Al Jazirah NewsPaper Friday  08/05/2009 G Issue 13371
الجمعة 13 جمادى الأول 1430   العدد  13371

لا تكن أنت والزمان عليها
د. محمد بن إبراهيم الحمد *

 

الحياة مليئة بالأحداث، حافلة بالمواقف، والإنسان - أياً كان- معرض لما يكون في هذه الحياة من صحة ومرض، وغنى وفقر، وسعادة وشقاء، وفرح وحزن، وما إلى ذلك من مجرياتها. والعاقل هو من يوطّن نفسه على كل وارد، ويستعد لكل آت.

ولا خير فيمن لا يوطن نفسه

على نائبات الدهر حين تنوب

والذي يلاحظ أن من الناس من لا يوطن نفسه على وقوع ما يحب أو يكره، فإذا وقع ما يحب مما لم يكن قدره أَشِرَ، وبَطَر، وبالغ في الفرح، وإذا حصل ما يكره قنط، وانقبض، وربما فقد صوابه.

والأدهى من ذلك أن المصيبة من نحو مرض، أو خسارة، أو إخفاق، أو نحو ذلك إذا وقعت أحياناً على أحد من أهل بيت من البيوت - قلبت البيت جحيماً ملهباً، فإذا مرض شخص من أهل ذلك البيت مرضاً عضالاً، أو أصيب أحد من أفراده بمصيبة - صاروا جميعاً مرضى، أو فاقدي التوازن.

ولا ريب أن مشاركة الأهل والأقارب في الأفراح والأتراح مطلب شرعي واجتماعي، كما أن برود الإحساس، وفقر المشاعر تجاه الآخرين داء وبيل، ينمّ عن أثرة قبيحة، ولكن ذلك لا يعني أن يبالغ المرء في تحميل الأمور فوق ما تحتمل، بحيث يبالغ في الأسى، والحسرة، والحزن، والحرقة، فيخرج بذاك عن طوره، فبدلاً من أن تكون المصيبة واحدة تكون أضعافاً مضاعفة.

فالذي تقتضيه الحكمة أن يشارك المرء إخوانه دون أن يفرط في تضخيم الأمور، ودون أن يَعْزُبَ عنه رأيه.

ثم إن مما يحسن بنا أن نذكر من أصيب بمصيبة بذلك المعنى، وألا نحتقر تلك المبادرات، ولو كان المبادر أقل من صاحب الشأن.

ومما يذكر في هذا الصدد أن ابن عباس لما توفي والده العباس -رضي الله عنهما- هابه الناس، ولم يقدم كثير من الناس على تعزيته، وقيل إنه مكث على ذلك شهراً، حتى أقبل أعرابي، وقال بحضرة ابن عباس:

اصبر نكن بك صابرين فإنما

صبر الرعية عند صبر الرأس

خير من العباس صبرك بعده

والله خير منك للعباس

فَسُرِّي عن ابن عباس، وأقبل الناس على تعزيته.

وبالجملة فإذا أصابتك مصيبة في نفسك، أو مالك، أو ولدك، أو أمتك -فاقدرها قدرها، وضعها في نصابها، دون إفراط أو تفريط فيها، فبذلك تحسن التعامل، وتسلم من تبعات تنال منك نيلها.

* جامعة القصيم


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد