Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/05/2009 G Issue 13372
السبت 14 جمادى الأول 1430   العدد  13372
تسرب المعرفة من المنظمات
د. فهد بن معيقل العلي

 

إن المعرفة هي من الحقول الجديدة القديمة التي تمتد إلى آلاف السنين عبر التاريخ، وقد حظيت باهتمام كبير من فلاسفة الشرق والغرب. وقد حظيت المعرفة بالكثير من الاهتمام حيث إن الاختلاف في تحديد مفهوم المعرفة قد شجعت العلماء والباحثين في المجالات المختلفة من علم النفس الإداري وعلم الاجتماع والسلوك التنظيمي وعلم الإدارة إلى زيادة الاهتمام بالدراسات المعرفية ضمن التوجهات الإدارية لأن مصطلح المعرفة يشير إلى أنه مزيج من الخبرة والإدراك والمهارة والقيم والمعلومات فضلاً عن قدرات الحدس والتخيل والتذكر والتفكير لدى الفرد.

وعلى مستوى المنظمات الإدارية تعد المعرفة من أهم الموارد لأي منظمة أعمال تسعى للاستمرار والنجاح. ويُعتبر تدفق المعرفة العامل الأبرز لهذا الاستمرار والنجاح, فهناك المعرفة التي تصاحب جميع مراحل الأعمال, والمعرفة الني تدعم وتساعد في إنجاز هذه المراحل من الأعمال في أي منظمة.

ولعلاقة المعرفة بالبيانات والمعلومات فإنه من المناسب تعريف البيانات على أنها مجموعة من الحقائق المجردة عن موضوع محدد، وهي المادة الأولية التي تستخلص منها المعلومات، كما أن المعلومات هي في حقيقة الأمر عبارة عن بيانات تمنح صفة المصداقية، ويتم تقديمها لغرضٍ محدد. لذلك المعلومات هي ناتج معالجة البيانات، تحليلاً وتركيباً، لاستخلاص ما تتضمنه هذه البيانات، أو تشير إليه، فالمعلومات يتم تطويرها وترقى لمكانة المعرفة عندما تستخدم للقيام أو لغرض المقارنة، وتقييم نتائج مسبقة ومحددة، أو لغرض الاتصال، أو المشاركة في حوار أو نقاش.

والمعرفة هي كل شيء يحيط بالفرد من بيانات، معلومات، ذكاء، قدرات، اتجاهات، مهارات، قيم، وحكمة سواء كانت في الماضي أو الحاضر، يستحضره الفرد ويستخدمه لأداء عمله بإتقان لحل المشكلات، واتخاذ قرارات ناجحة، بهدف رفع الإنتاجية، وتقديم الخدمات بشكل أفضل، (ويمكن التعبير عن ذلك بالفرد المتميز في عمله).

ويمكن توضيح العلاقة بين البيانات والمعلومات والمعرفة بشكل معادلات تكتب:

المعلومات = البيانات + المعنى.

المعرفة = المعلومات المختزنة + القدرة على استعمال تلك المعلومات.

وتنقسم المعرفة إلى نوعين هما المعرفة الضمنية والمعرفة الظاهرة، فالمعرفة الضمنية هي تلك التي نعرف عنها أكثر مما يمكن أن نقول عنها. فهي مرتبطة بالأحاسيس والخبرات الكامنة في أذهان الأشخاص المميزين. وهي خبرات نوعية تكاد تكون مقتصرة على هؤلاء الأشخاص، وهي التي تتعلق بما يكمن في نفس الفرد من معرفة فنية ومعرفة إدراكية ومعرفة سلوكية، وهي المهارة، الخبرة، الحكمة، البصيرة الموجودة لدى الفرد في موقف محدد، فنحن نعلم أكثر مما نقول، والمعرفة ليس من السهل تقاسمها مع الآخرين أو نقلها إليهم بسهولة. هي ذلك النمط من المعرفة التي يمكن الحصول عليها بصورة غير مباشرة من خلال أساليب التفاعل المباشر مثل العصف الذهني.

أما المعرفة الظاهرة فهي المعرفة التي يمكن تقاسمها مع الآخرين، وتتعلق هذه المعرفة بالبيانات والمعلومات الظاهرة التي يمكن الحصول عليها وتخزينها في ملفات وسجلات المنظمة، والتي تتعلق بأنظمة واللوائح وأهداف ومهام وخطط المنظمة وسياساتها وإجراءاتها وبرامجها وموازناتها ومستنداتها. وهي المعرفة الرسمية النظامية المعبر عنها كميا والقابلة للنقل والاستيعاب والتعلم، وهي المعرفة المصنفة المنقولة بطرق رسمية ونظامية كالإجراءات، القواعد، التعليمات. وفي الغالب يمكن للأفراد داخل المنظمة الوصول إليها وتدوينها ونقلها وتخزينها واسترجاعها تقنياً ومن ثم استخدامها.

أما إدارة المعرفة (KM) فيمكن تعريفها على أنها الحصول على المعرفة وخزنها وإعادة استعمالها وهي العملية المنهجية لتوجيه ورصد المعرفة وتحقيق الاحتفاظ والاهتمام بها في المنظمة. كما أنها الجهد الإداري المنظم الموجه من قبل قيادة المنظمة من أجل الحصول على المعرفة والجمع والتصنيف والتنظيم والتخزين لكافة أنواعها (الظاهرة والضمنية) ذات العلاقة بنشاط تلك المنظمة من داخل المنظمة وخارجها، وجعلها جاهزة للنشر والتداول والمشاركة بين أفراد ووحدات المنظمة بما يرفع مستوى كفاءة التخطيط واتخاذ القرارات والأداء التنظيمي وتقديم الخدمات وإنتاج السلع.

وهناك المعرفة الموجودة لدى المستفيدين (العملاء) والمعرفة لدى الأفراد العاملين الذين في يوم من الأيام سوف يغادرون، المعرفة في الخدمات والمنتجات. والمعرفة في عمليات المنظمة وأنشطتها.

وتعتمد إدارة المعرفة على مدخلين هما المدخل المبني على الأفراد والمدخل المبني على التقنية (التوثيق)، فالمدخل المبني على الأفراد يقوم على كيفية إدارة المعرفة الضمنية والاحتفاظ بها وتحويلها إلى معرفة ظاهرة، من خلال التفاعل المباشر بين الأفراد في المنظمة لنقل وتبادل المعرفة باتباع وسائل متعددة منها (العصف الذهني، فرق العمل، الاجتماعات، ورش العمل، الملازمة (الموظف الجديد مع الموظف ذو الخبرة)، والمجموعة الممارِسة).

أما المدخل المبني على التقنية (التوثيق) فهو يقوم على كيفية إدارة المعرفة (الضمنية والظاهرة) من خلال وسائل التوثيق التقنية والإرشيفية. ومن وسائل نقل وتبادل المعرفة بناءً على هذا المدخل (السجلات والتعليمات والأنظمة واللوائح، الأدلة بمختلف أنواعها، الوثائق والكتب، التقارير والنشرات، المواقع على شبكة الإنترنت، والبريد الإلكتروني). وبناء على هذا المدخل فإن التقنية هي عبارة عن وسيلة لنقل المعرفة وليست المعرفة في حد ذاتها.

مما سبق يتضح أهمية المعرفة للمنظمات، وخاصة المعرفة الضمنية والمتراكمة في أذهان الأفراد المتميزين في المنظمة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن الحفاظ على هؤلاء الأفراد المتميزين بخبراتهم ومعارفهم ومهاراتهم، والإبقاء عليهم في المنظمة؟

إذا تمكن القائد الإداري في المنظمة من الإجابة على السؤال التالي (لماذا يتسرب هؤلاء الأفراد المتميزون من منظمته؟)، فهو بدون شك سوف يكون قادرا على الاحتفاظ بالنسبة الأكبر من هؤلاء الأفراد. وفي الغالب يتسرب الأفراد المتميزون من المنظمات لأسباب مادية أو شخصية أو بسبب البحث عن مركز وظيفي أفضل أو بسبب تغير بيئة العمل (مثل طبيعة العمل، العلاقات بين الزملاء، العلاقات مع الرؤساء، عدم الشعور بالعدل والمساواة في العمل).

ومن الأسباب المادية البحث عن راتب أفضل ومزايا مادية إضافية مثل بدل علاج أو بدل النقل أو بدل سكن أو بدل تعليم أبناء، وغيره. لذا تجد الفرد المتميز يقارن بين وضعه المادي الحالي في المنظمة التي يعمل يها مع الوضع الذي سوف ينتقل له، فيرى أنه من الأفضل له الانتقال من عمله الحالي إلى العمل الذي يمنحه تلك المزايا.

ومن الأسباب الشخصية هو شعور الفرد بأن المنظمة لم تقدر وجوده وعمله فيها، خاصة وأنه يدرك مدى وجود فرص عمل أخرى يمكن أن يحصل عليها، كما أن الخلافات الشخصية والتي تؤدي إلى عدم الرغبة في العمل مع أشخاص معينين في قمة الهرم الإداري يكون عاملا طاردا لهذا الفرد المتميز، بالإضافة إلى شعور الفرد بأن العمل في هذه المنظمة وصل إلى نقطة لا يمكن أن يتحمل البقاء فيها، إما بسبب عدم الثقة بمعارفه وقدراته أو بسبب الشعور بتفضيل آخرين عليه في تكليفهم بأعمال إضافية، أو بسبب النظرة السلبية له، أو بسبب تكليفه بأعمال يرى أنها أقل من قدراته ومهاراته وخبراته، أو بسبب رغبته في الانتقال إلى مدينة أو بلد آخر.

وفيما يتعلق بالبحث عن مركز وظيفي أفضل فإن الفرد المتميز يبحث دائما عن المركز الوظيفي الأفضل، فإذا توفر هذا المركز في المنظمة التي يعمل فيها قد يكون عاملا جاذبا له، أما إذا لم يتوفر ووجد فرصة أفضل فهو حتما سوف ينتقل إلى تلك المنظمة التي يوجد فيها ذلك المركز الوظيفي الأفضل.

ومن أشكال التغيَر في بيئة العمل، (مثل: طبيعة العمل، العلاقات بين الزملاء، العلاقات مع الرؤساء، عدم الشعور بالعدل والمساواة في العمل). وعندما تتغير طبيعة العمل من وضع سابق مريح ومناسب إلى وضع يرى الفرد أنه مزعج وغير مريح، فإن الفرد المتميز سوف يعمل على البحث عن طبيعة عمل أفضل، ومن أمثلة التغير في طبيعة العمل زيادة في ساعات العمل دون مقابل مادي أو معنوي، كثرة المهام لديه دون غيره، تنفيذ مهام يرى أنها أقل من مستواه المعرفي والوظيفي.

كما أن الفرد المتميز كلما شعر بأن العلاقات مع الزملاء والرؤساء يسودها جو من التعاون والاحترام المتبادل والثقة والعدل والمساواة، كلما كان ذلك مشجعاً له على البقاء في المنظمة، وإذا حصل العكس فإن ذلك سوف يكون من العوامل الطاردة لهؤلاء الأفراد المتميزين.

بناء على ما سبق فإن على القائد الإداري في المنظمة إدراك أهمية هذه الأسباب والعمل على توفير الإيجابي وتجنب السلبي منها في المنظمة، وذلك بهدف الإبقاء على الأفراد المتميزين ذوي المعارف والمهارات والخبرات في مجال عمل المنظمة عن طريق تحفيزهم مادياً ومعنوياً، لأن في تسربهم من المنظمة تسرب للمعرفة التي تحتاج إلى وقت طويل وتكلفة عالية لتكوينها مع الأفراد الجدد أو حديثي العهد بالمنظمة، كما أن على القائد الإداري الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع هؤلاء الأفراد المتميزين الذين تسربوا من منظمته حتى يمكن الاستفادة منهم في مواقعهم الجديدة ويكونون خير سفراء لمنظمتهم التي تسربوا منها. والله الموفق.

- أستاذ الإدارة العامة المساعد بمعهد الإدارة العامة سايقا وجامعة تبوك حاليا


Abu-fars-55@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد