Al Jazirah NewsPaper Monday  11/05/2009 G Issue 13374
الأثنين 16 جمادى الأول 1430   العدد  13374
شراكة؟ أي شراكة؟!
أندرو ويلسون، نيكو بوبسكيو – لندن

 

إن سياسة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع جيرانه إلى الشرق تمر بمأزق كبير، وذلك على الرغم من طرحه لما أطلق عليه الشراكة الشرقية الجديدة. لقد أصبح الرأي العام الأوروبي استبطانياً على نحو متزايد ونزَّاعاً إلى حماية الذات على نحو متقطع.

ولكن ماذا ينبغي أن يتم إذن فيما يتصل ب(المنطقة الرمادية) الواقعة إلى الشرق من أوروبا - البلدان الستة التي تقع الآن بين الاتحاد الأوروبي وروسيا؟ إن التقاعس عن العمل ليس بالأمر المقبول على الإطلاق.

فقد تضررت المنطقة بشدة من جراء الأزمة الاقتصادية، وازداد الطين بلة بفعل الاضطرابات السياسية الداخلية والتهديدات الأمنية الخطيرة.

انبثقت فكرة (الشراكة الشرقية) عن مبادرة بولندية سويدية في مطلع الصيف الماضي.

لذا فقد دُفِعَت هذه الفكرة دفعاً على مسار سريع للغاية قياساً إلى معايير الاتحاد الأوروبي.

وتقتصر المبادرة الجديدة على المنطقة الواقعة إلى الشرق من الاتحاد الأوروبي - أوكرانيا، ومولدوفا، وبيلاروسيا، وجورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان - وهي مصممة بحيث تعمل كمكمل لسياسة الجوار الأوروبي.

والموارد الجديدة التي تعتمد عليها هذه المبادرة قليلة والميزانية التي تخصصها للمشاريع التقنية محدودة (600 مليون يورو على مدى أربعة أعوام للبلدان الستة).

وتتلخص الفكرة هنا في أن الشراكة الشرقية من شأنها أن ترسل إشارة إيجابية إلى هذه البلدان، وأن تغير المناخ الذي تدور فيه المناقشات حول هذه المنطقة في الاتحاد الأوروبي، وأن تساعد في اجتذابها ببطء إلى مدار الاتحاد الأوروبي.

أثار هذا العرض استياء روسيا، ولكن الاتحاد الأوروبي ذاته لديه مشاكله الخاصة في التعامل مع المبادرة.

على سبيل المثال، وجد الاتحاد عناءً شديداً في إقناع الزعماء بالتواجد في براغ في يوم الخميس. والزعماء الذين وافقوا على الحضور لا يشكلون دعاية طيبة للمنطقة. فقد تدنت شعبية الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو إلى أقل من 5% بعد أن قاد بلاده من أزمة إلى أخرى منذ (الثورة البرتقالية) في عام 2004م. أما ميخائيل ساكاشفيلي رئيس جورجيا فقد وجد نفسه في مواجهة احتجاجات داخلية بعد مغامرته العسكرية المأساوية التي خاضها في أغسطس - آب 2008م. وتواجه أرمينيا أيضا احتجاجات قوية بعد الانتخابات المثيرة للجدال، التي فاز بها سيرج ساركسيان في فبراير - شباط 2008م، والتي أدت إلى مقتل عشرة أشخاص. وفي شهر مارس - آذار 2009م نظم الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف استفتاءً دستوريا مهد الطريق لاستمراره في الرئاسة مدى الحياة. وكان أكثر الزعماء إثارة للجدال على الإطلاق هو (دكتاتور أوروبا الأخير) رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو. وفيما سبق لم تكن بيلاروسيا داخلة حتى ضمن نطاق سياسة الجوار الأوروبي.

لقد نجحت روسيا في ترميم وتجديد الطريقة التي تعمل بها في المنطقة منذ اكتوت بنار تدخلها الفج في أوكرانيا في عام 2004م. وهي الآن تستخدم نطاقاً عريضاً من القوة الصارمة والقوة الناعمة، وهو النطاق الذي لا يتناسب بعضه مع نظيره لدى الاتحاد الأوروبي - على سبيل المثال، القواعد العسكرية التي تمكنت روسيا من تأمينها في كلٍ من هذه البلدان الستة.

فضلاً عن ذلك فإنها تقوم بأمور كتلك التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي، وعلى نحو أفضل، ومن بين الأمثلة الملحوظة (حتى وقت قريب) العمل كسوق مفتوحة للعمالة القادمة من هذه البلدان. كما تلجأ روسيا لأقل قدر من الإكراه وتستخدم أعظم قدر من المغريات، فتعرض على هذه البلدان المعونات الاقتصادية، والضمانات الأمنية، وإيديولوجية (الديمقراطية السيادية) التي تجد رواجاً لدى العديد من أهل النخبة الذين ينتمون إلى مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي.

إن الشراكة الشرقية تشكل أداة تكنوقراطية نموذجية طويلة الأجل. فالاتحاد الأوروبي يتعهد بالمساعدة في إنشاء مؤسسات عامة على غرار النمط الغربي، وتحويل الاقتصاد الشرقي من خلال مجموعة من اتفاقيات التجارة الحرة الشاملة.

لا بأس بكل هذا، ولكن يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتحرك بسرعة أكبر. وينبغي عليه أن يثبت أن مهمته تتلخص في إعادة بناء الدول الضعيفة، ومساعدتها في التغلب على الأزمات قصيرة الأمد، وتعزيز الديمقراطية فيها، بدلاً من التعامل معها وكأنها أوعية فارغة لتصدير سياسة الاتحاد الأوروبي. وعلى سبيل المتابعة لقمة الشراكة الشرقية، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يبدأ عقد اجتماعات على مستوى أدنى لوزراء الداخلية لمناقشة قضايا الهجرة والتأشيرات ومكافحة الإرهاب.

ومن الأهمية بمكان أن يسعى أيضا إلى دمج أوكرانيا ومولدوفا في سوق الطاقة الأوروبية. إن البديل لكل ذلك قد يكون بمثابة جدار من عدم الاستقرار في الجوار الأوروبي. وكما هي الحال مع الولايات المتحدة والمكسيك، فإن العواقب المترتبة على الفجوات المتنامية في مستويات المعيشة، والحكم الرشيد، وسيادة القانون سوف تتدفق عبر الحدود على نحو لا يمكن تجنبه. وعلى هذا فلا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن ينظر إلى سياسته الشرقية بوصفها إحساناً أو عملاً خيرياً، بل باعتبارها إستراتيجية واضحة تهدف إلى تعزيز مصالح أوروبا بالكامل.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009
www.project-syndicate.org
خاص بـ «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد