناء وتسعى للهدم والنيل من الآخر لذات الآخر لا لفكرته وسيروا محملين بأدوات الحفاظ على الماضي بأصالته وتقبل الحاضر بإبداعه وكونوا بين الأمم أمة تأتي وبيدها كتب التاريخ وبيدها الأخرى إبداعات الحاضر..

***

الأهرام ستزول والنصب ستسقط فالزمن لا يرحم.. بيدنا الأقلام وأمامنا الصحف فلنسطر للمستقبل تاريخنا كما سطره من مازلنا نردد ليل نهار مآثرهم حتى أضحينا كما قال الأول:

ألهى بنو تغلب عن كل مكرمة

قصيدة قالها عمرو ابن كلثوم

التاريخ لا يرحم وأقلامه لا تتوقف والأمم تسعى لتمهر توقيعها في صفحاته المشرقه.. وعسانا أن نكون ممن نال منها نصيبا.. وأن نجاوز قول شاعرنا المتنبي:

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم..

almdwah@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد