Al Jazirah NewsPaper Friday  08/05/2009 G Issue 13371
الجمعة 13 جمادى الأول 1430   العدد  13371
فضل تعلُّم القرآن وتعليمه
معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري

 

إن نِعَم الله علينا كبيرة وفضائله علينا سبحانه وتعالى متعددة، ومن نعم الله العظيمة علينا إنزال هذا الكتاب العظيم القرآن الكريم الذي كان سبباً لهدايتنا في الدنيا والآخرة إذا تمسكنا به وسرنا على نهجه واتبعنا تعاليمه. هذا الكتاب فيه حكم كل شيء، كما قال سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، هذا الكتاب فيه الهدى والنور والبيان الواضح فيه كلام رب العالمين، هذا الكتاب هو الذي تحتاج إليه البشرية جمعاء من أجل أن تصلح أحوالهم في آخرتهم ودنياهم.

ولذا فإن المؤمن يقصد بتمسكه بكتاب الله والسير على نهجه، صلاح الآخرة والحسنات في الآخرة، ورفعة الدرجة في الجنة لا يقصد بذلك المقاصد الدنيوية كما قال - جل وعلا -: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا}، وقوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}، فإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن تكون أعمالنا كلها لوجه الله - عز وجل - من أجل الآخرة فقراءتنا للقرآن نقصد بها الحسنات الأخروية، نقصد بها أن يكون القرآن واسطة لنا عند الله - عز وجل -.

ومن القربات والأعمال الصالحة حفظ كتاب الله - عز وجل - لأن الله يرضى عنا بذلك لأنه قد جعل حفظة الله القرآن من أهل العلم الذين رفع مكانتهم، أما كون الحفظة من أهل العلم فهو في قوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}، وأما رفعه لدرجة أهل العلم فلقوله سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، ولذلك استشهد الله بهم في المواطن العظيمة استشهد بهم على شهادة التوحيد: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ويوم القيامة أيضاً يستشهد بهم في ذلك الموقف العظيم على أعمال عباده كما ورد ذلك في نصوص مختلفة.

وإننا بذلك نتقرب إلى الله - عز وجل - ونحصل على الدرجات والحسنات ورفعة الدرجة في الآخرة من خلال تدبر معاني القرآن, والحصول على الأجر من خلال تعليم القرآن وتوضيحه للناس، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه)، ومعلم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر، ونتقرب إلى الله - عز وجل - بالدعوة إلى كتابه، فنحن ندعو إلى القرآن, وندعو إلى أحكام القرآن، وندعو إلى جعل القرآن طريقة نسير عليها في حياتنا من أجل أن يرضى رب العالمين عنا، ومن أجل أن تحصل لنا الأجور والحسنات والثواب العظيم من رب العالمين، فمتى تمسكنا بالكتاب وسرنا على منهج الكتاب رغبة في الأجر جاءتنا الدنيا وهي راغمة.

كذلك علينا إخلاص النية لله - عز وجل - في كل حرف نقرؤه من الكتاب حتى نؤجر، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (وإنما لكل امرئ ما نوى)، ومن فضل الله - عز وجل - علينا في هذه البلاد أن جعلنا نهتم بهذا الكتاب العظيم فكان الاهتمام به على كل المراحل، وعلى جميع المستويات، والاهتمام بالكتاب من جهة ولاة أمرنا من خلال تحكيمهم لهذا الكتاب وسعيهم لطبعه، وإنشاء إدارات تقوم على الدعوة إليه والعمل به وعلى مستوى الجمعيات. ومن فضل الله - عز وجل - أن أنشئت جمعيات تحفيظ القرآن التي عم خيرها وظهرت آثارها واستفاد الناس منها، وانتشار هذه الجمعيات في كل البلاد، وكان لانتشارها الأثر العظيم حيث توجه الناس نحو كتاب الله فحفظوه وعملوا به، ثم أوجدت لهم الصحبة الصالحة في هذه الحلقات اجتمعوا على كتاب الله - عز وجل -، ثم هذه الحلقات كان لها الفضل في إبعادها للطلاب عن مواطن السوء والشر.

وبقاء المسلم في المسجد يؤجر عليه مجرد البقاء فكيف إذا كان باقياً من أجل تعلم علم نافع هو من أعظم العلوم وأفضلها، وهو كتاب الله - جل وعلا - الذي يفضل على سائر الكلام كما تفضل ذات الله - جل وعلا - على سائر الذوات فهو كلام الله تكلم به حقيقة، فهو له ميزة عن بقية الكلام، هذا الكتاب قد احتوى على أفضل الأخلاق والأقوال، وهو يعلم الطلاب كيف يتمسكون بعقيدتهم لأن من مقاصد كتاب الله الدعوة إلى توحيد الله تعالى في آيات واضحة جلية، وهذا الكتاب قد دعا إلى الأخلاق الفاضلة إلى صلة الرحم والإحسان إلى الخلق والعدل معهم، إلى غير ذلك من المعاني العظيمة.

ولذا فإن هذا الكتاب دعا إلى رحمة الناس، والعطف عليهم، وتفقد حوائجهم، فهذا الكتاب يجعلنا ننبذ ما دعت إليه بعض الطوائف والفرق من إيذاء الآخرين، أو التعدي على دمائهم وأموالهم، لأن هذا الكتاب فيه آيات صريحة تحذر من مثل هذا العمل السيء, ومن هنا فإن طلاب حلقات القرآن أبعد الناس عن الأقوال السيئة، أو الأفعال غير المرغوب فيها، أو من الدخول في مناهج التكفير والإفساد في الأرض.

والمقصود أن هذا الكتاب له واجب علينا ولا ينحصر ذلك في قراءته فقط، بل لا بد من تعلم أحكامه، وتفهم معاليه، وجمع نصوصه المتعلقة بموضوع واحد، بحيث لا يكون الإنسان ملتبسا عليه فكره أو نظره، لأن القرآن كما تعرفون مرة يأتي بلفظ عام ثم يخصصه في محل آخر، فلا بد من جمع جميع النصوص، وأمثل لهذا بمثال لما يأتي قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}، هذا نص عام لجمع المطلقات فلوا أجريناه لجعلناه يشمل الحامل والمرأة المطلقة قبل الدخول بها وهذا الفهم فهم غير صحيح، لأنه لم يجمع معه بقية الأدلة الأخرى، لأن الله - عز وجل - قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}.

اللهم اجعلنا ممن حفظ القرآن الكريم وعمل به واجعله لنا هادياً ودليلاً وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

* عضو هيئة كبار العلماء
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد