Al Jazirah NewsPaper Sunday  10/05/2009 G Issue 13373
الأحد 15 جمادى الأول 1430   العدد  13373
إخراج آخر دكتاتور في أوروبا من عزلته
تشارلز تانوك

 

شَرَع الاتحاد الأوروبي مؤخراً في انتهاج سياسة (الالتزام البنّاء) في التعامل مع بيلاروسيا (روسيا البيضاء). والحقيقة أن هذا القرار لم يكن متعجلاً.

فيما سبق، كانت سياسة الاتحاد الأوروبي تتلخص في عزل بيلاروسيا، التي كانت هي ذاتها تسعى إلى العزلة. ولم تسفر هذه السياسة عن تحقيق أي شيء تقريباً، باستثناء دعم الزعيم المستبد الرئيس ألكسندر لوكاشينكو. ثم بعد تلكؤ وعلى مضض، تَقَبَل زعماء أوروبا حاجتهم إلى التعامل مع لوكاشينكو عملياً إذا كانوا راغبين في تعزيز الإصلاح في بيلاروسيا وتحويل البلاد عن مدارها المحكم حول روسيا.

غير أن هذا الإدراك لا يعني أن أوروبا لابد وأن تغض الطرف عن طبيعة نظام لوكاشينكو. فالواقع أن أعضاء الاتحاد الأوروبي مُحِقون في انزعاجهم بشأن حقوق الإنسان في ذلك المكان الذي أطلق عليه البعض (كوبا الشرق). فما زال القمع السياسي وتقييد الصحافة من الأمور المعتادة في بيلاروسيا. ولكن نفس الشيء -وربما ما هو أسوأ- من الممكن أن يقال عن الصين، ورغم ذلك فقد استثمر الاتحاد الأوروبي الكثير من رأسماله السياسي في عقد شراكة إستراتيجية معقدة مع حكام الصين.

إن بيلاروسيا تشكل الحلقة المفقودة في عملية إرساء الديمقراطية وإعادة دمج أوروبا الشرقية في مرحلة ما بعد العصر السوفييتي. ولقد بذل المسؤولون الأوروبيون قصارى جهدهم لمنع توسع الاتحاد الأوروبي من خلق خطوط تقسيم جديدة بين بيلاروسيا وجاراتها في الغرب والشمال بولندا، وليتوانيا، ولاتفيا التي انضمت إلى الاتحاد في عام 2004م. والواقع أن هذه البلدان من أشد أنصار تحسين العلاقات مع بيلاروسيا، وذلك بسبب الروابط التاريخية والتجارية والعائلية المشتركة.

كما انتبه الاتحاد الأوروبي فجأة إلى ضرورة تبنيه لسياسة خارجية مشتركة في التعامل مع قضية أمن الطاقة، بغرض تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن الإمدادات الروسية. وبما أن20% من الغاز الروسي المتجه إلى أوروبا يمر عبر بيلاروسيا، فقد أصبحت العلاقات المستقرة المنظمة مع حكومتها من بين أولويات الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل قرر لوكاشينكو لأسباب اقتصادية أن بلده يحتاج إلى دعم الاتحاد الأوروبي وأنه لم يعد بوسعه أن يعتمد كل الاعتماد على روسيا دون أن يتحمَّل ثمناً سياسياً باهظاً.

بيد أن الانفراجة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا لابد وأن تقوم على خطوات متبادلة دائمة. فالشراكة الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي لم تكن قَط غير مشروطة. ولكن يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يكون مستعداً للاستجابة للزخم الملموس في بيلاروسيا لصالح الإصلاح الداخلي، والمزيد من الانفتاح، واحترام الحقوق الديمقراطية الأساسية.

كلما زاد لوكاشينكو اقتراباً من الاتحاد الأوروبي كان الانزعاج في الكرملين أعظم. إن روسيا شديدة الحساسية إزاء التحديات الموجهة إلى نفوذها فيما تطلق عليه (جوارها القريب) من أقمار الاتحاد السوفييتي السابق. والحقيقة أن حرب الصيف الماضي في جورجيا، والجهود الاعتيادية التي يبذلها الكرملين سعياً إلى زعزعة استقرار حكومة أوكرانيا الموالية للغرب، تعمل بمثابة التحذير للوكاشينكو مما قد يحدث له إذا تحرك باندفاع أو تهور.

ومع انهيار اقتصاد بيلاروسيا وذبول أسواق صادراتها، فقد أصبحت روسيا قادرة على استغلال ضعف لوكاشينكو. فالآن يدرس الكرملين الطلب المقدم إليه من بيلاروسيا للحصول على قرض قيمته 2مليار دولار، ولكن إذا وافق الكرملين على هذا الطلب فلابد وأن تتوقع بيلاروسيا ثمناً سياسياً باهظاً في المقابل. بل وربما يضطر لوكاشينكو إلى اعتماد الروبل الروسي، كعملة احتياطية على الأقل.

وقد تصر روسيا أيضا على زيادة حجم التعاون العسكري بين البلدين، بما في ذلك نشر الصواريخ الروسية في بيلاروسيا رداً على الدرع الدفاعية الصاروخية التي تعتزم أميركا إقامتها في بولندا وجمهورية التشيك. وربما يصر رئيس الوزراء فلاديمير بوتن والرئيس ديمتري ميدفيديف على اعتراف بيلاروسيا باستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا، الذي أعلن في أعقاب حرب الصيف الماضي، من منطلق إدراكهما أن هذا من شأنه أن يحمل الاتحاد الأوروبي على التراجع عن بذل المزيد من التعهدات لبيلاروسيا.

من السابق لأوانه أن يُدعى لوكاشينكو لحضور قمة افتتاح هذه المبادرة في براغ في السابع من شهر مايو - أيار الحالي. ولكن بعد أعوام من التدهور والتراجع أصبحت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا الآن قادرة على بث بعض الأمل في المستقبل. إن القدر الأعظم من المسؤولية الآن يقع على عاتق لوكاشينكو، ولكن يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يبذل قصارى جهده لاجتذاب بيلاروسيا إلى أسرة الأمم الأوروبية حيث تنتمي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009
www.project-syndicate.org
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد