Al Jazirah NewsPaper Monday  11/05/2009 G Issue 13374
الأثنين 16 جمادى الأول 1430   العدد  13374
أم الغلابا.. نوال بنت إبراهيم الدحيم
د. أسماء بنت محمد العساف

 

اعتدت كل صباح وأنا أدلف مقرّ عملي في جامعة الأميرة نورة التيامن لأدخل مكتبها قبيل مباشرة عملي؛ فأحظى بوضاءة وجهها وبشاشة نفسها.. تبادرني حينما ترمق في عيني حيرة أو تساؤلاً (سمّي - أو آمري تبين شي).. واليوم تأبى قدماي ذاك الطريق الذي فاح فيه طيب أثرها..

كيف يطيب لي رؤية مكتبها خلواً من ذاك الصوت المفعم بكل عبارات الترحيب واللباقة.. وذاك القلب المنهك بحب الخدمة.. وتلك النفس المشرقة بكل تفاؤل والعامرة بكل خير.

جموع المعزين المنسابة كالموج علمتني أن الفقيدة لم تكن فقيدة العائلة ولا الجيران ولا المعارف والأنساب ولا العمل فقط.. بل كانت فقيدة كل من حظي بلقائها ولو دقائق معدودة.. تأسرك بجمال حديثها وصدق عبارتها وقوة نبرتها.. تتملكك بسؤالها عن حالك ومشاركتها لك فرحك وترحك.

كثرة المعزين بشكل لم أعهده تحكي لك من تكون.. بكاء الخدم والفقراء والمساكين مرآة تعكس صنيعها.. أنين البيوت التي كفلتها يريك عظم الفَقْد وفداحة الخسارة..

أعرفها كريمة بسخاء.. لا تردّ سائلاً ولو لم تجد.. وقد يفضي بها الحال إلى نزع ما عليها لتكفكف دمعة مسكين أو يتيم.. لم تمنعها رعايتها أطفالها الذين تركهم زوجها - رحمه الله - صغاراً من أن تكفل آخرين.. فبارك الله في وقتها ومالها وصغارها.. صدق من سمّاها (أم الغلابا)..

أعرف عنها صبرها وجهادها واحتسابها.. فرغم فجاءة مرضها وتسارعه وتضاخمه.. كانت حامدة شاكرة داعية مصلية.. قُبضت وهي تردد قرآنا بعد أن صلّت آخر فروضها.. وماتت في يوم اعتادت صيامه.. ولها أجره إن شاء الله.

كانت أم الجميع.. حتى والداها وإخوتها وأبناؤهم.. تسأل عن هذا وتروح عن ذاك.. وتقضي شؤون هذا وترعى مرض ذاك.. ولا عجب إن ناداها كثيرون (ماما).

كانت نبعاً للخير.. لا تلج بيتاً إلا ويداها مثقلتان بما يُفرح الصغير ويُسعد الكبير..

يقول والدها.. إنها الأكسجين الذي أتنفسه والسعادة التي أعيشها..

كانت حاضرة في كل مكان تكون فيه.. ولذا يرغب في تواجدها كثيرون.. وقد أرسلت لها فترة مرضها رسالة قلت فيها (مكتبكم ما فيه ملح بدونك) آملة سرعة رجوعها.. وما علمت أن الملح سيذوب في بحر رحمة الله، وأني لن أراها مرة أخرى.

يلفت نظرك إتقانها لعملها.. بل تفانيها فيه.. وكم من مرة سمعتها تقول (ما أحب شغل البربسة!)، تتمثل في حياتها حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)؛ ولذا تراها إذا تصدرت أمراً أجادته كأحسن ما يكون؛ لأن نفسها شامخة أبيّة لا تقبل النقص والاعوجاج.

شغل حبها قلوب ذويها وصديقاتها ورئيساتها وكل من رآها فكان الفَقْد في نفوسهم عظيماً.

غير أن عزاءنا ما علمناه من حُسْن ختام حياتها العامرة بالبر والعبادة وحُسْن الخلق.. فعظم بلائها ثم إنارة وجهها ورقة مبسمها وشهادة يمينها.. وما وقع لكثير من رؤى سارة.. كل ذلك يبشر بالخير.. هذا فضلاً عما يشهد به الآخرون من خير عظيم عظيم.. وهذا مما أعرفه.. ويعرف غيري فوقه الكثير.

عزاؤنا لوالديها (أم خالد وأبي خالد) في ابنتهما أ. نوال الدحيم؛ لأنها بهذا الأثر الذي خلّفته لم تُفقد.. ففي كل بيت لها ركن.. وفي كل بقعة رائحة.. وعزاؤنا لإخوتها خالد ومحمد وعبدالعزيز وياسر ومها ودلال وأمل وريم ونجود الذين يبكونها أُمّا وأُختا وصديقة وقلباً عظيماً.. وعزاؤنا لأبنائها خالد وريم ورنا الذين نرى فيهم عظم تلك الأم التي أحسنت التربية وخلّفت أولاداً صالحين يمدونها بحرّ دعائهم.. عزاؤنا لصديقتها ومرجعها أ. نوال الشلهوب التي رافقتها في السراء والضراء زهاء ثلاثين عاماً، عرفهما العمل معاً في مكتب واحد، تمثلان صفاً واحداً وكلمة جامعة، وعزاؤنا أنها تمثّل في العمل النصف الذي بقي لنا فيخفف عنا حرارة الفَقْد..

عزاؤنا لكلية التربية والجامعة التي فقدت هذه الابنة البارة المخلصة المكافحة..

اللهم أسكنها الفردوس الأعلى، وأسعدها بلقاء زوجها، ومتّعها بالطيبات، وفرّج كربها، واكفلها كما كفلت كثيراً من خلقك، اللهم واربط على قلوب من فقدها وثبتهم واجبر مصابهم.. إنك سميع مجيب.

جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد