Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/05/2009 G Issue 13383
الاربعاء 25 جمادى الأول 1430   العدد  13383
الاشرعة
مكتبة الملك عبدالعزيز ورحلة الترجمة العربية
ميسون ابو بكر

 

ما بين رحلة الشتاء والصيف والرحلات المتفرقة التي كانت قوافل العرب تصل بها شرق المعمورة وغربها وجنوبها، كانت الثقافة أغلى تلك البضائع التي كانوا يتبادلونها في رحلاتهم هذه، وكانت الترجمة سبيلهم للاطلاع على ألوان الثقافة المختلفة وفهمها.

أصبحت الترجمة ضرورة ملحة في العصر العباسي اتسعت رقعة الإسلام واختلط المسلمون بغيرهم من الشعوب مما كان لترجمة علوم الطب والفلك والكيمياء والرياضيات والنقد أكبر الأثر في التلاقح الثقافي بين الشعوب.

ومن مظاهر الاهتمام بالترجمة أن الكتب المترجمة كانت تبادل بوزنها ذهبا، وكان النص الواحد يحظى بعدة ترجمات.

ولعل الأدباء والشعراء العرب من أبرز من اطلع على آداب الأمم الأخرى، إيمانا منهم أن الأدب والثقافة لبنة من لبنات الصرح الثقافي العالمي.

لعل بيت الحكمة في بغداد هي أول دار علم أقيمت في عهد الحضارة الإسلامية وقيل إن أول من أنشأها أبو جعفر المنصور، ثم هارون الرشيد الذي أقامها على مساحة كبيرة في مبنى كبير يتكون من عدة قاعات إحداها للدرس والأخرى لطباعة الكتب وأخرى للقراءة، ثم قاعة للاستراحة وتناول الطعام، ثم مكتبة كبيرة تشبه الخزنة للكتب التي نظمت فيها الكتب حسب فهرسة خاصة. وكان يشرف عليها مجموعة من الأشخاص الذين ينظمون زائريها ويخدمون الدارسين والعلماء.

ولم تقتصر هذه الدار (دار الحكمة) على الدراسة فحسب، فكانت ملتقى للعلماء وأهل المعرفة والفكر للمناظرة والنقاش والتنافس على المسابقات التي خصصت تشجيعاً للعلم والبحث.

شجع هارون الرشيد كما ابنه المأمون من بعده اقتناء الكتب وسعوا للبحث عنها وشرائها من كافة أنحاء المعمورة وترجمتها من لغاتها المؤلفة بها، سواء كانت الهندية أو الفارسية أو اليونانية أو السريالية إلى العربية، وإلى باقي اللغات الحية كي تعم الفائدة الجميع. وقد كان لمكتبة الحكمة في بغداد ولعلمائها الأثر الكبير في الترجمة وفي حفظ التراث العالمي من الزوال بترجمته وإفادة العلماء وطلاب العلم والباحثين بالاطلاع عليه ودراسته. مثل سائر المكتبات العربية الأخرى التي كانت تتنافس على جمع الكتب وترجمتها واستقطاب العلماء والدارسين إليها كانت دار الحكمة التونسية ودار الحكمة في القاهرة التي أسسها الحاكم بأمر الله الفاطمي.

أنفاس كبار العلماء العرب سواء علماء الفلك أو الطب والهندسة والفلسفة ظلت دافئة في الحياة العربية وقد حفظتها مكتبة الحكمة البغدادية كما سائر المكتبات الأخرى على الرغم من إبادة بعضها في هجمات ضارية من التتار استهدفت هذا الفكر لكنها على الرغم من هذا لم تفلح أن تغيبه بشهادة غوستاف لبون على سبيل المثال الذي قال: كلما تعمق الفرد في دراسة المدنية الإسلامية تجلت له أمور جديدة واتسعت أمامه الآفاق وثبت له أن القرون الوسطى لم تعرف الأمم القديمة إلا بواسطة علماء المسلمين، ولقد عاشت جامعات الغرب خمسمائة سنة تنقل عن العرب وتتعلم منهم). كما شهد بذلك بريغولت: (إن العلم هو أجل خدمة أسدتها الحضارة العربية إلى العالم الحديث). وقد أشار الأديب الألماني غوتيه إلى فضل علوم العرب على الغرب، واليوم نجد صور بعض علماء المسلمين كابن سيناء والرازي معلقة على جدران مدرسة الطب بجامعة باريس اعترافاً بفضلهم على البشرية أجمع. لم تقتصر المكتبات أن تكون حاوية للكتب بل تعدتها لتكون ملتقى للبحث والنقاش وتبادل العلم والمعرفة والترجمة التي ازدهر رواجها وكرم المترجمون الذين وضع على كاهلهم أمر نقل بذار العلم والمعرفة من وإلى اللغات المختلفة.

ولعل من أبرز هؤلاء المترجمين العرب الذين برعوا فيها منذ فجر الإسلام حتى اليوم الجاحظ، وابن المقفع والبستاني الذي ترجم الإلياذة عن اليونانية والخوارزمي وحنين بن إسحاق وسليم قبعين الذي كان من أوائل المترجمين الذين عرّفوا العرب بالأدب الروسي. وتوفيق الحكيم وطه حسين الذي ترجم عن الفرنسية والمنفلوطي ومي زيادة التي أبدعت في الترجمة عن الألمانية وقد يضيق المجال بذكر الكثير منهم. ولعل من أهم الشروط التي وضعها الجاحظ للترجمة التمكن من المادة المراد ترجمتها، والإلمام باللغتين المترجم إليها والمترجم منها، وبقيت هذه الشروط بعد قرون عديدة هي نفسها المتبعة عالمياً.

الترجمة هي التبادل العلمي والفكري والمعرفي المشروع لشعوب الأرض التي من شأنها تقوية أواصر التفاعل بين الثقافات المتعددة، ولعل في إطلاق مكتبة الملك عبدالعزيز لجائزة خادم الحرمين الشريفين في الترجمة سُنة حميدة في تشجيع الإبداع وتبادل العلوم المختلفة وإحياء ما سكن منها على رفوف الزمن، للجائزة قيمة كبيرة في تحفيز الإبداع معنوياً ومادياً، وفي هذا تؤكد مكتبة الملك عبدالعزيز أنها دار علم ومعرفة مثل مثيلاتها من دور الحكمة التي وجدت على مدى التاريخ الإسلامي في أنحاء مختلفة من المدن العربية، واستطاعت أن تكون منارة ثقافة.

وفي هذا العام تؤكد المكتبة عالمية هذه الجائزة وذلك بإقامة حفلها في المغرب الشقيق حاشدة ما استطاعت من إمكانات لترسيخ الحوار والتبادل الفكري والعلمي والثقافي.



maysoonabubaker@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد