Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/05/2009 G Issue 13383
الاربعاء 25 جمادى الأول 1430   العدد  13383
مركاز
قناعة زمان
حسين علي حسين

 

في السابق كنت أستيقظ في الخامسة صباحاً، آخذ قدرة الفول وصفرية السمن أو إناؤه، وأذهب إلى السوق لشراء الفول والسمن والتميز. نفطر جميعاً ونشرب الشاي، ونذهب إلى المدرسة، وقبل بدء اليوم الدراسي نلعب أمام المدرسة أو ندخل إلى الحرم لنذاكر، حتى تعلن صفارة المدرسة بداية الدخول. كان هذا حال التلاميذ، أما العمال والبائعون، فإنهم يكونون في أعمالهم قبل انشقاق النور وكلهم نشاط وحيوية وإقبال على يوم جديد! أما سوق اللحوم والخضار والفواكه، الذي يسمى (الخان) فإنه يفتح أبوابه، بعد صلاة الفجر مباشرة، يأكل الباعة ويشربون ويأخذون راحتهم في أماكنهم، وحالما تغيب الشمس، يكون السوق كله قد أغلق أبوابه، ليعود في اليوم التالي، وسيكون حظه سيئاً ذلك الجزار الذي لم يصرف ما لديه من اللحوم، ومثله بائع الخضار، كل هؤلاء قد يتنازلون عن بعض مكاسبهم بعد صلاة العصر مباشرة، حتى يذهبوا إلى منازلهم مرتاحي البال، فالثلاجات قليلة، والذين يقبلون على البضاعة المبيتة في الثلاجة أو على الأرفف، أقل، ولدى الناس خبرة بمعرفة البضاعة الجديدة أو الطازجة، من القديمة أو التي هي من بقايا اليوم السابق!

أما أصحاب البقالات وباعة الأقمشة، والأجبان والخبز، والفلافل والمطبق والحلويات، وحتى أصحاب المعارض، فإن موعد إغلاق محلاتهم لا يتأخر عن صلاة العشاء، كافة المحلات تغلق أبوابها، ليذهب أصحابها للصلاة في الحرم أو في منازلهم استعداداً ليوم جديد. قليل من المحلات تشرع أبوابها لما بعد ساعة أو ساعتين، خصوصاً المقاهي والمطاعم وتلك المحلات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، أو تلك التي تعمل في المنطق المرتفعة والبعيدة نسبياً عن المدينة، مثل قباء أو آبار علي أو طريق مكة، هذه المناطق كانت أماكن للسهر، خصوصاً في فصل الصيف الطويل والشديد القسوة، وبالذات على الذين لا تتمتع منازلهم بأسطح ملائمة أو ليس لديهم مكيفات صحراوية، لا يقدر على اقتنائها إلا ذوو الدخول المرتفعة!

ولأن أهل المدينة المنورة على درجة عالية من الترتيب والقناعة، أخذ عنهم روقان البال والبشاشة، والنظافة، وقبل ذلك كله القناعة وطلب الراحة. فوال الحارة كان يضع جرة الفول قبل خروج الشمس ولا تمضي ساعة أو ساعتان حتى ينتهي مخزون الجرة من الفول، حينذاك يغلق الدكان حتى اليوم التالي، لا فول بعد هذه الجرة!، أما بائع المقادم والشربة فإنه أكثر احتفالية فأغلب زبائنه يفطرون في الدكان، وفي هذه الدكان لا يوجد غير ما تقدم، فالذي يريد الشاي أو القهوة أو الشيشة عليه الذهاب إلى أماكنها، هذا الرجل موعده مثل موعد الفوال كثيراً ما يفتحان معاً، ويغلقان معاً!

فترة الظهيرة لها الرز باللحم والمندي والكرشة، هذه المحلات لها سوقها الخاص، يفتح بعد آذان الظهر، ولا يؤذن المغرب إلا ويكون السوق كله خالياً من الزبائن وأصحاب المحلات. أما في المساء فموعد الناس مع محلات المطبق والفلافل حتى بعد آذان العشاء.. لا يوجد خلط في المواعيد، كل وجبة لها وقتها، وكل صاحب محل له موعد ثابت لا يخلفه، لا يزيد أو ينقص منه شيئاً!

كل هذه الأطعمة تقدم الآن على مدار اليوم، من الشمس إلى الشمس، وبدل جرة الفول الوحيدة، من الممكن صف عشرة جرار.. وبدلاً من فترة واحدة فإن العمل يتم على مدار اليوم، لا وقت للبائع يضيعه مع الأسرة والأصدقاء، لا وقت لديه للمناسبات العائلية أو العامة، ما يحدث ليس طمعاً، أنه شراسة، يشترك فيها المواطن وغير المواطن والذي لا يجاري التيار يغرق، وللأسف، لا أحد يدرس هذه الحالة.

فاكس:012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد