Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/05/2009 G Issue 13383
الاربعاء 25 جمادى الأول 1430   العدد  13383
علَّمتْني الحياة
ريم سعيد آل عاطف

 

تتشكل شخصية المرء في جانبها الأكبر من صفات وطباع موروثة عن والديه، ثم بعض القيم والمهارات والمعارف التي يكتسبها في مراحل عمره المختلفة لتحدد في النهاية مخزونه الفكري والنفسي الذي يتحكم في سلوكه وطريقته الخاصة في النظر والتعامل مع الأمور، وقد يسكن البعض عند منعطف معين في رحلتهم فيتوقفون عن التعلم والتطور والتقاط ما ينفعهم ويرتقي بهم من تجارب الآخرين فيما يكمل البعض الآخر مسيرتهم بتفاعل إيجابي ووعي لتنمية عقولهم وأرواحهم وتقويتها، وقد فمت ذلك جيدا فقررت أن أقرأ - أبحث - أنصت - تعلم - أعترف بأخطائي فأتراجع دون مكابرة - احرص على ما يضيف لي ويغيرني إلى الأفضل، وكما كنت أحاول أن أستفيد من دروس الأشخاص وخبراتهم وجوانبهم المتميزة رأيت هنا أن أعرض لشيء مما بنيته داخلي وأفدته من غيري لعل قارئا يجد بدوره بين كلمات هذا المقال معنى يهتم له:

- علمت يقيناً أن نفسي أولى بالإصلاح والتقويم، وأن عيوبي أحوج للتأمل والنقد فعملت جاهدة على متابعة سلوكي وأخلاقي وأعرضت منذ فهمت معنى الحياة عن مراقبة الآخرين، فلو أدرك المرء منا حقيقة ذلك الحساب الأخروي الدقيق لكل لفظة وحركة وكل نية عقدها في قلبه لانشغل فعلا بتربية نفسه وتوجيهها، ولكف عن محاسبة من حوله وكثرة لومهم وتقريعهم واصطياد سقطاتهم وتحويل حياته وحياتهم إلى حرب لا تهدأ ولا تحترم الحقوق والمبادئ، معركة محتدمة: خطط وخدع ومواجهات وكمائن.

- أدركت أن نعم الله كالبحر يستحيل عد قطراته، ولكني أحمد الله على نعمة عظيمة نشأت بها ولم تفارقني حتى هذه اللحظة في حين فقدها الكثيرون وهي: سعادتي بكل الأشياء الجيدة مهما كانت بسيطة، استمتاعي بالدقائق والأنفاس، استشعاري روعة الحياة وجانبها الملون الخلاب، تلذذي لجرعة الماء ومذاق الخبز واللباس النظيف المريح، كل ما يحيطني يعجبني يبهرني.. الشمس القمر.. البر البحر.. الرمل الصخر.. ممتنة وسعيدة بإسلامي وأمتي ولغتي ووطني وأسرتي، أحتفل شكراً وعرفاناً دائماً بلحظات الصحة واكتمال الحواس وساعات الأنس والرخاء، وأزداد أملا في الله ورجاءً مع تبدل الحال وتوارد المنغصات، وأعجب إذ أرى كثيرا من الناس يرفلون في النعم إلا أن سعادتهم أصبحت نادرة وصعبة المنال؛ حيث لا يجدون لدنياهم لونا أو طعما أو رائحة! ولتوفر عطايا الرحمن ووفرتها أصبحت وكأنها تحصيل حاصل، ولا تستحق الاحتفاء، ولأني لازلت أفرح كالأطفال بقطعة من الكعك أو الحلوى التي أحبها فإني أشفق على أولئك الذين ما عادوا يلحظون في حياتهم أمراً واحداً يبعث السرور والبهجة في أنفسهم أولئك (وهم كثر جداً) الذين تفقد الأشياء الثمينة بريقها في أعينهم، وجاذبيتها ما إن تصبح بين أيديهم أو ملكا لهم!

- اعتدت ألا أضع ثقتي المطلقة إلا في خالقي؛ فوحده الله لا يخذل محبيه أبداً، وما دام الجميع بشراً فلست أعلق الآمال العريضة على الأشخاص، ولا أتوقع منهم الملائكية أو المثالية ولا يعتريني ضيق أو كدر إن بدرت عنهم بعض مناقص الطبيعة البشرية من أذى أو ظلم أو أنانية، أعيش غالبا في راحة لأنني لا أنتظر شيئا من أحد، ولا أستبعد شيئاً من أحد فكل الاحتمالات واردة ومع بعض المرونة تتضاءل الفرص أمام الصدمات والهجمات الغادرة المباغتة أن تتمكن من تحطيم معاني الرضا والأمل في نفسي.

- ظننت في صغري أن الأثرياء يمتلكون السعادة وربما يحتكرونها بلا منازع، وعندما كبرت اقتنعت أنهم يعانون البؤس والشقاء كغيرهم، بل وأكثر، وتأكدت أن ذوي الصلاح والتقوى هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة؛ فهنا أعرضوا عن الشهوات والشبهات واستغنوا بالحلال عن الحرام وانكبوا على الطاعات فعاشوا بضمائر حية وقلوب مطمئنة معلقة بالله، وهناك وعدهم ربهم النجاة والجنة ولا يخلف الله وعده أبدا.. وقد ساعد ذلك في جعل الطريق واضحاً أمامي، وإن أضاع الواهمون أعمارهم بحثا عن السعادة وهربا من الأوجاع والأزمات بإدمان التدخين والمسكرات أو الأغاني والأفلام المنحطة أو جنون الموضة والتسوق أو الغيبة والثرثرة ونهش أعراض الآخرين وخصوصياتهم أو الانفلات والعلاقات المحرمة فليتهم يعلمون أن الأمور أيسر وأقرب مما يظنون! ولتطرد همَّا أو تزيح حزنا متراكما بين أضلعك فما عليك إلا أن تتناول كتاب الله لعلك وضعته جانباً، وهجرته منذ رمضان الفائت؛ فتتلوه خاشعاً متدبراً آياته المنزلة أو تطهر روحك وتغسل لسانك بالتسبيح والاستغفار والدعاء، وتقوي علاقتك بخالقك وتتوكل عليه واثقاً في كرمه ورحمته، فتتبدد حينها متاعبك النفسية ومشكلاتك المزمنة وتكسب التحدي بكيان متماسك قوي محصن ضد الانحراف والهزيمة ومساوئ وتقلبات الزمن والظروف.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد