Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/05/2009 G Issue 13377
الخميس 19 جمادى الأول 1430   العدد  13377
المنشود
أبو الدحداح والنخل المدَّاح!!
رقية سليمان الهويريني

 

في أثناء جلسة الصفاء المعتادة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم دخل عليهم شاب شاكيا بقوله: (يا رسول الله، كنت أقوم بعمل سور حول بستاني فقطعت طريق البناء نخلة، هي لجاري، سألته أن يتركها لي لكي يستقيم السور فأبى، طلبت منه أن يبيعني إياها فرفض وقد حضرت لك لتنصفني).

طلب رسول صلى الله عليه وسلم أن يأتوه بالجار. وعندما حضر ذكر له شكوى الشاب، وسأله أن يترك له النخلة أو يبيعها إياه. إلا أن الرجل رفض. فأعاد الرسول الطلب عدة مرات كان آخرها عرضا مغريا للغاية حيث قال: (بع له النخلة ولك نخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام) إلا أن الرجل رفض المقايضة طمعا في متاع الدنيا.

وفي لجة العرض والنقاش، وبينما الصحابة في ذهول من هذا العرض المغري جدا (بيع نخلة في الدنيا مقابل ضمان الجنة) سأل الصحابي أبو الدحداح الرسول صلى الله عليه وسلم: أإن اشتريت تلك النخلة وتركتها للشاب، أيكون لي نخلة في الجنة يا رسول الله؟ فأجابه عليه الصلاة والسلام مؤكدا: (نعم) فقال أبو الدحداح للرجل: أتعرف بستاني يا هذا؟ فقال الرجل: نعم، ومن في المدينة لا يعرف بستان أبي الدحداح ذا الستمائة نخلة والقصر المنيف والبئر العذب والسور الشاهق حوله؟!.

عندها أطلق أبو الدحداح عرضه بقوله: بعني نخلتك مقابل بستاني وقصري وبئري. فنظر الرجل إلى الجمع غير مصدق ما يسمعه! أيعقل أن يقايض أبو الدحداح ستمائة نخلة من نخيله مقابل نخلة واحدة؟ يا لها من صفقة رابحة بكل المقاييس! عندها وافق الرجل وتمت البيعة وأشهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة عليها.

نظر أبو الدحداح إلى رسول الله بسعادة متسائلاً: ألي نخلة في الجنة يا رسول الله؟ فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا!) فبهت أبو الدحداح من هذا الرد. فأوضح له الرسول عليه الصلاة والسلام بأن الله عرض نخلة مقابل نخلة في الجنة وأنت زايدت على كرم الله ببستانك كله، والله كريم ذو جود قد جعل لك في الجنة بساتين من نخيل يُعجَز عن عدها من كثرتها، وتعجب الرسول الكريم بقوله: (كم من مداح لأبي الدحداح) والمدَّاح: النخيل المثقلة بالتمر. وظل عليه السلام يكرر جملته لدرجة أن الصحابة تعجبوا من وصف الرسول كثرة نخيل أبي الدحداح في الجنة، وتمنوا لو كانوا مثله.

ولعلي أدع الصورة تنقلكم لحوار أبي الدحداح مع زوجته حين دعاها للخروج من المنزل قائلا: لقد بعت البستان والقصر والبئر، فرحت الزوجة لحنكة زوجها في التجارة، وسألته عن الثمن. فقال لها: لقد بعتها بنخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام. فتهللت قائلة: ربح البيع أبا الدحداح، ربح البيع.

ترى كم مرت بحياتنا مقايضات شبيهة بهذه النخلة؟ فكم منا قد تنازل؟ وكم منا تعنت وأصر؟ فَمن يقايض معلوما حاضرا بمجهول غائب؟ وكم واحد على استعداد للتفريط بثروته أو منزله أو سيارته مقابل الجنة؟ وبالمقابل كم واحد فرَّط في جوارحه مقابل النار؟!.

rogaia143@hotmail.Com
ص. ب 260564 الرياض 11342













 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد